الجيش يقاتل الإرهاب وحيداً.. ومن دون حصانة نبيل هيثم
قَدَّمَ الجيشُ مجددا كوكبةً من الشهداء العسكريين على مذبح الارهاب في جرود عرسال. والسؤال الذي يفرض نفسه: ماذا بعد.. وهل يمكن التسليم بهذا الوضع وإبقاء المؤسسة العسكرية قابضة على الجمر ورابضة على حد السكين؟
ما تعرض له الجيش في الساعات الماضية، بالاضافة الى حالة الابتزاز المجنونة التي تمارسها المجموعات الارهابية في قضية العسكريين المخطوفين، لا يشكلان فقط إدانة صريحة لكل تلك الاصوات المذهبية والسياسية التي تناغمت، قصدا او عن غير قصد، مع تلك المجموعات وغطت حربها على الجيش اللبناني، بالتحريض على العسكريين ومذهبتهم وهدر دمهم، بل هي إدانة قد لا تستثني احدا من اهل السلطة وحديثي النعمة فيها.
الجيش يُقْتَل. وقمة الغدر به ان يقارب البعض ما يتعرض له وكأنه جيش لدولة اخرى لا شأن له به، وكأن خبر سقوط الشهداء العسكريين هو خبر عادي عابر لا يحرّك عنده شيئا من مسؤولية وطنية، بل بعض التعابير الانشائية.
في دولة طبيعية، يفترض الا يمرّ اي حدث مرور الكرام، فكيف اذا كان الامر يتعلق بعصب الدولة، اي الجيش. وعلى ما يقول قطب سياسي، فان ما حدث في الساعات الماضية من قتل للعسكريين في جرود عرسال ينبغي ان يُحْدِث نقلة نوعية في المقاربة، عنوانها: تحصين الجيش، وبالتالي الحزم والحسم. ولكن هل هذا ممكن؟
هذا ممكن من حيث المبدأ، وكذلك من حيث المسؤولية الوطنية ومن حيث الاستثمار الصادق على التأهب الدائم والجهوزية لدى المؤسسة العسكرية لمواجهة المجموعات الارهابية والتكفيرية. ولكنه سرعان ما يستدرك ويتوقف عند التساؤلات التالية:
اولا، كيف يمكن الوصول الى التحصين ومن ثم الحزم والحسم، ولبنان تتجاذبه من جهة عناصر قلق كثيرة وسياسيون يغني كل منهم على ليلاه، ومن جهة ثانية مراوحة سلبية فيها الكثير من العقم، وعدم القدرة على المبادرة؟
ثانيا، كيف يمكن ذلك، وبعض الدولة يتعاطى مع الملفات الامنية والعسكرية كلها «على القطعة» وبالمفرق، ووفق الهوى السياسي والمصلحة الذاتية؟
ثالثا، كيف يمكن ذلك، و«عقلية البلف» ووضع العصي في دواليب الجيش هي التي تحكم أداء بعض السياسيين، والشواهد كثيرة:
ــ خلال غزوة عرسال في 2 آب الماضي حين رفع بعض الوزراء شعار الحل السياسي في وقت كانت المجموعات الارهابية تحتل البلدة وتخطف العسكريين ودم الشهداء العسكريين كان لا يزال على الارض.
ــ خلال محاولة تمرير «تمثيلية» إخراج شادي المولوي واسامة منصور من مسجد عبدالله بن مسعود في التبانة، وارتفاع بعض الاصوات بانتقاد ما سمته «استخدام القوة المفرطة»، والاتصالات التي انهالت على الجيش لوقف اطلاق النار وإنهاء عمليته العسكرية.
ــ خلال كل الاحداث التي حصلت والاصوات العلمائية التي تعالت بالتحريض على الجيش وتحريم قتله الارهابيين، والاصرار على اعتبارهم ثوارا، وكأن العسكريين هم الذين ذبحوا انفسهم في الجرود.
رابعا، كيف يمكن التحصين وبالتالي الحزم والحسم، في غياب دولة موحدة تعبر عن نفسها امام هذا الخطر؟ وفي ظل إمعان البعض في محاولة تكبيل يد الجيش؟
خامسا، كيف يمكن ذلك، وهناك في الداخل مَن ما زال يعتبر ان «جبهة النصرة» هي «مكون وطني» يجب التعامل معه، فيما هي التي ذبحت الجنود المخطوفين وقتلت العسكريين في جرود عرسال وتهدد بقتل الآخرين؟
سادسا، كيف يمكن ذلك، وقضية العسكريين المخطوفين لا تقارب بحجمها، مجموعة طباخين، كل واحد منهم يحضر وجبة على مزاجه، وبعضهم اسقط نفسه امام الخاطفين وخضع للعبة الابتزاز التي يمارسونها ورهن نفسه منفذا لشروطهم ومطالبهم التعجيزية التي لا يوجد فيها الا اذلال للدولة اللبنانية وكذلك للعسكريين المخطوفين؟
سابعا، كيف يمكن ذلك والبعض ينفي امتلاك لبنان لعناصر القوة في وجه ارهابيي الجرود وخاطفي العسكريين؟ فأبسط عناصر القوة هي: ستر العري الكامل الذي تعاني منه الدولة بموقف رسمي موحد، وبوجود مركزية بامساك القرار، وليس تعدد الرؤوس، والاهم توفير كل عناصر الدعم الميداني والعسكري والسياسي للجيش، والنأي فيه عن خلافات السياسيين، وقبل كل ذلك قطع طريق عرسال الجرود نهائيا ومنع الامداد والاكل والدواء والمحروقات عن الارهابيين. فضلا عن ان سجن رومية يزخر بمئات من عناصر القوة، لكن الفضيحة بمن يمسك رومية» الدولة ام «داعش» و«النصرة»؟.
ثامنا، كيف يمكن ذلك، في غياب التنسيق اللبناني ـ السوري في معركة الجرود التي باتت توجب على الطرفين الالتقاء فيها إن لم يكن عاجلا فآجلا؟
تاسعا، كيف يمكن ذلك، وما زال مليار سعد الحريري ومليارات السعودية سلاحا على ورق؟.
(السفير)