الخطوة الصينية في الحرب الإعلامية بقلم: بنت الأرض
حسب وكالات الأنباء الغربية فإنّ رويترز والأسوشييتد برس وبلوبيرغ والفايننشال تايمز والنيويورك تايمز قد استثمروا مئات الملايينمن الدولارات في السنوات الأخيرة في بناء مؤسسات إعلامية في الصين ونشر التقارير الإخبارية باللغة الصينية للشعب الصيني. معظم هذه الوسائل الإعلامية تمّ حجبها اليوم في الصين. وهكذا فإنّ المسؤولين عن هذه المؤسسات منخرطون منذ أشهر بمفاوضات خلف الستار لمحاولة رفع الحظر عن هذه المؤسسات. فقد أصدرت وزارة في الصين قواعد جديدة تمنع أي شركة استثمارية أجنبية من نشر أي شيء على الانترنت في الصين.
لا شك أنّ الإعلام الغربي سوف يتهم الصين بأنها تتراجع عن الانفتاح وتسعى إلى الانغلاق وسوف يتحدثون عن القيم الغربية ” السامية” بضرورة الانفتاح على الآخر والذي يعني أولاً وأخيراً انفتاح الجميع على القيم والأفكار الغربية دون أن يترافق هذا مع انفتاح الغرب على القيم والأفكار القادمة من الشرق. ذلك لأن واقع الحال هو أن الغرب هو الذي يمتلك الإمبراطوريات الإعلامية والخبرة التي لا تضاهى في نشر وتسويق الأخبار بغض النظر عن مدى مصداقيتها أو خطورتها على الجماهير المستهدفة ولذلك فإن حديث الغرب الدائم عن الانفتاح يعني شيئاً واحداً ألا وهو انفتاح الآخرين على القيم والثقافة وأسلوب العيش الغربي، لا بل واستبدال القيم والأعراف والعادات في البلدان الأخرى بقيم غربية باعتبارها هي الأكثر تحضراً في نظر الغرب وهي التي يجب أن يسعى الآخرون للامتثال لها.
إنّ هذه الخطوة الجريئة والضرورية من قبل الصين إذا ما تمّ التمسك بها تعبر عن وعي عميق لخطورة الغزو الإعلامي الغربي والذي يعبث بأفكار الشباب ويعمل على إزاحتهم عن ثقافتهم وتاريخهم ليصبحوا تابعين للنموذج الاستهلاكي الغربي وللتوجهات السياسية الغربية وبهذا يصبح من السهل على الغرب الانقضاض على هذه البلدان وإيجاد مروجين كثر لكلّ ما يخطط له الغرب ويهدف إلى تحقيقه خدمة لمصالحه في بلدانهم. ولاشك أن العمل وفق هذه الرؤيا يلغي الاختلاف التنوع ويعمد إلى تقويض العمق الحضاري لبلدان ضاربة في التاريخ لأنّ المنظور الغربي يؤمن بتفوّق الغرب على كل الحضارات وأن هدف الشعوب قاطبة على وجه البسيطة يجب أن يكون تقليد الغرب ومحاولة الارتقاء إلى مستواه. ليس هذا غريباً من سكان أبادوا الحضارات الأصلية في البلدان التي وصلوا اليها كمستوطنين أوروبيين بيض إبادة كاملة ولا أثر يقتفى لعادات وتاريخ وثقافات وهويات تلك الشعوب التي لو تمّ الحفاظ عليها لأغنت البشرية في جميع مجالات المعارف والفنون والطقوس والتقاليد. ولكنّ الغريب هو أنّ معظم شعوب الأرض لم تأخذ الاحتياطات اللازمة لحماية مجتمعاتها من هذا الخطر الداهم. فها نحن في العالم العربي قد فتحنا كل الأبواب دون حسيب أو رقيب لكل فضائيات الكون ولكلّ وسائل الاتصال دون أن نضع الضوابط التي تحافظ على مصالحنا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا وتضمن أن يكون مسار تطورنا وفق امكاناتنا ووفق رؤيتنا والأهداف التي نبتغي التوصل إليها. وفتحنا الآفاق دون ضوابط لتغلغل السياسي الدعائي المعادي لمصالح شعوبنا ولذلك تدفع شعوبنا دماً غالياً ومعاناة مريرة بسبب ذلك لقد أدرك الاتحاد الروسي منذ سنوات خطورة الحرب الإعلامية فأنشأ فضائيات بلغات مختلفة بدأت تنافس القنوات الأمريكية والأوروبية في عُقر دارها. وها هي الصين تدرك خطر مثل هذه المؤسسات على أفكار الناشئة في الصين وعلى تربيتهم وعاداتهم وعلى توجههم السياسي والفكري فتقرر حظر هذه المؤسسات وهو القرار الصائب وطنياً دون شك. أمّا من يسعى لشهادة حسن سلوك من الغرب بأنه ديمقراطي ومنفتح ومستعد لاستقبال كل الآراء فلن يرضى عنه الغرب إلاّ إذا أصبح خادماً أو عميلاً له لأنّ النظرة الأساس هي تفوّق هذا الغرب على كل ما سواه. ولذلك فإنّ الجدير بمواطني الدول الأخرى وخاصة ذات الحضارات العريقة والعميقة هو أن يتخذوا كل الإجراءات الضرورية لحماية حضاراتهم وهويتهم وتراثهم ومستقبل أبنائهم ، وقد برهنت أمثلة عدة في التاريخ أنّ الغرب في النهاية وبغض النظر عن الاستهلاك الإعلامي يحترم من تملك أسباب القوة في تاريخه وبلاده ولغته وآليات عمله وعاداته وثقافته. فلتكن الخطوة الصينية في مواجهة هذه الحرب الإعلامية الشرسة مثالاً يحتذى تتبعها خطوات من قبل بلداننا جميعاً تعكف على رسم الاستراتيجيات والآليات المستقلة عمّا يريده من يعمل على استهدافنا وقتل الملايين من شعبنا وإضعافنا وتحويلنا إلى أتباع ومستهلكين بدلاً من أن نكون أسياداً ومنتجين.