الأخطاء الطبية: مشكلة وحلول
مركز ترشيد السياسات الصحية (K2P) يعرض البراهين العلمية حول الأخطاء الّطبية
قدم مركز ترشيد السياسات K2P Centerفي كلية الصحة في الجامعة الأميركية في بيروت مشروع دراسة حول الأخطاء الطبية، عارضا في السياق مجموعة من الأدلة العلمية الموضوعية التي تحدد حجم المشكلة، والمسؤوليات والأسباب، تحت عنوان الموجز المعرفي للسياسات العاّمة (K2P Policy Brief)، بهدف الوصول الى تفاهم شامل مبني على أسس علمية والقيام بمبادرات تؤدي الى خفض ملموس في عدد الأخطاء الطبية ونتائجها السلبية على المرضى.
فقد نظّم K2P Center، وبالّتعاون مع وزارة الصحة العاّمة في لبنان، حوار السياسات العاّمة (K2P Policy Dialogue) تحت عنوان: “معالجة موضوع الأخطاء الطبّية في المؤسسات الصحية في لبنان“. بعدما أصبحت الأخطاء الطبية موضوعا يشغل الّرأي العام اللبناني في كل ما يتعلق بالخدمات الصحية، ولا سيما بعد الملابسات التي أثارتها قضية الطفلة إيللا طنوس التي حظيت بتغطية إعلامية مكثفة وأثارت جدلا واسعا في الأوساط الطبية، وتابعها الرأي العام اللبناني والعربي على نطاق واسع كقضية انسانية.
وإذ أشار K2P Center الى ظهور بعض المبادرات المختلفة من جهات معنّية لحل هذه الأزمة، أكد أن الأدّلة والبراهين العلمية لا تزال غائبة عن معظم النّقاشات والحوارات، مشيرا الى أنه بين عامي 1996-2013 تمّ تقديم أكثر من ألف شكوى متعلقة بممارسات طبية خاطئة أو غير سليمة إلى نقابة الأطباء، لافتا الى أن التحقيقات التي أجرتها النقابة ركزت على الأطباء بشكل أساسيباعتبارهم الفاعلين الرئيسيين في الأخطاء الطبية، بالّرغم من أن الأبحاث العلمية تشير الى أن غالبية الأخطاء تحدث نتيجة إخفاقات على مستوى المؤسسات والنّظم الصحية، ونتيجة الإهمال الشخصي.
جَمع الحوار الذي عُقد على شكل جلسة مغلقة واستمر مّدة أربع ساعات ممّثلين عن كل من:وزارة الصّحة العاّمة في لبنان، نقابة الأطباء، نقابة المستشفيات، نقابة الممرضات والممرضين، نقابة صيادلة لبنان، الصندوق الوطني للضّمان الجتماعي، منظّمة الصحّة العالمية، والصّليب الأحمر اللبناني، بالإضافة الى مدراء عاّمين لعدد من المستشفيات ومراكز العناية الصحّية الأولية، كما حضرته جمعّيات غير حكومية تُعنى بالشأن القانوني وأكادميّين، وأطّباء.
وقبيل انعقاد الحوار، اّطلع المدعوون على الموجز المعرفي للسياسات الصّحية(K2P Policy Brief) الذي مكّنهم من المشاركة بالحوار بطريقة منهجية وعلمية، والذي أداره مدير المركز الدكتور فادي الجردلي.
ركز الحوار على أربعة عناصر يتم اعتمادها في المقاربات لحلّ الأزمة:
1- تحسين الإدارة السريرية من خلال دمج المبادئ التوجيهية السريرية المبنية على البراهين العلمية، وتدريب وتقييم أداء العاملين الصحيين، ومن بينهم الأطباء.
2- إصدار وتطبيق سياسات تعزز عملية التبليغ عن الأخطاء الطبية بشكلٍ سري من جهة، وتعزيز ونشر ثقافة الرّد غير العقابي من جهة أخرى.
3- مراجعة وتحديث معايير الأنظمة المعتمدة في المؤسّسات الصحية لضمان احتوائها على أهداف سلامة المرضى ومؤشرات الأداء.
4- تمكين المرضى ومساندتهم وتوعيتهم على الدور الذي يلعبونه في ما يختصّ بسلامتهم، وإشراكهم في عملية اّتخاذ القرارات التي تتعّلق بصحتهم.
وكانت مداخلة لمدير ومؤسس مركز K2P الدكتور فادي الجردلي الذي أوضح أنه “بهدف ترشيد النقاش حول قضّية الطفلة إيللا طّنوس والحّد من الأخطاء الطبية وتحسين ممارسات سلامة المرضى في لبنان، جمعنا موجز السياسات K2P Policy Brief، وعقدنا جلسة الحوار K2P Policy Dialogue بحضور صانعي القرار والمعنيين. فقّدمنا لهم بالإضافة الى البراهين العلمية حول موضوع الأخطاء الطبية والحلول المعتمدة، العوامل التي يمكن أن تؤثر على عملية التنفيذ”، مؤكدا أن الحوار بمثابة خارطة طريق لتحسين سلامة المرضى والحد من الأخطاء الطبية في لبنان، استنادا الى خبرة العاملين في K2P. وعبّر الدكتور الجردلي عن سعادته لرؤية المزيد من الاهتمام بالأبحاث والأدلة العلمية كخطوة أساسية قبل المباشرة بعملية صنع القرار.
فما هي النقاط الأساسية التي ركز عليها الموجز المعرفي للسياسات العامة في موضوع معالجة الأخطاء الطبية في المؤسسات الصحية في لبنان؟.
الرسائل الأساسية: تعريف المشكلة
بالرغم من إزدياد عملّيات التبليغ عن الأخطاء الطبية في لبنان، لا تزال التداعيات والنقاشات التي تتناول الأسباب والمسؤوليات والمساءلات حول هذا الموضوع دون مستوى الاطلاع الكافي وهي لا تؤّدي الى أي تحسّن ملموس وحقيقي في الممارسات المرتبطة بسلامة المرضى. وتساهم المشاكلُ على مستوى النظام الصحي، والمؤسسات الصحية، والكفاءة المهنية، باستمرار حدوث أخطاءٍ طبية مترافقة مع استجابات ضعيفة ومحدودة. فما الذي نعرفه حول عناصر أربعة يتم اعتمادها في المقاربات لمعالجة هذه المشكلة؟.
1- تحسين الإدارة السريرية من خلال دمج المبادئ التوجيهية السريرية المبنية على الأدّلة والبراهين العلمية، وتدريب وتثقيف مقّدمي الخدمات الصحية، وإجراء تقييمٍ للأداء.
– المبادئ التوجيهية السريرية المبنية على الأدلة والبراهين العلمية: توصّلت ثماني مراجعات منهجية إلى دعم تطبيق الممارسات الصحية المبنية على الأدّلة والبراهين العلمية بهدف الوصول الى رعاية صحية ذات جودة مرتفعة، حيث ثَبُت أّن هذه الممارسات تساهم بشكل ملموس في تطوير المهارات والمعرفة والسلوكيات في أوساط مقّدمي الخدمات الصحية.
– تدريب وتثقيف مقدمي الخدمات الصحية: توصّلت أربع مراجعات منهجية إلى أّن إدراج مواد خاصّة بتحسين الجودة وسلامة المرضى ضمن مناهج المتدربين وطلاب كلّيات الطب يساهم بشكل إيجابي في رفع مستوى المهارات والسلوكيات وجوانب المعرفة المتعلقة بسلامة المرضى والجودة في أوساط مقّدمي الخدمات الصحية. كما أّن وجود مثل هذه المواد يساهم إيجابيًا في رفع نسبة مشاركة مقّدمي هذه الخدمات في مشاريع تحسين الجودة.
إّن مراجعةً شاملة لتسع وثلاثين مراجعة منهجية “ an overview of systematic reviews” وجدت أّن التعليم الطبي المستمر بدءً من الّلقاءات التثقيفية والتعليمية، الى الأنشطة التعليمية الأكثر توسُعا وتفضي الى رفع مستوى المعرفة والسلوكيات والتصّرفات والمهارات والأداء عند الأطباء، وينعكس بشكل إيجابي على النتائج الطبية للمرضى.
بّينت مراجعة شاملة لستّ وعشرين مراجعة منهجية حول تقنيات وأساليب التعليم الطبي المستمر، أّن الوسائل التّفاعلية )التقييم/ وإبداء الرأي “feedback“، التّعليم التفاعلي، التفصيل الأكاديمي، والمنّبهات (هي الأكثر فعالية لتحسين جودة الأداء وتحسين النتائج الطبية للمرضى، وتليها المبادئ التوجيهية السريرية.
توصّلت أربع مراجعات منهجية إلى أّن التّدريبات على مستوى الفريق يمكن أن تساهم بشكل كبير في تحسين مستوى المعرفة وسلوكيات مقدمي الخدمات الصحية. وتنعكس هذه التدريبات ايجابًا على تطوير آليات وروح عمل الفريق من جهة وعلى الخدمات الصحية المقّدمة من جهة أخرى، كما تحسِّن النّتائج الطبية للمرضى، بما في ذلك الحد من الحالات السلبية، والوفيات والأمراض.
خَلُصت مراجعتان منهجيتان اثنتان إلى أّن الجولات الدورية للقيادة، ونظام العمل الدوري المتنقل بحيث يشمل مختلف الختصاصات، وبرنامج السلامة الشامل لكل وحدة عمل”Comprehensive Unit-based SafetyProgram CUSP” هي ممارسات ذات تأثير إيجابي كبير على تحسين سلامة المرضى ونتائجهم الطبية.
– التدقيق والتقييم وإبداءالرأي المالحظات التقييمية:تبّين بعد الاطلاع على مراجعة شاملة لعّدة مراجعات منهجية، ومراجعة تحليل موسَّع “meta-analysis” ومراجعة منهجية، وأخرى نقدية للّدراسات “critical review of the literature“ أّن ممارسات التدقيق والتقييم وإبداء الرأي هي من الممارسات الفّعالة لتحسين الأداء السريري لمقدمي الخدمات الصحية.
تو ّصلت مراجعة منهجية إلى أّن التدقيق والتقييم وإبداء الرأي يمكن أن يساهم في تحسين جودة الرعاية بنسبة تصل إلى %10.
حّددت اثنتان من المراجعات المنهجية، وتحليل موسّع واحد “1 meta-analysis“ أّن تقديم الآراء والملاحظات التقييمية يترك أثرًا أكبر في حال أتى: من أحد المشرفين أو الزملاء، أكثر من مرة واحدة، ويفضّل أن تكون بشكل خطي/ كتابي (بطريقة متكررة بصيغة الفرد) يتوجه بصيغة شخصية خاصة، وفي حال اقترح أهداف محددة وخطوات عملية.
– تقييم الأداء:
توصّلت سبُع مراجعات منهجية إلى أّن تقييم الأداء المتعّدد المصدر “Multi-Source Feedback(MSF“أو ما يعرف بتقييمات الـ 360 درجة، تعزّز أداء الأطباء وتسلِّط الضوء على جوانب ممارستهم التي بإمكانهم تحسينها. وأظهرت ثماني مراجعات منهجية أخرى أّن تقييم الأداء المتعّدد المصدر“MSF“يساهم أيضًا في تحسين الكفاءات غير التقنية في أداء الأطباء مثل مهارات التواصل ومهارات التعامل مع الآخرين ومع الزملاء ومع المرضى وتعزيز الحسّ الإنساني، إلى جانب الكفاءة المهنية.
بّينت مراجعتان منهجيتان اثنتان أّن تقييم الأداء المتعّدد المصدر هو الأسلوب الأنسب والأكثر عملية من حيث الوقت والتكلفة.
خَلُصت مراجعة منهجية واحدة وأربع دراسات أولية إلى أّن تقييم الأداء يساهم في تحسين جودة الرعاية وفي ضمان التعليم المستمر لمقّدمي الخدمات الصحية.
ربطت عدة دراسات أولية ما بين إعادة ترخيص رخصة مزاولة المهنة لمقدمي الخدمات الصحية وتحسُّن النتائج السريرية ونوعية الخدمات وجودتها.
2- إصدار وتطبيق سياسات تعزز عملية التبليغ عن الحوادث والأخطاء الطبية بشكلٍ سري (مع عدم الكشف عن صاحب/مصدر التبليغ ) على مستوى المؤسسات من جهة وعلى المستوى الوطني من جهة أخرى.
– على مستوى المؤسسات (المستشفيات ومراكز وجهات الرعاية الصحية):
توصّلت مراجعة منهجية واحدة واثنتان من الدراسات الأولية إلى أّن التبليغ عن الحوادث بطريقة غير عقابية يشجع على زيادة التبليغ عن الحوادث “Adverse events and near misses ” ويساعد مراكز الخدمات الصحية على التركيز على الأخطاء الحاصلة على مستوى النظام الصّحي ككل بدل إلقاء الملامة على الأفراد.
توصّلت مراجعة منهجية واحدة وتسع دراسات إلى أّن عملية التبليغ عن الحوادث بشكل غير عقابي تساعد المؤسسات على التعّلم من الحوادث والأخطاء في سياق تقديم الخدمات الصحية، كما أّن هذه العملية تشجع على الرصد المستمر والتحقيق لمعرفة الثغرات التي تساهم في حدوث مثل هذه الحالات.
على المستوى الوطني: توصّلت ثلاث دراسات أولية إلى أّن التبليغ عن الحوادث والأخطاء الطبية بشكل سري يساهم بشكل إيجابي في تحسين الخدمات المقّدمة وسلامة المرضى.
3- مراجعة وتحديث أنظمة الاعتماد الحالية لضمان احتواء معاييرها بشكل واضح على أهداف سالمة المرضى ومؤشرات ومتطلبات التدريب، ودمج ذلك في التعاقد مع المؤسسات.
بّينت خمسُ مراجعات منهجية وجود أدّلة تثبت أّن اعتماد مراكز الخدمات الصحية يساهم إيجابيا في التغيير والتطوير على المستوى المهني، كما، ويزيد من مستوى مشاركة العاملين في المركز، ويعزّز مهارات التّواصل لديهم، ويحسّن من الكفاءة التنظيمية، ويشجع على بناء الفرق المتعّدد التخصصات، ويساهم في إحداث تغيير إيجابي في الثقافة التنظيمية، ويعزّز الأداء القيادي، ويزيد من وعي العاملين فيما يتعلق بالتحسين المستمر للجودة.
توصّلت أربُع مراجعات منهجية إلى أّن الاعتماد على مؤشرات الأداء، والتي من المفترض أن يتم جمعها عند التدقيق والمعاينات الميدانية للتحقق من الالتزام بمعايير الاعتماد، يساهم في تحسين سلامة المرضى وجودة الخدمات المقّدمة بشكل عام.
خُلصت إحدى عشرة مراجعة منهجية إلى أّن استراتيجيات الدفع مقابل الأداء “ pay for performance“تساهم بشكل معتدل في تحسين الجودة.
4- تمكين المرضى بما يسهم في تحسين جودة الخدمات وسلامة المرضى:
توصَّلت أربُع مراجعات منهجية إلى أّن تمكين المرضى يعزز من فرص المشاركة في صناعة القرار ويزيد من فعالية نظام الخدمات الصحية.
بّينت خمسُ مراجعات منهجية أّن إشراك المرضى والتفاعل معهم يساهم في تحسين أداء مراكز الخدمات الصحية وفي تحسين سلامة المرضى.
أوضحت ثماني دراسات أولية أّن تشكيل مجموعات استشارية مختصة بالمرضى وبرنامج تأمين المظالم هما أمران يساهمان في تمكين المرضى.
الخلاصات: ما هي الاعتبارات التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند التطبيق العملي؟:
– عدم توفر الكفاية من الخبرات والموارد، والنقص في المعطيات البيانية والمعلومات المطلوبة حول الإرشادات وجمع البيانات، والقضايا الفنية التقنية مثل وضع معايير مستدامة، هي أمور قد تعيق تطبيق عملية التدقيق والتقييم وإبداء الرأي حول عمل مراكز الخدمات الصحية.
– قدرة مقّدمي الخدمات الصحية على تقديم الآراء والمالحظات التقييمية، وضعف مستويات الثقة في مصداقية التقييم، قد تعيق إمكانية تحقيق تغييرات ونتائج إيجابية ملموسة في سلوكيات مقدمي الخدمات الصحية.
– إمكانية توفّر خبراء أكاديميين في الخدمات الصحية، والضّغوطات بين متطلبات المنهج ومتطلبات الخدمة، والثقافة التنظيمية المؤسساتية، كّلها عوامل قد تؤثر على الجوانب التطبيقية والتنفيذية في ما يتعلق باعتماد سلامة المرضى وتحسين الجودة في المنهج التعليمي الطبي.
– ضغوطات ومسؤوليات العمل لدى العاملين في الخدمات الصحية، وضعف تصميم أنظمة التبليغ عن الحوادث والأخطاء الطبية في الخدمات الصحية، والبيئة “العقابية”، هي عوامل قد تعيق التبليغ عن الحوادث والأخطاء الطبية.
– نقص في السياسات المتعلقة بالجودة وسلامة المرضى على المستوى الوطني التي تساهم في تحديد أهداف متعلقة بالجودة وسلامة المرضى، وتوضيح الأدوار والمسؤوليات ووضع حوافز وتحديد العوامل المشجعة والمثبطة مما قد يعيق تنفيذ المبادرات التي تتعلق بالجودة والسلامة في أنظمة الخدمات الصحية.
– انتقاء مؤشرات الأداء السليمة والصحيحة، التي يمكن الاعتماد عليها وتطبيقها، مع مراعاة كونها مناسبة لنظام اعتماد معيارية المنهجياتالمتبعة لجمع البيانات ولعمليات التبليغ وتأسيس نظام لمكافحة أي محاولات لتحوير أو استغلال البيانات والمعلومات.
– تكلفة تدريب الموظفين وتعيين موظفين جدد وتعزيز مشاركة المرضى في مبادرات تحسين الجودة والسلامة.
– رفض المرضى المشاركة في مبادرات في صناعة القرار وتحسين الجودة.