رحيل عميد الصحافة العربية محمد حسنين هيكل
توفي الأربعاء الصحافي والكاتب العربي البارز محمد حسنين هيكل عن 92 عاما بعد سيرة مهنية حافلة في الصحافة والكتابة وادوار سياسية فاعلة في مصر انطلقت من علاقته الوثيقة بالزعيم العربي الكبير جمال عبد الناصر وقد تميزت كتاباته وتصريحاته في السنوات الأخيرة بموقفه الواضح في مساندة المقاومة اللبنانية والفلسطينية وفي تضامنه مع الجمهورية العربية السورية وتصديها للعدوان الاستعماري وادواته وبدعوته للتلاقي المصري السوري وعلى مر العقود التي امضاها كاحد أبرز قادة الرأي في الوطن العربي كان هيكل خزان معلومات لا ينضب ومصدر تحليلات تبناها كثيرون وخالفه فيها احيانا الكثيرون لكن مكانته ظلت موضع تقدير محبيه واعتراف خصومه خصوصا لجهة لغته الراقية والمهذبة البعيدة عن الشتائم والأحكام المسبقة والمكتبة التي خلفها هيكل من مؤلفاته الغنية تمثل زادا ثمينا في الثقافة السياسية يحتاج إليه أي كاتب او محلل جدي بعيدا عن السطحية والابتذال الشائعين..
قضى هيكل أكثر من 70 عاما عاملا بالصحافة. وخلال رحلة طويلة بين الصحافة والسياسة كان صديقا مقربا لملوك ورؤساء أبرزهم في حياته المهنية عبد الناصر وبينهم الزعيم والمناضل العربي أحمد بن بلة أول رئيس للجزائر بعد استقلالها عام 1962 وآية الله الخميني زعيم الثورة الإيرانية التي أنهت حكم الشاه عام 1979.
تولى هيكل مهام ومناصب صحفية وسياسية. وبعدما عينه الرئيس عبد الناصر وزيرا للإرشاد القومي أسند إليه الإشراف على وزارة الخارجية لفترة وجيزة.
وعمل هيكل مراسلا في دول منها إيران التي كانت موضوعا لكتابه الأول (إيران فوق بركان) عام 1951 ثم كتب بالإنجليزية عن إيران كتاب (عودة آية الله) عام 1982 والذي ترجم إلى العربية بعنوان (مدافع آية الله) وكانت المحطة الأبرز في مسيرة هيكل الصحفية حين انتقل عام 1957 من رئاسة تحرير مجلة (آخر ساعة) الأسبوعية التي تصدر عن مؤسسة أخبار اليوم إلى رئاسة تحرير صحيفة (الأهرام) ومنذ العاشر من أغسطس آب 1957 ظل هيكل يكتب مقاله الشهير (بصراحة) في العدد الأسبوعي من الأهرام كل يوم جمعة واستمر في كتابته حتى الأول من فبراير شباط 1974 حين ترك الأهرام بقرار من الرئيس الراحل أنور السادات وتفرغ لكتابة الكتب والمقالات وصار من أشهر الكتاب في العالم.
وحاور هيكل أغلب الرموز السياسية والثقافية والفكرية في القرن العشرين ومنهم عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين والقائد البريطاني الفيلد مارشال برنارد مونتجمري والزعيم الهندي جواهر لال نهرو وصدرت هذه الحوارات في كتابه (زيارة جديدة للتاريخ).
كان هيكل مستشارا للرئيس جمال عبد الناصر حتى رحيله يوم 28 سبتمبر أيلول 1970 وأصدر عنه كتبا تدافع عن مشروعه للوحدة العربية ومنها (لمصر لا لعبد الناصر) ثم اختلف مع السادات بعد حرب أكتوبر تشرين الأول 1973.
وفي سبتمبر 1981 أمر السادات باعتقال هيكل ضمن حملة شملت 1536 معارضا حزبيا وصحفيا ظلوا رهن الاعتقال بسبب موقفهم من اتفاقيات كمب ديفيد والعلاقة مع الكيان الصهيوني وكتب هيكل شهادته على عصر السادات في كتابه (خريف الغضب) وصدرت لهيكل عشرات الكتب التي تجمع بين التوثيق والتأريخ والشهادة ومنها (بين الصحافة والسياسية) و(حرب الخليج.. أوهام القوة والنصر) و(الخليج العربي.. مكشوف) و(الإمبراطورية الأمريكية) و(المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل) في ثلاثة مجلدات تشرح المسار التاريخي للمفاوضات.
وحمل المجلد الأول عنوانا فرعيا هو (الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية) والثاني (عواصف الحرب وعواصف السلام) والثالث (سلام الأوهام.. أوسلو – ما قبلها وما بعدها) حيث عارض اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل وكتب مقدمة كتاب (غزة – أريحا.. سلام أمريكي) للمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد.
وسجل هيكل جوانب من تفاصيل وخلفيات الحروب العربية الإسرائيلية على ضوء الصراع الدولي في ثلاثة كتب تحت عنوان (حرب الثلاثين سنة) وحمل المجلد الأول عنوان (ملفات السويس) والثاني (1967.. سنوات الغليان) والثالث (أكتوبر 73.. السلاح والسياسة).
وقد واصل هيكل الكتابة ونشر في العديد من الصحف العربية والدولية كثيرا من المقالات التي نالت نسبة عالية من القراءة والاهتمام كما اطل في العديد من الحوارات التلفزيونية التي عرض فيها صفحات من ذكرياته وروايته لأحداث العصر وآراءه السياسية كان من أبرزها ما بثته قناة سي بي إس المصرية وقناة الجزيرة القطرية.
وهيكل زوج لهدايت تيمور منذ عام 1955 ولهما ثلاثة أبناء هم علي طبيب ورجلا الأعمال أحمد وحسن.