عودة الحريري «غير منتجة» والعين ليس على «بيت الوسط» ابراهيم ناصرالدين
عندما تتحول عودة رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري الى بيروت الى «الحدث»، فهذا دليل اضافي على «الخواء» السياسي لدى تيار المستقبل، ودليل ايضا على «ضحالة» ما يمكن ان ينتج عن هذه العودة التي باتت تقليدا مملا، ليتبين لاحقا انها لم ولن «تشيل الزير من البير»، سواء على مستوى اعادة «الروح» الى قوى 14آذار، او على مستوى فتح آفاق جدية لتفاهمات سياسية شاملة مع «الخصوم»، فالاستحقاقات اللبنانية ليست داهمة، وليست في قعر جدول اعمال الدول المتحاربة اقليميا ودوليا، وانما غير موجودة بالاصل ضمن قائمة القضايا المطروحة على بساط البحث. ولذلك لا يوجد الكثير من الامال على هذه الزيارة التي تدخل في اطار «شد عصب» فريق الحريري السياسي المتشرذم، ومحاولة ترميم «البيت» المستقبلي المتصدع، جراء التنافس السياسي المحتدم على تعبئة فراغ «غربة» «القائد». اما لماذا لا يزال باب التسويات مقفلا؟ ولماذا لا يبدو الحريري على استعداد لتقديم المزيد من التنازلات الجدية لانتاج تسوية داخلية؟ فالجواب ليس في بيروت وانما في دمشق، ولمزيد من الدقة، الجواب موجود في حلب.
اوساط ديبلوماسية في بيروت، تربط هذه الخلاصة بالحديث عن تطورات دراماتيكية مرتقبة على الساحة السورية، سيكون لها تاثيرات مباشرة على مجمل الاوضاع في المنطقة ولبنان، وهذا ما عجل بالاتصال الهاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الاميركي باراك اوباما بالامس، فالدخول التركي المباشر على خط المواجهة العسكرية والاعلان عن وصول طائرات سعودية الى مطار انجرليك العسكري، يبدو مقدمة لاحداث قد تخرج عن السيطرة وتدخل جميع القوى في مواجهة مفتوحة غير محدودة النتائج، ما دفع واشنطن الى توجيه «نصيحة» مبطنة مصحوبة بتحذير الى انقرة بضرورة وقف قصف مواقع الاكراد والجيش السوري في حلب…
ووفقا للمعلومات، فان غرفة العمليات المشتركة في العراق، والتي تضم ضباطا سوريين وعراقيين وايرانيين وروساً، وتنسق مع قيادة العمليات العسكرية التابعة لحزب الله في سوريا، بدأت منذ عدة ايام باتخاذ اجراءات عملانية ميدانية تأخذ بعين الاعتبار قيام انقرة والرياض بتدخل بري في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «داعش»، وعلى طول الحدود مع حلب وفي ريف اللاذقية، ولذلك اتخذ القرار بتسريع العمليات العسكرية لاطباق الحصار على مدينة حلب، والتقدم باتجاه الرقة حيث معقل «داعش»، وذلك بهدف قطع الطريق وسحب «الذرائع» من الحلف الذي تعمل السعودية على تشكيله.
هذه الاجراءات الاحترازية جاءت بعد ان بدأت «بصمات» الرياض تظهر على ارض الواقع، وفق ما تسميه الخطة «ب»، حتى الان لا توجد مؤشرات على احتمال حصول تدخل عسكري سعودي واسع النطاق في سوريا، وتشير المعطيات الى انه سيكون محدودا من خلال القيام بهجمات خاطفة تقوم بها قوات خاصة لخلق «ملاذات آمنة» للمجموعات المسلحة، والاعتماد راهنا على الدعم اللوجستي التركي في الشمال، بينما تتواصل الاتصالات مع الاردن لحسم طبيعة المساهمة الاردنية على الجبهة الجنوبية لكن الرياض قامت بتزويد المسلحين بأسلحة متطورة ومنها صواريخ غراد طويلة المدى بهدف وقف تقدم الجيش السوري وحزب الله في ريف حلب.
هذه المستجدات العسكرية لن تؤدي، بحسب اوساط ميدانية، الى تغيير جدي في طبيعة المواجهات، فالقرار الحاسم اتخذ لاخراج حلب من معادلة الصراع في سوريا، «ولا عودة الى الوراء»، لكن ما نبه بوتين اوباما وحذره من تداعياته الخطيرة على المنطقة برمتها، المعلومات الاستخباراتية الموثقة لدى الروس عن نية الاستخبارات السعودية تزويد بعض فصائل المعارضة السورية بصواريخ أرض – جو لاستخدامها تحت اشراف مستشارين عسكريين أتراك وسعوديين، ضد الطائرات الروسية، وهذا ما يعتبره الروس تجاوزا للخطوط الحمراء، التي سيليها سقوط لكافة التفاهمات على طبيعة المرحلة المقبلة في سوريا، ما يعني توسع جبهات القتال الى خارج الحدود، مع ما يعنيه من توريط تركي للناتو في مواجهة مع موسكو التي لن تتوانى ايضا عن الدخول جديا الى الساحة اليمينية، مع ما يعنيه ذلك من تخل عن تحفظها بشان المعركة الدائرة هناك.
وبحسب الاوساط الدبلوماسية، فان الازمة الحقيقية تبقى بين واشنطن وحلفائها، فالولايات المتحدة ارادت ان ترضي الرياض عبر اتفاق ميونيخ من خلال الايحاء بانها ضغطت على موسكو للقبول بفرض وقف للنار، لكن تبين لاحقا ان ما حصل لا يعني وقفا لاطلاق النار بالمعنى العسكري، ولا هو هدنة بالمعنى السياسي، والدليل ان كل طرف أخذ يفسر الاتفاق كما يحلو له، فـ «داعش» خارج التفاهم، وجبهة النصرة كذلك، والعديد من الفصائل التي تعتبرها تركيا والسعودية «معتدلة» تصنفها روسيا «ارهابية» ولن يتوقف القتال معها، ولذلك اندفعت الرياض لاحراج واشنطن والتلويح بوجود الخطة «ب» واعلنت ان هذا التدخل سيكون بالتنسيق مع التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، لاحراج الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين والضغط عليهم للتدخل عسكريا. ويبقى السؤال هل ستبقى سياسة الإدارة الأميركية الحالية على ترددها؟ هل ستقبل بان تفلت الأمور من يديها وتدخل المنطقة في مواجهة عسكرية اقليمية ودولية وهي تقف متفرجة؟ هل ستمنع حلفاءها من اتخاذ قرارات متهورة ستؤدي الى توريطها بتدخل عسكري لا تريده وفي مواجهة عسكرية مع موسكو تطيح بمجمل التفاهمات بين البيت الابيض والكرملين؟ ام انها ستدير ظهرها للاحداث وتجعل حلفاءها يغرقون في «مستنقع سوري» يوازي بخطورته «المستنقع اليمني»؟ كيف سترد موسكو وطهران على التدخل التركي السعودي ؟ واين؟ وماذا سيفعل حزب الله؟
هذه الاسئلة المحورية تختصر في دلالاتها خطورة المرحلة المقبلة على المنطقة، فالمحور الاقليمي المعادي لايران وحزب الله لن يتوانى عن اتخاذ اي اجراءات للحد من الاندفاعة العسكرية في سوريا، الرياض بشكل خاص غير قادرة على تحمل نتائج وتداعيات الخسارة هناك، تعرف جيدا ان «كرة النار» ستتدحرج وستضطر لاحقا لدفع اثمان باهظة على امتداد المنطقة، ولذلك لن تعطي ارباحا بالمجان لخصومها في لبنان، ولكنها ايضا لا تريد خسارة كاملة للساحة اللبنانية، وقبل اتضاح معالم المواجهة المستجدة على امتداد الجبهات السورية، وخصوصا جبهة حلب، ليست في وارد فتح «البازار» اللبناني، موازين القوى الراهنة لا تسمح لها بتحقيق اي ارباح لحلفائها، «شروط» حزب الله لا تقبل اي مساومة في الملف الرئاسي، واي بحث بـ «السلة» راهنا لن يحقق الا المزيد من خسارة الامتيازات، السعودية مهتمة بالحفاظ على تماسك حلفائها ولو على الحد الادنى من عناوين «ثورة الارز»، لذلك كان حضور الحريري الشخصي «اكثر من ضروري»، الحوار بين «المستقبل» وحزب الله «روتين» مفيد لتقطيع المرحلة باقل الخسائر، تفعيل انتاجية الحكومة مفيد «لتعبئة» الوقت «الضائع» بانتظار موعد التسويات الكبرى، الاميركيون لا يريدون الاضرار بالاستقرار اللبناني «الهش»، لكن كل هذا لا يشمل طبعا استهداف حزب الله حيث يمكن ذلك، دون دفعه الى مواجهة شاملة، الاولوية تبقى للمواجهة في سوريا، استقرار لبنان مرتبط بمدى قوة «الزلزال» السوري القادم، يبقى حجم الارتدادات غير معروف، لكن ما هو معروف ان «الصراخ» في البيال لن يغير في المعادلة شيئاً يذكر. المعركة في مكان آخر، لتيار المستقبل دور هامشي فيها، فيما يشكل حزب الله راس حربة، وقوة مقررة وشريكة في معركة يعاد من خلالها رسم معالم المنطقة.
(الديار)