مصالحة فلسطينية أم رفع للعتب؟ – معين الطاهر
لا توجد بوادر حقيقية على أن ثمة مصالحة فلسطينية بين حركتي فتح وحماس تم إنجازها في الدوحة، بشكل يقبر حقبة الانقسام المريرة، ويؤذن بمرحلةٍ جديدة في النضال الفلسطيني، إذ يبدو أن غاية ما أمكن تحقيقه من هذه الجولة التي تمت برعاية قطرية هو إعادة ترميم قنوات الحوار المنقطعة بين الطرفين، وتحقيق إنجازات محدودة، ستأتي لاحقاً على مستوى ترميم حكومة الوفاق، أو إعادة تشكيلها تحت مسمى حكومة الوحدة الوطنية، بما يضمن مشاركة أكثر فصائلية فيها. وفي أحسن التوقعات، قد يجري عقد جلسة طال انتظارها لما سمي الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، قد تشكّل، إذا عقدت، بداية لحوار طويل وممتد حول تشكيل المجلس الوطني، وإعادة بناء منظمة التحرير، وهي مهمة لا تقل صعوبةً عن مهمة إنجاز المصالحة نفسها، بعد سنوات من السبات العميق الذي باتت فيه المنظمة ومجلسها الوطني، والذي يعبر عنه الشعار الذي يرفعه كل الفرقاء، بضرورة تفعيل منظمة التحرير، والذي يحمل، في جملة معانيه، أننا نقف إزاء منظمةٍ غير فاعلة، ولا مفعلة، وتم تجميدها منذ اتفاقات أوسلو .
أما الحديث عن أن على حكومة الوحدة الوطنية أن تجري انتخاباتٍ رئاسيةً وتشريعيةً فإنه يحتاج الى التدقيق، في مرحلة ما بعد الانتخابات، ويثير أسئلة بشأن مدى الالتزام بنتائجها، وكان ذلك أحد أسباب الانقسام، وكذلك بشأن موقف إسرائيل من إجرائها، ومن نتائجها، إلا إذا كان المقصود من ذلك ترحيل المشكلات الحالية إلى مرحلة ما بعد الانتخابات، أو أن تبقى الانتخابات بمثابة هدف غير قابل للتحقيق، ويتم تأجيل كل المسائل المعلقة، بما فيها المصالحة، إلى حين إمكانية تحقيقها.
اللافت في التصريح الصحافي المقتضب، والصادر عن حركة حماس، أنه ليس بياناً مشتركاً بين فتح وحماس، ما يفسح المجال بداية لتأويلات مختلفة تضيف الكثير على ما فيه من الغموض، فالتصريح يبشّرنا بأن الحركتين توصلتا إلى “تصور عملي محدد للمصالحة الوطنية”، من دون أن يحدّد لنا ماهية هذا التصور العملي والمحدد، إذ سيخضع هذا التصور للتداول “والتوافق عليه في المؤسسات القيادية للحركتين”، وفي الإطار الوطني الفلسطيني “مع الفصائل والشخصيات الوطنية، ليأخذ بعد ذلك مساره للتطبيق العملي على الأرض”. نخلص من ذلك إلى أننا أمام جولة جديدة من الحوار والتداول والملاحظات حول الاتفاق وآلياته، سواء داخل فتح وحماس، أم مع الفصائل، وحتماً ستكون هناك ملاحظات واعتراضات وتعديلات، قد تتطلب جولات أخرى من الحوار، أي أننا، في أحسن الأحوال، أمام مشروع لحوار فلسطيني قادم، وليس أمام تصور عملي ومحدد، وقابل للتطبيق الفوري على الأرض.
تطرق التصريح، أيضاً، إلى الاتفاق على تسليم “إدارة معبر رفح إلى حرس الرئاسة، بينما
يبقى موظفو حركة حماس الحاليين العاملين في المعبر على حالهم”. يتعامل هذا النص مع مشكلة معبر رفح، وكأنها مشكلة فلسطينية في الأساس، ناجمة عن الخلاف الفلسطيني بشأن من يتولى إدارة المعبر، في محاولة للوصول إلى حلّ توفيقي لها، متجاهلاً كونها مشكلة ناجمةً، بشكل أساسي، عن إغلاق النظام المصري المعبر طوال الفترة الماضية، وأن السلطة الفلسطينية شكلت غطاء للنظام المصري، في هذا الحصار المفروض، عندما طالبت بعودة المراقبين الأوروبيين عليه، ما يعني عودة الرقابة الإسرائيلية، حيث يفترض وجود شبكة تلفزيونية، تربط المعبر بغرفة عمليات إسرائيلية تراقب الداخل فيه والخارج منه، وفقاً للاتفاق السابق بين السلطة وإسرائيل. كما ربطت السلطة سابقاً بين إرسال حرس الرئاسة وشعارها الذي رفعته حول وجود سلاح واحد في غزة، هو سلاح السلطة، الأمر الذي يستدعي من المقاومة تسليم سلاحها. وباختصار، فإن القرار النهائي في موضوع معبر رفح وفك الحصار المفروض على تنقل أبناء قطاع غزة يعود إلى موقف النظام المصري وسياساته، أولاً وأخيراً.
قد ينجح حوار الدوحة في إيجاد حلولٍ جزئيةٍ لمشكلة رواتب الموظفين في القطاع، خصوصاً إذا تمكنت أطرافه من الحصول على تعهداتٍ بتمويل لهذه الرواتب، إلا أن قضايا أخرى أكثر أهميةً، مثل السلاح والمقاومة والأجهزة الأمنية، لن يساعد في حلها الطلب من جامعة الدول العربية تشكيل “لجنة أمنية عليا”، لوضع حلول لذلك، والإشراف على تطبيقها. المشكلة هنا ليست إجرائية، أو تحتاج لحلها إلى خبراتٍ مفقودةٍ، يمكن الاستعانة بها من الخارج، بقدر ما هي مشكلة الاتفاق على السياسة التي سيستخدم هذا السلاح، من أجل تحقيقها، والتي ستعمل الأجهزة الأمنية على تطبيقها، وهي مشكلة ليست فقط بين فتح وحماس، فهي موجودة أيضاً في القرارات التي اتخذها المجلس المركزي لمنظمة التحرير، بخصوص إلغاء الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، ووقف التنسيق الأمني معها، أي أن أي حديث عن الأجهزة الأمنية يتطلب، أولاً، الاتفاق على عقيدتها القتالية.
في التسريبات الصادرة عن المجتمعين، يلاحظ عدم التطرق، لا من قريب أو بعيد، إلى الانتفاضة الفلسطينية في الأرض المحتلة، وسبل دعمها وتشكيل حاضنة سياسية لها، أو إلى الحصار المفروض على قطاع غزة، وكأن هذا يجري على كوكب آخر.
يقودنا ذلك إلى أساس التعثر في مسيرة المصالحة الفلسطينية، وهي جوهر الانقسام، وتتلخص في عدم التوافق على برنامج ورؤية مشتركتين للمشروع الوطني الفلسطيني، وآليات تحقيقه، ولم تفلح الحرب على قطاع غزة، أو تعثر المفاوضات، ووصولها إلى طريق مسدود، وانهيار مشروع حل الدولتين الذي بنت السلطة الفلسطينية كل استراتيجيتها عليه، وأخيراً الانتفاضة الأخيرة في الوصول إلى توافق بخصوص المشروع الوطني الفلسطيني واستراتيجيته البديلة، وكان هذا هو أساس تعثر كل محاولات واتفاقات المصالحة السابقة في القاهرة والدوحة والشاطئ، وهو السبب نفسه الذي حول حوار الدوحة الحالي من اتفاق جديد للمصالحة، إلى اتفاق على رفع العتب أمام المضيف القطري الذي تفضل علينا، وذكّرنا أن لدينا انقساماً يحتاج إلى مصالحة.