“المصالحة” التركية ـ الإسرائيلية إلى الواجهة: من يتنازل أولاً؟: حلمي موسى
عادت المصالحة الإسرائيليّة ـ التركيّة لتنال زخماً جديداً، بعد الإعلان عن اجتماع رسميّ بين ممثّلين من الدولتين يوم أمس. ولا تزال مسألة رفع الحصار المفروض على قطاع غزَّة تُعتبر أحد أهمّ العراقيل في وجه إعلان المصالحة التي تحثّ عليها الإدارة الأميركيّة بشكل مكثّف . واعتبر مراقبون أنَّ من بين أبرز دلائل المصالحة، استضافة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مؤخراً، مجموعة كبيرة من اليهود، في ظلّ إعلانات متكرّرة من زعماء تركيا وإسرائيل بجدّية مساعي تطبيع العلاقات.
واستؤنفت يوم أمس، الاتصالات الرسميّة في جنيف بين تركيا وإسرائيل، عبر لقاء مبعوث الحكومة الإسرائيلي يوسي تشخنوفر والقائم بأعمال رئيس مجلس الأمن القومي يعقوب بنغل بنائب وزير الخارجيّة التركي فريدون سينيرلولو. وبحسب ما أُعلن في إسرائيل، فإنَّ الاجتماع جرى في أعقاب ما كان قد تمّ التوصّل إليه من اتّفاق حول حجم التعويضات لعائلات ضحايا سفينة «مرمرة» والجوانب القانونيّة الأخرى. وظلّت مسألة رفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزَّة وماهية الدور التركي في القطاع، المسألة التي تعيق الإعلان النهائي عن بدء تنفيذ تطبيع العلاقات. كما يعيق الاتفاق أيضاً، مطالبة الحكومة الإسرائيليّة في المقابل، بإغلاق مكاتب حركة «حماس» في العاصمة التركيّة.
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، قد علّق على استقبال الرئيس التركي رئيس «مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية في أميركا»، مالكولم هونلاين، الذي يشارك في مساعي المصالحة. ويعتبر هونلاين الذي اجتمع أمس الأول، بكل من رجب طيب أردوغان ورئيس الحكومة التركيّة أحمد داود أوغلو، من أقرب المقرّبين إلى نتنياهو. وقال الأخير إنَّ «مالكولم التقى مع كثير من الزعماء، وأنا فرح لأن أسمع ما لديه. فنحن نتطلّع إلى تطبيع العلاقات مع كل جيراننا، ولكن هذا على الدوام طريق في اتجاهين».
وبحسب ما نُشر في تركيا، فإنَّ اللقاء بين القيادة التركية والقيادة اليهودية، ضمّ قادة أميركيين من منظمات يهودية عدة، بينها «مؤتمر الرؤساء»، و «الرابطة ضد التشهير»، و «إيباك». وجرى في قصر تشانكية في أنقرة، مقر رئيس الحكومة، حيث وصل هونلاين إلى اللقاء مباشرة من تل أبيب.
في كل حال، فإنَّ هونلاين هاتف ديوان نتنياهو ووزارة الخارجيّة الإسرائيليّة وأبلغهما بأمر اللقاء مع أردوغان. وأشارت «هآرتس» إلى أنَّ هونلاين حمل رسائل إلى كل من أردوغان وأوغلو.
واعتبرت صحف إسرائيلية مثل «يديعوت»، أنَّ من يبحث عن إشارات لمصالحة قريبة وتطبيع للعلاقات بين إسرائيل وتركيا، يمكن أن يجدها في استقبال القيادة التركية الوفد اليهودي ـ الأميركي. وقالت إنَّ لقاء أردوغان بالوفد اليهودي الذي ضمّ عشرين من القادة، «نادر»، مشيرةً إلى أنَّ التقرير والصور التي نشرها القصر الرئاسي التركي عن اللقاء مع الزعماء اليهود، تعتبر نوعاً من تهيئة الرأي العام التركي للمصالحة مع إسرائيل.
وبعد اللقاء، قال هونلاين: «تباحثنا في قوس واسع من المواضيع.. وتحدّثنا بشأن فُرص المصالحة. أردوغان أثار أمامنا مواضيع محدّدة بينها مكافحة المتطرفين، ومحاربة الإرهاب ودور تركيا وإيران في المنطقة. لقد اجتمعنا بهم كممثّلين للزعامة اليهودية ـ الأميركية، كما أننا تشاورنا مع إسرائيل مسبقاً، وليس من الصواب أن نقول إننا حملنا رسائل. لقد بحثنا في هموم كل الأطراف، بما فيها إسرائيل».
ونقلت «هآرتس» عن مسؤول إسرائيلي مطلّع قوله، إنَّ كلّ بنود الاتّفاق تقريباً، تمّ التوصل إليها، عدا مسألتين بقيتا موضع خلاف: الأولى، مطالبة تركيا بالحصول على مدخل حر إلى قطاع غزَّة، بما في ذلك إمكانيّة السماح لسفن تركية بالوصول مباشرة إلى القطاع. وإسرائيل ليست على استعداد للسماح بذلك، سواء لرغبتها في مواصلة فرض الحصار البحري أو بسبب المعارضة المصرية للتدخل التركي في القطاع. والثاني، يتعلّق بنشاطات «حــماس» في تركيا، إذ تدّعي إسرائيل أنَّ لـ «حــماس» مقرّاً قيادياً في أنقرة يواصل جمع الأموال والتخطيط لتنفيذ عمليّات. كما تطالب إسرائيل بإغلاق مكاتب الحركة وعدم السماح لها بإقامة نشاطات عسكريّة. وقال المراسل السياسي لموقع «والا»، إنَّه في ظلّ المطالب المتــضاربة لإسرائيل وتركيا، فإنَّ الاتفاق لا بدّ أن ينطوي على تنازلات من الطرفين بشأن قطاع غزَّة و«حماس».
وفي كل حال، فإنَّه برغم مضي خمس سنوات على اقتحام القوات الإسرائيلية سفينة «مرمرة»، وبرغم كل المساعي الأميركيّة، لم تتحقّق المصالحة بين تركيا وإسرائيل. وبلغت المساعي الأميركية ذروتها أثناء زيارة الرئيس باراك أوباما تل أبيب العام 2013 حين جعل نتنياهو يتصل بأردوغان ليعتذر عن «مرمرة»، إلى جانب المساعي التي يبذلها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن.
تجدر الإشارة إلى أنَّ إسرائيل أرسلت مؤخراً، عبر الأتراك، رسائل إلى «حماس» في غزَّة تحذّر فيها من شنّ هجمات ضدها، خصوصاً عبر استخدام الأنفاق. وقالت صحف إسرائيلية، إنَّ حكومة نتنياهو أوضحت للأتراك أنّه في حال هجوم كهذا، فإنَّ الرد سيكون شديداً. وتأمل إسرائيل البناء على عدم رغبة الأتراك في التصعيد، ما يدفعهم إلى إقناع حركة «حماس» بكبح نفسها.
(السفير)