رؤيا صهيونية للأمن الإقليمي إبراهيم علوش
نشر معهد الأمن القومي “الإسرائيلي”، أحد أهم مراكز الدراسات الاستراتيجية في الكيان الصهيوني، تقريراً على موقعه في 31 كانون الثاني 2016 يلخص مجريات المؤتمر السنوي الذي يعقده المعهد، والذي جرى بين 17 و19 كانون الثاني الفائت تحت عنوان “التحديات الأمنية في القرن الواحد والعشرين”، بمشاركة نخبة من كبار رجالات الدولة والجيش والأجهزة الأمنية في الكيان الصهيوني.
وأشار التقرير المذكور أن خلافاً نشب حول تحديد أكبر خطر إستراتيجي يواجهه الكيان الصهيوني، فبينما اعتبر روفين ريفلين، رئيس الدولة منزوع الصلاحيات فعلياً، أن ذلك الخطر يأتي من داعش، من داخل الكيان وعلى حدوده، فإن توجه النخبة العسكرية كان مختلفاً، إذ أكد وزير الحرب الصهيوني موشيه يعلون أن أكبر خطر على الكيان يأتي من إيران، قائلاً أنه يفضل وجود “الدولة الإسلامية” في مرتفعات الجولان على وجود “نظام الأسد، وحزب الله، وقوات القدس”. أما رئيس هيئة الأركان غادي أيزنكوت فقد اعتبر حزب الله أكبر خطر عسكري يواجه “إسرائيل”. فيما أكد عددٌ من الكتاب والمتحدثين على أن “المسألة الفلسطينية” هي أكبر خطر إستراتيجي يواجه الكيان. وقد وصف واضعا التقرير مثل هذه الاختلافات في تحديد الأولويات نوعاً من “الفوضى الإستراتيجية” التي لا بد من استبدالها برؤية يمكن أن يقوم إجماعٌ إستراتيجي “إسرائيلي” على أساسها.
يلاحظ التقرير في هذا السياق أن ثلاثة تطورات رئيسية تتضافر في صناعة معظم الأحداث في ما يسميه “الشرق الأوسط”:
1) تفكك الدول وبروز لاعبين غير رسميين، على أسس عرقية ودينية وثقافية وجهوية، مما اعتبره التقرير اتجاهاً غير قابل للعودة للوراء، ومما يتطلب إعداد العدة لنشوء “نظام وبنى جديدة في المنطقة”،
2) اهتزاز قدرة اللاعبين الرسميين وغير الرسميين على الالتزام بالتعهدات والتحالفات طويلة المدى، بسبب الفوضى الإقليمية العارمة، مما يجعل من التقاطعات قصيرة المدى أساس التحالفات السياسية المتبدلة دوماً، وضرورة وضع سياسات تستند لما يمكن مراكمته ضمن حسابات قصيرة المدى،
3) الاستخدام المكثف للصورة والتأثير في الوعي كأداة لتحقيق الأهداف السياسية والعسكرية، وتطويع العمل العسكري لتحقيق “الإبهار” ولو، أو قبل، أن يتحقق إنجاز ميداني حقيقي.
يرى التقرير، بناءً على ما سبق، أن الواقع الإستراتيجي الراهن للكيان يجب أن يأخذ بعين الاعتبار القضايا الأربعة التالية:
1) الصراع بين روسيا والولايات المتحدة في المنطقة، وتحديداً، الدور الروسي في سورية، وضرورة تعزيز التنسيق بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني فيما يتعلق بسورية،
2) الصراع السني-الشيعي بصفته محركاً أساسياً للصراع الإقليمي على النفوذ، مع وجود إيران على رأس المعسكر الشيعي، بحسب التقرير، ووجود السعودية على رأس المعسكر العربي السني، والدور الرئيسي لهذا الصراع في تشكيل الملعب الإقليمي اليوم، من اليمن إلى لبنان وسورية. وأترجم حرفياً زبدة ما جاء في التقرير حول الموقف “الإسرائيلي” من هذه المعادلة: “إن موقف إسرائيل الأمني-السياسي في هذا السياق واضح: بناء على الأقوال والأفعال، تشكل إيران التهديد الرئيسي للمصالح الإسرائيلية، فيما تشاركنا العربية السعودية وشركاؤها مصالح مشتركة، منها الصراع ضد الدولة الإسلامية والقاعدة”. وهو التوجه الذي راح يفصح عنه سياسيون وباحثون “إسرائيليون” عديدون بالمناسبة منذ صيف العام الفائت خصوصاً، كما جاء بوضوح على لسان المدير العام للخارجية “الإسرائيلية” دوري غولد في نيويورك في 30 تموز الفائت عندما تحدث عن “جيراننا العرب السنة”، و”حلفائنا…”!
3) الصراع ضمن نطاق المعسكر السني نفسه بين “الفكرة السلفية الجهادية”، من جهة، و”الإسلام السياسي الذي تقوده تركيا وقطر”، من جهة أخرى، معتبراً أن الظاهرة السلفية الجهادية، التي تطورت على مدى عقود في المنطقة، خطرٌ على “إسرائيل” عند حدودها في سورية ولبنان والأردن وسيناء، وعند محاولتها اختراق الجمهور العربي الفلسطيني في الضفة وغزة والأرض المحتلة عام 48، أي أن ثمة تحالف موضوعي هنا، من دون قول ذلك صراحةً، مع قطر وتركيا والإسلام السياسي، لمراعاة حساسيات السعودية ومصر طبعاً،
4) في الحيز الفلسطيني، حرفياً: “إن انحدار الهوية القومية عبر أجزاء واسعة من الشرق الأوسط دفع بالقضية الفلسطينية إلى هوامش الأجندات السياسية بعد تمتعها بإجماع موحد في مركز المسرح العربي-الإسلامي”. ثم: “ومع أن الدفع بالمصالح الفلسطينية ليس أولويةً أولى لدى اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، فإن هذه المسألة لا تزال تحمل، على نحو نقيض، إمكانية كبيرة لتغيير منزلة إسرائيل الإقليمية وميزان القوى الإقليمي، وهو ما يمكن اعتباره تطوراً إيجابياً اعتماداً على سلوك إسرائيل إزاءها”.
يرى التقرير، بناء عليه، أربع منصات إستراتيجية لانطلاق دولة العدو الصهيوني لتحسين موقعها الإقليمي وموقفها إزاء أعدائها وحلفائها وكسب “الميزة الإستراتيجية”:
1) تطوير العلاقة مع العرب في الأرض المحتلة عام 48 من خلال مبادرات سياسية واقتصادية، لتقليل إمكانية اختراقهم من قبل “الدولة الإسلامية”،
2) تحسين الحالة المعيشية والاقتصادية للفلسطينيين في الضفة وغزة، وتهيئة الظروف لحدوث تسوية سياسية، مما يمكن أن يحسن العلاقة مع الأردن ومصر وغيرها،
3) تطوير العلاقة مع الدول العربية السنية ودعمها في مجال تطوير قطاعات التكنولوجيا والمياه والزراعة والطاقة، والسماح لها بدعم الفلسطينيين على صعيد بناء البنية التحتية، وعلى صعيد آخر، فيما يمكن اعتباره منصة إستراتيجية أخرى مرتبطة بالسياق ذاته، وأترجم حرفياً: “على إسرائيل التفكير هنا بالتعرف على شركاء (ومنهم الشركاء المؤقتون) على المستوى المحلي وغيره، ومنهم اللاعبون غير الرسميين، من خارج الدول، على طول الحدود وعميقاً في العالم العربي، ممن يمكن أن يصبحوا قوى مهمة في المنافسة على السلطة في المنطقة، وممن يمكن أن تفيد العلاقات معهم في تقليل عدم اليقين في المستقبل”،
4) استعادة العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة بعدما اعتراها من فتور.
وللحديث بقية… بالضرورة.