عن واشنطن وحلفائها حميدي العبدالله
يعتقد كثيرون أنّ حلفاء الولايات المتحدة، سواء تل أبيب أو أنقرة، قادرون على تحدّي القرارات والتوجهات التي توافق عليها الإدارة الأميركية. بالنسبة إلى تل أبيب لما لها من نفوذ داخل الولايات المتحدة ناجم عن هيمنة الجماعات الموالية لها على البيوتات المالية، وعلى غالبية وسائل الإعلام، إضافةً إلى تأثيرها الكبير على الكونغرس من خلال تمويل الحملات الانتخابية لأعضائه. بالنسبة لأنقرة كون تركيا دولة إقليمية كبرى لا تستطيع الولايات المتحدة الاستغناء عن خدماتها ودعمها للسياسة الأميركية في المنطقة، وبالتالي اضطرار الإدارات الأميركية إلى أخذ مصالح تركيا ووجهة نظرها بعين الاعتبار عند وضع السياسات المتعقلة بالمنطقة، ولا يمكن للولايات المتحدة تجاهل ما تريده أنقرة.
ويعتقد كثيرون أنّ الانقسام في صفوف النخبة الأميركية حول السياسة الأميركية إزاء سورية وإيران وروسيا، ومعارضة جناح في هذه النخبة لسياسة إدارة أوباما إزاء الدول الثلاث، تلعب دوراً في خلق معادلات تسمح لحلفاء الولايات المتحدة بمعارضة سياسة الإدارة الحالية، وفي هذا السياق يفسّر الاعتراض التركي والسعودي على السياسة الأميركية بشأن ما يجري في سورية على الصعيد الميداني والسياسي.
لكن على الرغم من كلّ هذه القناعات إلا أنّ التجارب، وتحديداً تجربة الخلاف حول الملف النووي الإيراني، تؤكد على عدم صحة ما يذهب إليه هؤلاء. فعلى الرغم من الانقسام داخل النخبة الأميركية، وعلى الرغم من الاعتراض القوي والشديد من قبل تل أبيب على الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة ومعها مجموعة 5+1 ، وعلى الرغم من أنّ تأثير تل أبيب وجماعات النفوذ الموالية لها لا يمكن التقليل من أهميته وتأثيره على صانعي القرار في الولايات المتحدة، إلا أنه تبيّن أنّ مصلحة الولايات المتحدة فوق كلّ اعتبار، وقد تغلّبت على اعتراضات النخبة الأميركية، كما تغلّبت على معارضة تل أبيب، ومرّرت الموافقة على الاتفاق في المؤسّسات الدستورية، بما في ذلك الكونغرس الذي يهيمن عليه الجمهوريون.
في ضوء هذا الواقع يمكن الاستنتاج أنّ استمرار الخلاف مع واشنطن حول أيّ قضية، بما في ذلك القضية السورية، له معنى واحد، خلاصته أنّ الإدارة الأميركية لم تحسم بعد موقفها ولم تحدّد ما إذا كانت المصالح الأميركية تكمن في هذا الخيار أو نقيضه، فإذا قرّرت الولايات المتحدة تسهيل التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية ووجدت أنّ مصالحها تكمن في هذه التسوية فهي قادرة على إقناع حلفائها، أو إرغامهم على القبول بهذه التسوية، وإذا رأت مصالحها تتحقق باستمرار الحرب على سورية، فهي لن تقوم بأيّ جهد جدي لإيجاد حلّ للأزمة في سورية، وسوف تظلّ تتذرّع بمواقف حلفائها للتنصّل من أيّ التزامات يرتبها الحلّ السياسي.
(البناء)