إيران والسعودية وعاصفة النفط ميرنا قرعوني
عادت إيران مع رفع العقوبات الاقتصادية عنها لتصبح المنافس الأبرز للسعودية في منظمة «أوبك»، حيث تتسابق الدولتان في الوصول الى المشتري الأوروبي، ولكن تزامن هذا التطور مع انخفاض أسعار النفط حيث تراجع سعر البرميل من البرنت إلى أقل من 28 دولاراً الذي يعتبر الأدنى منذ عام 2003، أكد العديد من المحللين، أنه مع عودة إيران الى سوق النفط ورفع صادراتها 1.500 مليون برميل يومياً، وإعلانها أمس أنها ستنتج 5 ملايين برميل يومياً، فإنّ ّأسعارها ستتراجع حتى 25 دولاراً، وهو ما ينذر بحسب الخبراء الاقتصاديين بأزمة عالمية شبيهة لما حدث خلال عام 2008 حيث انهارت أسواق المال العالمية.
ويجمع الخبراء على أن هذا الانخفاض الحاد في أسعار النفط ستكون له تداعيات اقتصادية وسياسية وعسكرية سواء في المنطقة أو على الصعيد الدولي.
المتضرّر الأكبر من انخفاض الأسعار هو جميع الدول المنتجة للنفط والتي تعتمد على العائدات النفطية في تمويل إنفاقها الجاري ومشاريعها الإنمائية، فالدول ذات الاقتصاد الأحادي التي لم تنجح في تنويع مصادرها سيصيبها تراجع العائدات النفطية بآثار كبيرة وعميقة أكثر من الدول التي نجحت في تنويع موارد الثروة سواء من خلال امتلاكها لثروات طبيعية متعددة أو نجاحها الى جانب ذلك في تطوير إنتاجها الصناعي والزراعي وهي بالتالي خفضّت من نسبة مساهمة العائدات النفطية في تكوين دخلها القومي الإجمالي، يضاف الى ذلك فعل الاحتياطات النقدية التي نجحت في جمعها ومراكمتها خلال مرحلة ارتفاع الأسعار وبالتالي الارتفاع الهائل في عائداتها النفطية، على سبيل المثال، تمتلك السعودية 25 في المئة من الاحتياطات من النفط في العالم ولكن الاقتصاد السعودي يعتبر اقتصاداً شبه أحادي باعتماده على النفط حيث يشكل القطاع البترولي 90 في المئة من عائدات التصدير.
فالمملكة لم تنجح في استثمار الفورة النفطية منذ عام 1973 في تنويع مواردها وتطوير بنيتها الاقتصادية المنتجة حيث وظفت النسبة الرئيسية من عائدات النفط في مشاريع الأعمار والبنية التحتية لصالح اقتصاد يتسم بطابع استهلاكي بصورة عامة استفادت منه الشركات الغربية على نطاق واسع بينما التهمت مشتريات السلاح الضخمة نصيباً كبيراً من العائدات النفطية التي تحول بعضها الى ودائع متراكمة في مصارف الغرب ليس متاحاً التصرف بها فوراً بقرار سعودي لأنها موظفة في محافظ استثمارية لاعتبارات سياسية كشكل من أشكال الدعم السعودي لاستقرار الحلفاء الغربيين، وبالتالي فبالرغم من وفرة الاحتياط المالي السعودي فهو لا يمثل عنصر حماية مضموناً من تراجع الواردات النفطية على المدى المتوسط والبعيد خاصة أن مشكلة انخفاض أسعار النفط مرشحة للاستمرار الى ما بعد 2030 وفقاً لتوقعات الخبراء.
أما إيران التي تمتلك 10 في المئة من احتياطيات النفط المؤكدة بالعالم، فقد نجحت خلال سنوات الحصار في تطوير قدراتها الاقتصادية الذاتية وبالتالي تنويع موارد الثروة وحققت نمواً كبيراً في الزراعة والصناعة ولديها آفاق واسعة ومفتوحة بعد فك الحصار لتطوير صناعات التعدين والصناعات الالكترونية والغذائية استناداً الى ثروتها الطبيعية الوافرة والمتعددة المصادر، فإيران تحظى بمناخ بسبب موقعها الجغرافي يغطي جميع مواسم الزراعة ولديها جيش من المهندسين المؤهلين لمختلف فروع الإنتاج الزراعي والصناعي وانتهاء الحصار سيفتح أسواق العالم في الغرب والشرق أمام إيران وصادراتها من السجاد والكافيار والفستق إيران أكبر منتج في العالم وغير ذلك من السلع الزراعية والصناعية الخفيفة والثقيلة فالاتفاق النووي سوف يسمح لأيران بأن تدخل نادي كبار مصدري الطاقة النووية في العالم نظراً لامتلاكها كمية كبيرة من مناجم اليورانيوم اضافة الى تمتعها بحقوقها النووية بعد الاتفاق الذي بوشر بتنفيذه وبعد العقود التي وقعتها مؤخراً مع روسيا والصين لتطوير قطاعها النووي.
لا يوجد أدنى شك في أن الواردات الإيرانية ستتأثر بانخفاض أسعار النفط ولكن إيران قادرة على التكيف فهي كانت تبيع النفط خلال مرحلة العقوبات بسعر منخفض وهندست موازاناتها على هذا الأساس مما يعطيها ميزة القدرة على تضييق الفجوة الناتجة عن هبوط أسعار النفط خصوصاً أنها ستضاعف إنتاجها بعد فك الحصار علماً أنه تم تخفيض العوائد النفطية بالموازنة العامة من نسبة 43 في المئة إلى 33 في المئة، ما زاد حصة العوائد غير النفطية إلى 65 في المئة.
يرى الخبير الاستراتيجي في شؤون الطاقة مايكل كلير مؤلف كتابي «حروب الموارد» و«نفط ودم»، في مقال نشره مؤخراً حول هبوط أسعار النفط أننا أمام مرحلة طويلة هي اشبه بعاصفة كاملة من الاضطراب السياسي والاقتصادي في العالم ويؤكد أن هبوط أسعار النفط ليس ظاهرة عابرة بل نتيجة لعوامل مستمرة أبرزها الركود الاقتصادي في الغرب الصناعي وبلوغ النمو الصيني الذي رفع الطلب على النفط العالمي الى مرحلة من الإشباع والاستقرار.
إذاً نحن أمام عاصفة هبّت لتوّها، ستصل الى ذروتها في التأثير على الاقتصاد العالمي ومن ثم تنحسر، ولكن كلّ ذلك قد يحتاج الى عشرات السنين في ظلّ الوضع القاتم الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط.
(البناء)