بقلم ناصر قنديل

فوضى جنيف المنظمة

nasser

ناصر قنديل

لا يحتاج المراقب والمتابع للتسلسل الذي تسجله بورصة الدعوات والحضور والغياب المنبثقة عن أورقة التحضير للقاء جنيف المخصّص للحوار بين الحكومة السورية ووفد أو أكثر من المعارضة كي يلحظ درجة الفوضى، التي تُظهرها المواقف الخاصة بتمثيل المعارضة وتشكيل وفدها، وللحظة تبدو هذه الفوضى نوعاً من الخروج من تحت السيطرة، أمام محاولات أميركية حثيثة لجذب أطراف المعارضة للمشاركة الفعّالة في هذا اللقاء، لكن هذا الاستنتاج المتسرّع يتبدّد فوراً، عندما نسمع أنّ جماعة الرياض المعنيّ الرئيسي بالتساؤل عن الفوضى، وهم لا يقولون إنهم لن يحضروا، ويرفضون اتهامهم بالمقاطعة، بل يتدرّجون من إعلان رفض المشاركة تحت سقف هو ما نصّ عليه القرار 2254 الذي يدعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في ظلّ الرئاسة السورية وصلاحياتها الدستورية، منطلقين من تمسك صارم بالدعوة لهيئة حكم انتقالي بديلاً من الحكومة والرئاسة معاً، وبيدهم وصفة جنيف التي طواها القرار الدولي، ليصير موقف جماعة الرياض تدريجاً بعيداً عن هذا التطلّب لحساب التركيز على مجموعة عناوين جانبية ترفعها إلى مستوى خطاب تصعيدي يرسم علامات استفهام حول فرص عقد جنيف.

تتجاهل جماعة الرياض اليوم أيّ حديث عن السقف السياسي لجنيف، وخصوصاً مسألة الرئاسة التي كانت طوال أربع سنوات عنوان كلّ شيء في الحرب السورية دولياً وإقليمياً، وصولاً إلى التشكيلات المنضوية تحت عنوان المعارضة، ويتقدّم في خطابها عنوانان، عنوان يتصل بتركيبة الوفد المفاوض باسم المعارضة، وعنوان يتصل بالأمور التقنية المرتبطة بالإغاثة ووقف النار، وقد تمّ أكثر منها دون حوار سياسي، ومنح جماعة الرياض التغطية الإعلامية والدبلوماسية اللازمتين لإثارة الغبار حول هاتين النقطتين وتركهما تتفوّقان في الأهمية على القضية الجوهرية التي يُراد الانتقال من اعتبارها سقفاً للحوار إلى طيّ صفحتها نهائياً، وهي مسألة الرئاسة، حتى يتسنّى بتلبية بعض العناوين المثارة ورفض تلبية بعضها وذرّ الرماد حولها كقضايا محورية، ويتسنى عبر الجولة الأولى غير المباشرة تحقيق المرتجى من الراعيين الروسي والأميركي، الهدف من هذه الجولة وهو تثبيت السقف السياسي الجديد، حكومة في ظلّ الرئيس السوري بشار الأسد تأتي للبحث فيها جولة ثانية من المحادثات.

الموازين التي تغيّرت في الميدان منذ التموضع الروسي في الحرب أنتجت ما كان منتظراً منها على المستوى الدولي عبر قرار مجلس الأمن، وبقي تكريسها في مستوى عملي يتيح لعواصم الغرب وعلى رأسها واشنطن، الوقوف وراء تشكيلات معارضة لإعلان التعاون مع الدولة السورية في الحرب على الإرهاب، من بوابة حكومة جديدة، وجنيف جديد، يحتاجان موازين قوى جديدة في الميدان يكون جماعة الرياض قد فقدوا ما لدى المنضوين بين صفوفهم من مواقع عسكرية، ويكفي هذه الجولة تثبيت الانتقال من الرئاسة إلى الحكومة، ولو من باب الغرق في تفاصيل الوفود المفاوضة وتفاصيل الإغاثة ووقف النار، لأنها فوضى منظمة.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى