مقالات مختارة

أنقرة واشنطن.. استمرار الخلافات محمد نورالدين

 

من المعروف عن نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه يعبّر عن مكنونات السياسات الأمريكية بصراحة ووضوح. ومعروف عنه أنه صاحب اقتراح تقسيم العراق إلى ثلاث ولايات شيعية وسنية وكردية منذ اللحظة الأولى لاحتلال الولايات المتحدة للعراق. وكان يكرر الاقتراح من وقت لآخر.

ومعروف عن بايدن أنه اتهم علناً تركيا بأنها تدعم تنظيم «داعش» في سوريا وفي العراق، وبأن تركيا لا تضبط حدودها مع سوريا لمنع تسلل الإرهابيين. في نهاية الأسبوع الماضي كان بايدن يقوم بزيارة مهمة إلى تركيا استمرت ليومين. وقد انتظر الأتراك هذه الزيارة لتبديد التباين بين البلدين في العديد من القضايا.

لكن محصلة الزيارة لم تكن على ما يبدو مثار ارتياح للأتراك. فقد أمكن تدوير بعض الزوايا لكن التباين بقي قائماً أحياناً حول الجوهر وأحياناً حول الشكل والتكتيك.

يلفت البعض على سبيل المثال إلى أن بايدن ولا أي مسؤول أمريكي آخر لم يزوروا بعد رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان في قصره الجديد في أنقرة. وكانت الزيارات الأمريكية في السنتين الأخيرتين إلى تركيا تتم إلى إسطنبول وليس إلى أنقرة حيث كان يوافيهم أردوغان أو أحمد داود أوغلو رئيس الحكومة. في الشكل هذا يرى البعض أنها رسالة بحد ذاتها.

وفي الشكل المعطوف على المضمون فقد خصص بايدن يوم زيارته الأول للقاء نواب من المعارضة من حزب الشعب الجمهوري والأهم من نواب حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وأكاديميين وعائلات ضحايا عنف وتنظيمات مجتمع مدني وأقارب صحفيين معتقلين شكوا من التضييق على الحريات. وفي لقائه مع أردوغان كانت مسألة الحريات بنداً أساسياً في المحادثات حيث انتقد بايدن بعد لقائه أردوغان وأمام الصحفيين سجل تركيا في الحريات والتعامل مع المعارضين.

وفي الانتقال إلى قضايا الساعة بين البلدين كان الوضع في سوريا بالطبع في رأس جدول الأعمال مع أردوغان ومع داود أوغلو. ومما تسرب من المباحثات أن الجانب التركي سعى إلى إقناع بايدن بأن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا بزعامة صالح مسلم ليس سوى منظمة إرهابية وامتداد لحزب العمال الكردستاني في تركيا. وعرض الجانب التركي بالوثائق وفق المصادر التركية كيف أن السلاح الذي تزود به أمريكا أكراد سوريا يذهب إلى حزب العمال الكردستاني في تركيا.

وفي هذه النقطة فإن واشنطن ليست في تطابق مع أنقرة بل على النقيض ترى أن التنظيم الأكثر محاربة ل«داعش» هو قوات الحماية الكردية وإنهم محاربون من أجل الحرية. ومع أن بايدن وافق داود أوغلو على أن حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية ويشكل تهديداً لتركيا فإن الأمريكيين لم يستجيبوا لمطلب تركيا عدم إشراك الأكراد السوريين في محادثات جنيف لحل الأزمة السورية. بل إن حزب الاتحاد الديمقراطي وبضغط روسي أيضاً سوف يكون ممثلاً في المباحثات. وكرر بايدن فيما خص الأزمة السورية ضرورة أن تضاعف أنقرة جهدها لضبط الحدود مع سوريا.

ومع أن بايدن تحدث عن خيار التدخل العسكري ضد «داعش» من دون أن يوضح بدقة ماهية ما قاله، فإن التركيز الأمريكي كما كل الأطراف سيكون حول منطقة جرابلس وصولاً إلى مارع وإعزاز حيث يتواجد «داعش» ويريد الأكراد عبور الفرات إليها وتهدد تركيا بالتدخل إذا حصل ذلك.

ربما تكون تركيا قد حققت بعض التراجع في مسألة معسكر بعشيقة شرقي الموصل في العراق حيث دخلت في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي قوة تركية إلى هناك وتمركزت من دون إذن الحكومة العراقية. الولايات المتحدة وعلى لسان أوباما شخصياً طلبت من أردوغان سحب القوة. لكن حتى الآن لم يحدث ذلك. بايدن تحدث عن هيئة تنسيق لبحث المسألة ضمن احترام السيادة العراقية. بالطبع غير المعروف بعد آلية عمل هذه الهيئة.

الانطباع العام الذي خرجت منه وسائل الإعلام المؤيدة لحزب العدالة والتنمية أن محادثات بايدن في إسطنبول كانت «بنّاءة». وهذا تعبير يشير بوضوح إلى أن المباحثات، وفقاً لكل وسائل الإعلام غير المؤيدة لأردوغان، مرت في جوّ من التوتر والخلاف الذي يبقي العلاقات الأمريكية مع سلطة حزب العدالة والتنمية في حدها الأدنى متذبذبة.

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى