بعد 5 سنوات ثورة مصر تنبض!: تسفي برئيل
زيّنت أمس صورة عبد الفتاح السيسي وهو يبتسم الصفحة الرئيسية في موقع صحيفة «المصري اليوم». وجاء في العنوان أن الرئيس يُثبت البرلمان ويقدم الاستشارة لتونس. وتم التطرق إلى خطاب السيسي في مناسبة يوم الشرطي وهو اليوم الذي اندلعت فيه الثورة. «الوضع الاقتصادي سيء عند الجميع، حافظوا على دولتكم»، قال الرئيس المصري للتونسيين الذين بدأوا في الاسبوع الماضي بالتظاهر بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في دولتهم. وهناك تم احياء الذكرى السنوية الخامسة لاسقاط نظام زين العابدين بن علي.
إن السيسي يعرف جيدا تأثير وقوة المظاهرات. فهي التي عملت على طرد مبارك في 2011. وهي التي جاءت به إلى الحكم في 2013. وهو يعرف أن هناك طابع مُعدي للمظاهرات يتجاوز الحدود. وكعادته فقد قرر السيسي إشراك الجمهور في الصعوبات التي يعرفها جيدا، وتفسير الواقع المصري الصعب. «هناك في الدولة 7 ملايين موظف في القطاع العام، في حين أننا بحاجة إلى مليون فقط»، قال، «اذا طلبت منكم التنازل قليلا من اجل مصر فماذا ستقولون؟ الدول لا تُقام من خلال الشعارات والكلام الانفعالي، بل بالعمل الصعب وتقديم الضحايا. تنازلوا قليلا من اجل مصر. فمصر أمانة في أيديكم».
من الصحيح أن هذه الاقوال قد وجهت لاعضاء البرلمان الجدد. هذا البرلمان الذي يرمز حسب الرئيس إلى استكمال العملية الديمقراطية التي أعلن عنها عندما تسلم الحكم «بناءً على رغبة الشعب» في 2013. لكن هذه الاقوال موجهة للجميع ايضا. جاء ذلك في اعقاب رفض البرلمان اقتراح قانون الخدمة المدنية، الذي يهدف إلى وضع أسس جديدة من اجل تحسين الوضع البيروقراطي المتعب وإدخال بعض النظام في تعيين المقربين والتقليل من النفقات الضخمة على رواتب ملايين موظفي الدولة. لكن الجمهور هو الذي سيدفع الثمن. لقد انتهج السيسي، وهذه ليست المرة الاولى، استراتيجية ما بعد الثورة التي أساسها إشراك الجمهور بالفشل ايضا، أو على الأقل محاولة جعله يشعر أنه شريك. ليس «أبوة» على نمط مبارك بل نقاش بين شركاء.
من يريد معرفة نجاح أو فشل الثورة في السنوات الخمسة منذ اعتصام آلاف المتظاهرين في ميدان التحرير، يمكنه بسهولة القول إن أقوال السيسي تؤكد على أنه لم يتغير شيء. وبشكل أدق، الوضع تغير إلى الأسوأ. الدولة من جديد «فوق كل شيء» وعلى رأسها يقف من جديد رجل عسكري بالملابس المدنية، يتخفى على أنه شريك للجمهور، والوضع الاقتصادي في ازمة متفاقمة. بنفس القدر يمكن القول إن شعار «الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية» لم يبق منه شيء. وطلب «الشعب يريد إسقاط النظام» أصبح صوته خافتا وهذا يعني أن «الشعب مل من تغيير النظام».
النظام لا يهتم بشكل كبير بهذا الملل. من اجل الضمان أكثر وبرغم الحالة الجوية السيئة في القاهرة، قامت الشرطة بنشر القوات الكثيرة في العاصمة وفي مراكز المدن الكبرى. وتم نشر التحذيرات والتهديدات بخصوص الاخلال بالنظام على مدى الايام. وتم تنفيذ اعتقالات احترازية.
الخوف الاكبر هو من العمليات الإرهابية، حيث أن نشاط المنظمات لا ينتشر في سيناء فقط، الأمر الذي ينشيء الشعور بأن مصر في عهد السيسي ليست أكثر أمنا من مصر في عهد مبارك.
إن المعطيات الجامدة متكدرة ومهدِّدة. فلم يتم القضاء على نسبة البطالة المرتفعة، خريجو الجامعات ينتظرون 4 ـ 5 سنوات واحيانا 12 سنة – كما في حالة محمد السيد الذي أجرى مقابلة مع الصحيفة المصرية «صدى البلد» – من اجل الحصول على وظيفة في القطاع العام أو الخاص. شعار الخريجون هو «قبل أن تبحث عن عمل، إبحث عن واسطة».
مصر حصلت على منحة تبلغ 40 مليار دولار من دول عربية مثل السعودية وقطر (خلال حكم الإخوان المسلمين) والكويت ودولة الامارات العربية. وهذه المنحة تبلغ ثمانية اضعاف المساعدات التي حصلت عليها من الولايات المتحدة. ورغم ذلك أصبح الدين الخارجي 46 مليار دولار واحتياطي العملة الصعبة تراجع إلى 16 مليار وأصبحت الدولة تعتمد بشكل أكبر على القروض الخارجية. وفي حال أخذت قروضا كهذه من صندوق النقد الدولي فستلتزم ايضا بتطبيق قوانين تُعمق نسبة البطالة على المدى القصير وتزيد من الاحباط. هذا الارتباط الحق الضرر باستقلالية مصر الاقتصادية التي هي مطلوبة من اجل الولاء الكامل للخطوط الحمراء المرسومة وراء حدودها.
على مدى خمس سنوات سمع 95 مليون مواطن مصري الوعود حول التعليم النوعي وتحسين مستوى الصحة. لكن لا يمر يوم دون أن تتحدث وسائل الإعلام المصرية عن الاهمال في الجهاز الصحي وعن الرواتب السيئة للاطباء أو الادوية التي انتهت صلاحيتها والتي تم استيرادها من قبل الطماعين. أما فيما يتعلق بالتعليم فانه لم يتم تطبيق أي اصلاحات والطلاب يتعلمون في صفوف كبيرة فيها مئات الطلاب الذين لا يمكنهم سماع المحاضر، وكذلك صناعة الدروس الخصوصية التي يرتزق منها المحاضرون ومعلمو المدارس الثانوية، ما زالت تدحرج مليارلات الدولارات سنويا.
ايضا الاضواء التي بحثت عن التغييرات في مجال الحريات لم تنجح في اضاءة العتمة الشديدة. الأمل في احداث التغيير في بنية وسائل الإعلام وتحرير الصحافة العامة من قيود الحكومة واقامة محطات تلفاز لا تقول آمين في أعقاب الرئيس، والبرامج الهزلية الانتقادية تحطمت وهي تصدر ضجيجا كبيرا، ودور النشر الخمسة الكبيرة بقيت في أيدي النظام الذي يستمر في تعيين المسؤولين عنها. صحيح أن رجال الاعمال انشأوا محطات تلفاز خاصة، لكنهم مقربون من النظام. والصحافيون الذين تجرأوا على فتح فمهم تمت اقالتهم أو اعتقالهم. ايضا محاولة تأسيس برامج هزلية سياسية، كما فعل باسم يوسف، قُطعت منذ عهد الإخوان المسلمين وبعدها على يد السيسي. القوانين ضد المظاهرات وضد الحاق الضرر بمؤسسات الجيش أصبحت مشددة اكثر وتم اعلان الحرب ضد الإخوان المسلمين، الأمر الذي يضر ايضا برجال الدين واصحاب المهن الحرة الذين يتم اعتبارهم مؤيدين للاخوان.
رغم كل ذلك فان النظر في الميكروسكوب نحو ما حصل في مصر خلال خمس سنوات، قد يكون مضللا. من الصعب ايجاد دولة نجحت في الخروج من ازمة اقتصادية امتدت لسنوات وهي مرفوعة اليد.
تركيا مثلا وصلت إلى شفا الانهيار في 2002، وحكومة العدالة والتنمية احتاجت إلى عدة سنوات من اجل وضع الاقتصاد على المسار السليم.
السيسي نفذ مشروع قناة السويس في فترة قياسية وهو يهتم ببناء عشرات آلاف الوحدات السكنية، ونجح ايضا في المكان الذي فشل فيه مبارك ـ تقليص الدعم الحكومي للوقود. يمكن التحدث عن اليأس أمام الفساد العميق، لكن يمكن ايضا القول إن الامر في روسيا عميق ومخيف أكثر. يعتبر السيسي ديكتاتور، لكنه ديكتاتور يحافظ على علمانية مصر ويسير بحذر على الحبل الدقيق الذي يجمع بين الدين والدولة. متطهرو الديمقراطية لن يحققوا حلمهم في مصر، لكن أين يمكنهم ذلك؟ أليسوا اولئك المتطهرون الذين فضلوا عند الخوف الديكتاتور صاحب القبضة الحديدية الذي عرف كيف يقمع الإرهاب على الديمقراطي ضعيف القلب؟.
لكن المواجهة ليست بين السيسي وبين مباديء الثورة. بين الحلم أو بين الرومانسية الغربية التي منحت «الربيع العربي» اسمه وبين من يحاول تفسير ما تشوش. الانجاز الكبير للثورة والسنوات الاخيرة يكمن في تفكيك الوعي التاريخي الذي قزم قوة الجمهور، أو بشكل أدق، اعتبره جسما مشلولا يحتاج إلى راعٍ طول الوقت.
القوة التي تفجرت قبل خمس سنوات واجهت عنف السلطة المخيف الذي حبسها عشرات السنين. إنها نفس القوة التي أسقطت النظام وأدت إلى محاكمة الرئيس المعزول وجماعته. إنها نفس القوة التي ميزت بين حكم الإخوان المسلمين الذي كان نتاج عملية ديمقراطية، ولكنها تهدد الحرية. صحيح أن النقاش الجماهيري الرسمي محبوس في عدد من القيود، لكن ليس هو الذي أحدث الثورة. بل كان ذلك النقاش الذي اعتمد على الجوانب المتسعة والمتجاوزة للنظام بدون رقابة وبدون قيادة معروفة، الامر الذي شكل المباديء وبحث عن القيادة. هذه القوة ما زالت موجودة ـ ولا تنوي أن ترتاح.
هآرتس