فلسطين بين «إسرائيل» والسعودية وإيران أين… وإلى أين؟ د. عصام نعمان
لافتٌ حديث بنيامين نتنياهو في منتدى دافوس بل خطيرٌ في بعض ما انطوى عليه من مواقف ودلالات. يمكن تلخيص الحديث في ثماني كلمات: بعض العرب حلفاء، والخطر الأكبر من إيران و«داعش».
هل ما قاله نتنياهو هو واقع الحال ام مجرد محاولة لرسم خريطة رغبوية جيوسياسية لما يحلم به أو يريد ان تكون عليه دول الإقليم في قابل الأيام، وما دافعه إلى قول ذلك الآن؟
أجاب المسؤول الإسرائيلي الأول بنفسه عن هذا السؤال بقوله: «إنّ التغيير الأشدّ دراماتيكية في الآونة الأخيرة هو التغيير في العلاقات بيننا وبين جيراننا العرب، الهادف إلى خلق شرق أوسط من دون إسلام متطرف».
من الواضح أنّ نتنياهو يتحدّث عن تغييرٍ في العلاقات لم يصل بعد إلى مستوى التحالف مع «بعض العرب»، وإنْ كان يتجه هذه الوجهة، أو لعله بلغ هذا المستوى وانه تقصّد تظهيره من على أعلى منبر أممي غير رسمي. من الواضح أيضاً أنّ «الجيران العرب» الذين أنجز معهم «التغيير الأشدّ دراماتيكية في الآونة الأخيرة» لا ينفون ولا يؤكدون ما تفوّه به رئيس حكومة «إسرائيل». غير أنّ أصدقاء لـِ»الجيران العرب» الذين أشار إليهم نتنياهو فسّروا كلامه بأنه محاولة لاستغلال منبر دافوس ليقول للقادة الأوروبيين الذين تقاطع حكوماتهم منتوجات المستعمرات المستوطنات «الإسرائيلية» في الضفة الغربية: لا تكونوا ملكيّين أكثر من ملوك العرب الذين أصبحوا أو كادوا أن يصبحوا حلفاءنا!
خصوم «الجيران العرب» المحليون والإقليميون يرفضون هذا التخريج المغرض لكلام نتنياهو، ويدعون إلى قراءة الأحداث بموضوعية تتبدّى معها الوقائع والشواهد الآتية:
ـ كافح المسؤولون الإسرائيليون بلا هوادة منذ سنوات لتفشيل المفاوضات بين مجموعة دول 1+5 بدعوى أنّ البرنامج النووي الإيراني أفلح في إنتاج سلاح نووي. كما عارضوا الاتفاق النووي الذي تمّ التوصل إليه أخيراً لكونه يجعل من إيران دولة نووية، فتشكّل، تالياً، خطراً على «إسرائيل» وعلى جيرانها العرب. الملاحَظ أنّ السعودية تتخذ الموقف نفسه تقريباً، من حيث اعتبارها إيران خطراً على دول الخليج جميعاً.
ـ حاولت «إسرائيل» منذ سنوات، وما زالت، إيهام العرب بأنّ الخطر الأوّل المحدق بهم هو إيران ومطامعها وليس الاحتلال الصهيوني لفلسطين، الأمر الذي أسهم في تراجع مركزية قضيتها في حياة العرب السياسية. وليس من شك في أنّ انشغال بعض دول العرب بالصراع مع إيران أسهم في تكريس هذا التراجع.
ـ صنّفت «إسرائيل» إيران وحلفاءها، ولا سيما حزب الله، أطرافاً إرهابية تستوجب المواجهة. الملاحَظ أنّ السعودية ترى الأمر نفسه ولا تخفي دعمها السياسي والمادي لتنظيمات متعدّدة الألوان تقاتل الحكومة السورية وحلفاءها، وفي مقدّمهم حزب الله.
ـ دعا نتنياهو في حديثه إلى «تفكيك شبكات الإرهاب الإيرانية» الأمر الذي يعني، عملياً، تلاقي «إسرائيل» مع الدول العربية والإقليمية التي تقاتل حكومات سورية والعراق واليمن وتنظيمات حليفة لها تعتبرها إرهابية، ما يجعل تلك الدول منخرطة في تحالف غير معلن ضدّ من تعتبره أطرافاً إرهابية، ولا سيما سورية وتنظيمات المقاومة اللبنانية والفلسطينية المتحالفة معها.
قد يقول قائل إنّ الوقائع والشواهد سابقة الذكر لا تؤكد قيام تحالف بين «إسرائيل» وبعض دول العرب، إنما مجرد تلاقٍ سياسي غير مباشر إزاء بعض الدول والأطراف وسياساتهم الإقليمية، وانّ ذلك لا يكتسب بالضرورة صفة دائمة.
حتى لو اعتبرنا الأمر كذلك، فإنّ ثمة مفاعيل وتداعيات لهذا الموقف يمكن إيجازها بالآتي:
ـ التأثير سلباً على المساعي التي تقوم بها الولايات المتحدة وروسيا من أجل جمع الحكومة السورية ومعارضيها من غير الإرهابيين في مؤتمر جنيف-3 للتفاوض في إطار قرار مجلس الأمن 2254 بغية التوصل إلى حلّ سياسي للصراع الدامي والمدمّر الذي يعصف بالبلاد منذ نحو 5 سنوات. غير أنّ توصيف السعودية لحكومة دمشق وحلفائها بأنهم قوى إرهابية ودعم الأطراف التي تحاربها من شأنه إطالة أمد الحرب وتعطيل المساعي الرامية لمباشرة المفاوضات في جنيف.
ـ كذلك يؤدّي توصيف إيران بأنها «الخطر الأكبر» في المنطقة إلى استمرار دعم الأطراف المتحالفة مع السعودية في حرب اليمن، كما في سورية والعراق، وبالتالي إطالة أمد الحرب الدائرة هناك.
ـ إنّ مجرد قيام تلاقٍ سياسي بين «إسرائيل» و«بعض العرب» كافٍ بحدّ ذاته لتشجيع الكيان الصهيوني على الإمعان في سياسته الاستيطانية التوسعية من جهة وتقويض سياسة المقاطعة الأوروبية لمنتوجات المستعمرات «الإسرائيلية» من جهة أخرى.
لا يكفي، إذاً، أن تنفي الدول العربية التي يعتبرها نتنياهو حليفةً قيامَ تحالفٍ بينها وبين الكيان الصهيوني، بل يقتضي أن تبادر الدول العربية جميعاً إلى إعادة تقويم الوضع الإقليمي وعلاقات القوى المستجدّة فيه، ولا سيما بعد إقرار الاتفاق النووي، ودخول روسيا لاعباً نشيطاً ضدّ الحرب في سورية وعليها، وتأثير المتغيّرات الحاصلة على قضية فلسطين وسائر قضايا العرب الأساسية، وفي مقدّمها مواجهة الإرهاب وإخراج الإسلام من معمعة استخدامه وسيلةً لتحقيق أغراض سياسية.
في ضوء ذلك كله، ألا يحق للفلسطينيين أن يسألوا دول العرب التي ترى، كما «إسرائيل»، في إيران «الخطر الأكبر»، وتلك التي ترى في «داعش» الخطر الداهم، أين فلسطين في هذه المعمعة والى أين قضيتها التي كانت في يومٍ من الأيام قضية العرب المركزية؟
(البناء)