8 و 14 عودوا إلى السياسة انتهى وقت التذاكي
ناصر قنديل
– كي لا يُتّهم المقال بالتمييز العنصري في وصف قوى الرابع عشر من آذار وحدَها بممارسة التذاكي في إدارة الملف الرئاسي، لا بدّ من الإقرار بأنّ هذا التذاكي المتمثل بالترشيحَيْن المسدودَيْ الأفق، العاجزين عن تحقيق اختراق في جدار الفراغ الرئاسي، ترشيح الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية وترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع للعماد ميشال عون، ما كانا ليبلغا مكانة الحدث السياسي لولا وجود شريك من فريق الثامن من آذار، ارتضى المشاركة في رقصة التانغو ومنح هذا التذاكي شرعيته، حتى صار مبادرة.
– من دون وضع النيات السوداء المتصلة بالسعي لإبعاد الجمهور المسيحي للزعيمين عون وفرنجية عن خيار المقاومة، وتصويره متّهماً في كلّ من المرتين بالتخلي عن حليف من حلفائه، وبقبول النيات المحلية الصنع للمبادرتين، يمكن القول إنّ همّ صاحبيهما كان أساساً، المكاسب التي يحققها فئوياً في إحداث خلط أوراق في بيئة لم يكن له فيها نصيب سياسي أو شعبي سابقاً، قبل التفكير في ما إذا كان الترشيح بالصيغة التي تمّ بها، وما تلاه من خطوات، يُسهم أم يعقّد مهمة وصول المرشح المعني إلى الرئاسة.
– انتهى وقت التذاكي، لأن ّالمبادرتين اصطدمتا بالجدار المسدود، وواهم من يظن أنّ بقاءهما بقوة الدفع المحققة لكلّ منهما يفعلان شيئاً آخر غير أن تتكفّل قوة دفع كلّ منهما بتعطيل الأخرى، وليس من المبالغة القول إنّ ترشيح جعجع من قبل الحريري قبل سنة ونصف السنة لم يكن صالحاً لتعطيل وصول عون بمثل ترشيحه لفرنجية، وفي المقابل ما كان ممكناً القول إنّ ترشيح فرنجية بات معطلاً لولا قيام جعجع بترشيح عون.
– العودة إلى السياسة تعني العودة إلى مربّعي الثامن والرابع عشر من آذار، والاصطفاف السياسي للفريقين، والاكتفاء بالمكاسب والخسائر الناتجة عن ألاعيب التذاكي، حتى لو كانت مبادرات صادقة، فلسنا في محكمة نيات، بل أمام وقائع الانسداد التي تقول، مَن يستطيع أن يطلب من فرنجية الانسحاب لحساب عون، وهو يملك حساباً يقول إنّ أيّ تسييل لترشيح جعجع لعون في جلسة انتخابية سيؤكد عجز الترشيح عن نيل الأكثرية المطلقة، ولو بقي فرنجية متنحّياً عشر دورات، لأنه في الدورة الحادية عشرة سيملك هو هذه الأغلبية، ومَن يستطيع أن يطلب من عون الانسحاب لفرنجية وهو يُمسك بيده ورقة شبه إجماع مسيحي بعد ترشيح جعجع له، وبيد أخرى ورقة القوة التي لا تُقاوم والمتمثلة بتأييد غير محدود لن يتزحزح من حزب الله، والورقتان كافيتان للقول إن لا رئاسة حتى تنضج شروط الإجماع على انتخاب عون رئيساً بالتزكية.
– العودة إلى السياسة تعني أن تبادر قوى الثامن من آذار إلى الاجتماع على مستوى فريقها المشارك في جلسات الحوار الوطني، مضافاً إليه الوزيران السابقان فيصل كرامي وعبد الرحيم مراد، وتناقش خلاصات المبادرتين على مستوى الانسداد من جهة، والقواعد السياسية التي تثبتها من جهة أخرى، وفي مقدّمها وأهمّها حسم انتماء الرئيس العتيد إلى قوى الثامن من آذار مقابل تسليم ضمني بانتماء رئيس الحكومة إلى فريق الرابع عشر من آذار، والحصيلة الثانية هي الدينامية التي يفرزها تفاهم عون جعجع في الانتخابات النيابية من قوة دفع لكلّ من الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط للتفكير جدياً بقانون انتخابات نيابية يعتمد النسبية، بعدما تحوّل اختلاط الدوائر التي يملكان فيها تأثيراً يتشارك مع ثقل مسيحي من نعمة إلى نقمة، وصار المطلوب بدلاً من حصاد الأرباح الإضافية المتمثلة بحجز نسبة من المقاعد المسيحية لحساب كلّ منهما، القلق من خطر خسارة مقاعد تنتمي لقواعدهما الطائفية بقوة تأثير التصويت المسيحي، وليس من طريق لتفادي ذلك إلا بالتمثيل النسبي الذي يزيل فرص العبث بالنتائج الانتخابية بتثقيل أحد جناحي التصويت الطائفي المنقسم بتصويت طائفي آخر.
– تستطيع قوى الثامن من آذار أن تنطلق من كلّ ما جرى لتخاطب الضفة المقابلة بصيغة الدعوة للعودة إلى السياسة والاصطفاف كفريق، يتلقى مبادرة ويجيب عليها تفاوضياً، ومضمون المبادرة، أولاً إنّ الانسداد الرئاسي لا تخرق جداره المبادرات الآتية من خارج تماسك الفريقين المتقابلين، لأنها لا تستطيع توفير النصاب اللازم لانتخاب رئيس يحتاج تأمينه تلاقي الفريقين المتقابلين كي يتحقق. ثانياً أنّ التفاوض على الشأن الرئاسي هو تفاوض يبدأ من خلاصة ترشيحات الفريقين الرئيسيّين في الرابع عشر من آذار، وهي التسليم بأنّ الرئيس ينتمي إلى فريق الثامن من آذار مقابل انتماء رئيس الحكومة إلى فريق الرابع عشر من آذار.
– تبدأ قوى الثامن من آذار بالقول إنّ إنجاز التفاهم على قانون الانتخابات النيابية ملازم للتفاهم الرئاسي وتقترح تسريع وتفعيل عمل اللجنة النيابية بالتوازي مع التفاوض الرئاسي لتحقيق الإنجاز المتوازي والمتزامن في المجالين.
– انطلاقاً من هاتين القاعدتين، تسأل قوى الثامن من آذار خصمها وشريكها في الرابع عشر من آذار، أتريدون اختيار قاعدة أن يسمّي كلّ فريق مرشحه بنفسه، وعلى الفريق الآخر أن يقبل؟ وفي هذه الحالة ففريق الثامن من آذار مجمع، وفي مقدّمة الإجماع النائب سليمان فرنجية، على أنّ هذا المرشح هو العماد ميشال عون، وعلى فريق الرابع عشر من آذار القبول، مقابل حقه في تسمية من يشاء لرئاسة الحكومة ولو كان الوزير أشرف ريفي، أو الرئيس الحريري أو الرئيس فؤاد السنيورة أو أيّ من رجالاته.
– تأسيساً على ذلك تتابع قوى الثامن من آذار، إذا لم يكن حق الاختيار للرئيس عائداً بالتسمية الحصرية لفريق الثامن من آذار، وعليه أن يسمّي مرشحين بالتتالي، فهو يسمّي المرشحين المعروفين طبعاً، اللذين يحوز كلّ منهما دعم طرف رئيسي في فريق الرابع عشر من آذار، وهما العماد عون والنائب سليمان فرنجية، وهنا على قوى الرابع عشر من آذار أن ترتضي بالمثل حق قوى الثامن من آذار بتلقي ترشيحين لرئاسة الحكومة واختيار من تراه مناسباً، والمنطقي أنه معلوم ضمناً أنّ قيام الثامن من آذار بقبول اختيار الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة سيكون مشروطاً بقبول قوى الرابع عشر من آذار لترشيح العماد عون كتثقيل لهذا الخيار الذي يشكل الخيار الأول لقوى الثامن من آذار.
– تقول قوى الثامن من آذار إنّ اختيار قوى الرابع عشر من آذار لأيّ من المرشحين يرتب ضمانات للمرشح الذي عليه أن ينسحب من الماراتون الرئاسي الذي تتحمّل قوى الرابع عشر من آذار مسؤولية إحاطته بتعقيدات الترشيح، سواء بترشيح الحريري لفرنجية الذي عقّد فرص عون الرئاسية، أو ترشيح جعجع لعون الذي عقّد فرص فرنجية الرئاسية، والانسحاب المطلوب من المرشح يجب أن يتمّ بتغطية إجماع وطني تمنحه ضمانات، ومكاسب بديلة، وفي هذه الحالة فإنّ لقاء انسحاب العماد عون يجب القبول بالتوافق على تعديل قانون الدفاع الوطني بما يتيح تعيين قائد الجيش من الاحتياط للمجيء بالعميد المتقاعد شامل روكز قائداً للجيش، والتعهّد بحصول التيار الوطني الحرّ على نصف المقاعد الوزارية المسيحية في الحكومة ومن بينها وزارة المالية للوزير جبران باسيل، بينما مقابل انسحاب النائب فرنجية فيجب التعهّد بمنح تياره ربع التمثيل المسيحي الوزاري ومن بينها الحقيبة السيادية التي ستعود للموارنة.
– تستطيع قوى الثامن من آذار بهذه المبادرة استعادة وحدة صفوفها، ولا يمكن لأيّ من مرشحَيْها الرئاسيّين الشعور بالغبن أو التخلي، فتكون قد منحت كلاً منهما حظاً حقيقياً مناسباً، يجعل من اختيار الفريق المقابل عامل الترجيح بينهما، مع صعوبة التوقع مسبقاً بطبيعة هذا الترجيح، ولضمان التعامل اللائق بثقة مرشحَيْها تبعدهما عن التفاوض وتنيطه بوفد يمثل أطرافها المشاركين ويترأسه رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
– تتلقى قوى الرابع عشر من آذار المبادرة وعليها أن تعود إلى ترميم صفوفها وتدرس جيداً وتختار، أو تبقي كرة المبادرة في ملعبها حتى يجيء أوان المعادلات الدولية والإقليمية لإنتاج الرئاسة.
(البناء)