بقلم غالب قنديل

موقف جعجع : الدوافع والمعاني

Kanaan

غالب قنديل

أثار إعلان الدكتور سمير جعجع مساندته لترشيح العماد ميشال عون موجة من الأصداء والتعليقات وبدا بمثابة خلط أوراق كبير في المشهد السياسي بينما تلاحقت علامات الارتباك السياسي في العديد من المواقف الأولية نظرا لأهمية الحدث الذي يعاكس استقطابا سياسيا حادا تكرس بقوة قبل أكثر من ربع قرن وتوارثه المحازبون على الجانبين وشابته صراعات ومشاحنات ومعارك انتخابية بين القوتين السياسيتين الأبرز في الشارع المسيحي .

أولا رغم امتناع الرئيس سعد الحريري عن إعلان ترشيحه رسميا للوزير سليمان فرنجية لكن الرواية الإعلامية والسياسية التي روجت حول تلك المبادرة منذ اجتماع باريس الشهير شكلت صدمة كبيرة للقوات ورئيسها الذي كان بلسان الحريري حتى الأمس القريب المرشح الرئاسي الأوحد لقوى 14 آذار منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان.

تلك “المبادرة” شكلت تسليما من الحريري والمملكة السعودية ومن خلفهما الولايات المتحدة (التي تردد ان سفيرها السابق ديفيد هيل كان صاحب الاقتراح) بسقوط خيار ترشيح جعجع وباستحالة تبني أي مرشح آخر من 14 آذار وبانتفاء القدرة على الاتيان برئيس من بين ما سمي بالمرشحين الوسطيين تحت شعار الرئيس التوافقي وبالتالي حصر الخيارات الواقعية بركني الثامن من آذار البارزين العماد ميشال عون والوزير سليمان فرنجية وكانت مشكلة جعجع الخاصة ان “شريكه” الموثوق وسنده الإقليمي الرئيسي منذ اكثر من عشر سنوات اتخذا القرار من غير مشاورته او حتى ” الوقوف على خاطره ” وهو ما اعتبره القواتيون طعنة تنذر بمخاطر التخلي الحريري والسعودي عن جعجع وحزبه السياسي خصوصا مع ذاكرة الصراع الحاد بين القوات وتيار المردة التي تبدأ بمذبحة إهدن ولا تنتهي بالتنافس المحموم والمتجدد على نسبة رئيسية من المقاعد النيابية في أقضية الشمال ومنذ العفو عنه بقانون لإخراجه من السجن بتدبير من الحريري وكتلته النيابية لم يقم جعجع بأي خطوة لملاقاة موقف فرنجية النبيل من المتورطين في جريمة قتل عائلته ومناصريه بتنازله عن الحق الشخصي وبالعفو عن العديد من عناصر القوات الذين شاركوا في المجزرة ناهيك عن تمسك جعجع منذ خروجه إلى المسرح السياسي بدور متطرف في العداء للمقاومة وسورية وتصميمه على اشتباك سياسي دائم مع سائر القوى المكونة للثامن آذار وخصوصا حزب الله.

ثانيا الصفعة الحريرية لجعجع فرضت عليه مراجعة حساباته السياسية واستكمال التكيف الذي بدأه بالحوار مع التيار الوطني الحر وبالبحث عن صيغة التفاهم الممكن تحت ضغط المناخ الشعبي والسياسي المجسد مسيحيا بتعاظم زعامة العماد ميشال عون التي اكتسبت زخما كبيرا منذ بدء المناقشات حول قانون الانتخابات وتصاعد تجذرها وامتدادها كما تأكدت مصداقيتها لدى الناس والحلفاء وبرزت تلك المصداقية في خيارات عون بقوة في المقارنة العفوية بين حليفي الجنرال وجعجع ودرجة الوفاء وصلابة الالتزام : الحريري يتخلى دون كلمة او حرف ومن غير سابق إنذار وحزب الله داعم لحليفه بقوة وثبات في الصراء والضراء ومهما كان الثمن وهذه معادلة كافية لخلاصة أن الجنرال على حق منذ تفاهم مارمخايل الذي هاجمه عليه دون هوادة جعجع والحريري وجنبلاط.

خطوة جعجع بالانتقال إلى تأييد ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية رافقها تبنيه للغة سياسية مختلفة وردت في نص الورقة المشتركة التي اعتبرها مرجعية تبنيه للترشيح وقد تضمنت مواقفا برهنت على صلابة التيار الوطني الحر في خياره المبدئي خصوصا إزاء المقاومة وسورية ( التأكيد على ان إسرائيل هي العدو وبند العلاقة بالدول العربية دون استثناء ) وهو ما يثبت بوضوح ان خطوة جعجع هي حصيلة مأزق قوى 14 آذار وفشلها السياسي ونتيجة مباشرة لتوازن قوى متحول دوليا وإقليميا في غير مصلحة المحور الأميركي السعودي خصوصا بعد الانخراط الروسي في سورية وفك الحصار عن إيران وكفى دلالة ان تضع قوى 14 آذار الخيارات بين العماد ميشال عون والوزير سليمان فرنجية مما يعني في المضمون رجحان كفة الثامن من آذار اكثر مما اعتبر إلقاء للطابة في مرماها مع محاولات تسعير الإيحاء بالمنافسة بين ركنيها المرشحين.

المبادرة المطلوبة بعد هذا التطور هي تأكيد وحدة قوى الثامن آذار وتجديد صلابتها في لقاء موسع للأركان والقادة يبحث الاستحقاق الرئاسي ويناقش السلة المتكاملة التي تحدث عنها سماحة السيد حسن نصرالله لوضعها قيد التداول السياسي إلى جانب حسم الخيار الرئاسي لصالح تبني ترشيح العماد ميشال عون بالتفاهم الطبيعي مع الوزير سليمان فرنجية وبتكريس مكانته كركن أساسي في التحالف وقد ظهرت تصريحات ومواقف مهمة تؤشر إلى طريق التفاهم الممكن بين الحلفاء وفقا لما ادلى به الوزير فيصل كرامي والنائب طلال إرسلان والوزير أسعد حردان ولا شيء يمنع في التفكير بفريق من المبادرين داخل قوى الثامن آذار انطلاقا من هذه النواة الثلاثية لملاقاة الاستحقاق ولحث الحلفاء على آلية لتوحيد المواقف ورص الصفوف وعدم تضييع المكاسب السياسية والإنجازات التي حققها نهج الصمود والمقاومة في المنطقة ولبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى