مقالات مختارة

الحريري أحرج السعودية وأربكها… فهل يدفع الثمن؟ ابراهيم ناصرالدين

 

عندما يعبر الرئيس الاسبق للحكومة سليم الحص عن خيبة امله من تحول «معراب» ممرا الزاميا الى بعبدا، يوصف «بضمير» مرتاح حالة «الضحالة» المؤلمة التي وصلت اليها الحياة السياسية في لبنان، رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي كرس نفسه «عرابا» لرئيس تكتل التغيير والاصلاح ميشال عون في مسيرته الى قصر بعبدا، استغل بذكاء لحظة «تخل» لن تكون عابرة، تسبب بها بشكل كارثي رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الذي يتحمل مسؤولية «فرط» تجمع 14 آذار، وخلق ثنائية مسيحية تساءله على الصلاحيات المسيحية «المسلوبة» منذ الطائف، واضعا نفسه في موقف حرج، يصعب تقدير الثمن الذي سيضطر الى دفعه؟

هذه المعادلة، هي «بيت القصيد» في «الزلزال» الاتي من معراب، وليس مسألة انتخاب «الجنرال» رئيسا او عدم انتخابه، بالنسبة «للحكيم» وصل عون الى سدة الرئاسة او لم يصل، الامر بالنسبة اليه سيان، هو فعل ما عليه مسيحيا، وخطف «الاضواء» من جميع اقرانه الذين ينافسونه في هذا «الملعب»، اما ايصال «الجنرال» الى بعبدا فليست جزءاً من المسؤولية الملقاة على عاتقه، قام بما هو مطلوب منه، والباقي مسؤولية الجميع بدءا من الكنيسة المارونية المطالبة بمواقف اكثر وضوحا، لاحراج الممانعين، مرورا بحلفاء عون وخصومه، والرعاة الاقليميين والدوليين للملف اللبناني.

ووفقا لاوساط 8آذار، يعتقد جعجع انه ربح معركته في استعادة «القرار» المسيحي، ولم يعد معنيا بربح معركة الرئاسة، حليفه «اللدود» سعد الحريري، اختار عن «سابق اصرار وترصد» اختبار المواجهة معه، تركه على «ناصية الطريق» وذهب الى تفاهم رئاسي مع الوزير سليمان فرنجية، ليعود من «منفاه» الاختياري على «حصان» الرئاسة، متوجا نفسه الآمر الناهي في فريقه السياسي، لكن «الخطيئة» التي ارتكبها الحريري تكمن في عدم توقفه مليا عن تاريخ جعجع «الانقلابي»، فهو عندما كان رئيساً للأركان في القوات اللبنانية أطاح في 15 كانون الثاني 1986 بالاتفاق الثلاثي الذي رعته سوريا بين كل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية ايلي حبيقة ، ثم كرّر الامر في العام 1988 عندما أطاح بالتعاون مع قائد الجيش العماد ميشال عون بإتفاق «مورفي الاسد» على انتخاب مخايل الضاهر رئيساً تحت شعار «الضاهر أو الفوضى»، وهو اليوم يطيح باتفاق الحريري – فرنجية.

ووفقا لاوساط ديبلوماسية في بيروت، فان الارباك الواضح في تيار المستقبل يعود الى انعدام التقويم الصحيح لموقف «الحكيم»، ما انعكس ايضا ارباكا في الموقف السعودي، وفي الساعات القليلة الماضية جرت مساءلة دبلوماسية من الخارجية السعودية للسفير السعودي في بيروت علي عواض العسيري، حول وجود ثغرات واضحة في «المراسلات» الدبلوماسية المتعلقة بالملف اللبناني، بدءا من «تخريجة» «المبادرة الباريسية»، ورأي السفارة الايجابي حول امكانية تمريرها وتسويقها، لدى الحلفاء في بيروت، لتكوين «لوبي» ضاغط على حزب الله لتمرير التسوية، ولم يرد في المراسلات اي تحذير جدي من ذهاب جعجع الى هذا الخيار «الانتحاري»، كما ان مطالبة «الحكيم» بعقد لقاءات مع المسؤولين السعوديين لم تحمل صفة «العاجل» او «الملح».

هذا التوتر السعودي، يصيب الرئيس الحريري بالقلق، لان التحول في موقف «الحكيم» جاء في مرحلة «مفصلية» تمر بها المملكة العربية السعودية، الرياض لا تحتمل «نكسات» جديدة في المواجهة المفتوحة مع ايران، وما تسبب به رئيس تيار المستقبل من اضرار قد يصعب تعويضه في المرحلة المقبلة، خصوصا ان تبنيه لترشيح فرنجية وعمله «الدؤوب» على اقناع المسؤولين السعوديين بتبني هذا الخيار، انقلب الى «كارثة»، بعد ان انحصر التنافس الرئاسي راهنا بين مرشحي حزب الله، وبدل ان تسبب التسوية «انهيارا» في معسكر 8آذار، انهار تجمع قوى 14آذار، وفقد تيار المستقبل «المظلة» المسيحية والوطنية، وعاد الى «الانعزال» في زاوية تمثيله للسنة، المعرضين الان لمنافسة على صلاحياتهم التي ضمنوها في اتفاق الطائف، من «لوبي» شيعي قوي للغاية، «ولوبي» مسيحي نواته حتى الان اكبر حزبين مسيحيين، مع احتمال توسع المنضمين اليه، وهذا الامر ما كان ليحصل دون حشر جعجع في «الزاوية»، بفعل التقدير الخاطىء، والحسابات «المتهورة» للرئيس الحريري.

وفي هذا السياق، تلفت تلك الاوساط الى هذه المعادلة تضع الحريري امام «اختبار» صعب في السعودية، وسط حالة من «الفتور» في علاقة بعض دوائر القرار هناك معه، وقد يشفع له في هذه المرحلة عدم وجود بدائل جاهزة، في خضم المواجهة المستمرة مع ايران وحلفائها، هذه الصعوبة ايضا تنسحب على موقفه في بيروت، فهو ايضا مضطر في هذه المرحلة الى ابقاء خطوط التفاهم مفتوحة مع النائب وليد جنبلاط، لتعويض الخسارة على الضفة المسيحية، ويدرك جيدا ان «اثمان» «البيك» تكون عادة مرتفعة، كما يحتاج الى الرئيس نبيه بري الذي لا توجد علامات استفهام حول حقيقة موقفه من ترشيح عون، فهو حكما يفضّل فرنجية عليه ولاسيما بعد اعلانه ترك الحرية لأعضاء كتلته بالتصويت لمن يرونه مناسباً، وهو كلف خلال الساعات القليلة الماضية من يتصل بفرنجية لاقناعه بالتمسك بترشيحه «اقله» حتى ينقشع «غبار» حفل «الاوسكار» الذي شهدته معراب، لكن الحريري يدرك ايضا ان مسألة الرئاسة اذا ما خرجت من «زواريب» بيروت الضيقة، فان البعد «الاستراتيجي» لهذا الملف قد يكون حاسما، وعندها لا يمكن الركون لموقف رئيس المجلس النيابي، ولا حتى الرهان على استمرار فرنجية على موقفه من الترشح.

هذه المقاربات المربكة داخل «البيت الازرق» ومع رعاته الاقليميين، يقابلها «ارتياح» لدى حزب الله لما آلت اليه الامور، تيار المستقبل يخوض معركة حليفه سليمان فرنجية، اما مرشحه للرئاسة فحظي بدعم اكبر خصومه المسيحيين، ووصل الامر برئيس القوات اللبنانية سمير جعجع بان ينصب نفسه ناطقا باسم الحزب حين عبر بعد لقائه البطريرك الماروني عن قناعته بان موقف «حزب الله» واضح من هذه الجهة، وقال «في ما يتعلق برئاسة الجمهورية ان الحزب يسير في السراء والضراء خلف الجنرال، وبالتالي لا أعتقد ان هناك لغطاً في الموضوع». بالطبع ليس هناك اي التباس في الموضوع، خصوم الحزب يقدمون له «الهدايا» مجانا، دون عناء خوض اي معركة، فلماذا لا يكون في «احسن احواله»؟ خصوصا ان «الجنرال» يعرف جيدا ان الحزب قام ويقوم بما عليه لتذليل اي عقبات في طريقه الى القصر الجمهوري.

وفي الخلاصة، لم تعد مقاربة الاحداث المتسارعة على الساحة اللبنانية مرتبطة بحصول الاستحقاق الرئاسي او انتخاب رئيس جديد، حسابات الربح والخسارة في مكان آخر، المحسوم حتى الان ان رئيس تيار المستقبل يعد اول واكبر الخاسرين، يستمر بمراكمة الخسائر، فقد تياره الكثير من «جاذبيته»، النزف في قاعدته الجماهرية مستمر لصالح التيارات الاكثر تطرفا، ثقة رعاته الاقليميين تتقلص يوما بعد يوم، يعود في هذه المرحلة الى «التقوقع» والتمترس خلف «الميثاقية» لمنع الاخرين من الذهاب الى المجلس لانتخاب رئيس لا يرضى عنه السنة، يعتقد انها الورقة الرابحة الوحيدة التي يمكن ان «يلعبها»، لكنه يعرف ايضا ان تعويض الخسائر ممكن، لكن الربح بات مستحيلا، وفي «زمن» «الهلع» السعودي «وفوبيا» ايران المهيمن على تفكير قيادات المملكة، يهيمن على تفكيره احتمالات دفع «ثمن» خياراته مزيدا من تدهور وضعه المالي، واعادة تفعيل القرار السعودي بابعاده عن «كرسي» الحكومة، بعد ان نجح في تحريره اثر تسويقه للمبادرة الباريسية، ثمة «شغل» كبير يقوم به في الرياض، ويبقى القرار الحاسم في يد ولي ولي العهد.

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى