بقلم غالب قنديل

مصادر الإحباط الصهيوني

nattan

غالب قنديل

تحولت ندوة معهد أبحاث الأمن القومي في الكيان الصهيوني إلى منصة هرج ومرج شارك فيها الوزير السابق جدعون ساعر وركن الائتلاف الحكومي نفتالي بينيت ووزير الحرب موشي ياعلون ورئيس الحكومة بنيامين نتناياهو والسفير الأميركي دان شابيرو .

أولا شهدت الندوة موجة ضارية من تبادل الاتهامات بالتحجر والقصور والعجز والتسبب بالضرر والمخاطر الأمنية وشكوى من هلع المستعمرين الصهاينة في الضفة الغربية المحتلة وعدم فاعلية التدابير المتخذة في محاصرة الانتفاضة أومنع العمليات الفدائية المتجددة وضيق كبير من سقوط الحصار على إيران ومن مواقف دول الاتحاد الأوروبي والتنبيه الأميركي من تبعات التوسع في بناء المستعمرات الصهيونية ومصادرة المزيد من أراضي الضفة الغربية وتحذيرات من شبح العزلة الدولية للكيان الصهيوني.

تشعب الجدل بين المشاركين الآنف ذكرهم وأبرزه في صحف العدو كبار الكتاب والمحللين الصهاينة ولا سيما ناحوم برنياع وبن كاسبيت اللذين وجها انتقادات لاذعة للمشاركين الذين نشروا غسيل الحكومة والجيش والمخابرات في نقاشات يفترض انها مكرسة للبحث في التحديات الكبرى التي تحيط بالكيان الصهيوني .

وضعت في الميزان جدارة حكومة نتنياهو ومدى قدرتها على مجابهة التحديات الناشئة عن الانتفاضة الفلسطينية وعن تصاعد عمليات المقاومة الجديدة الغامضة والمركبة التي تزيد عتاولة المخابرات والقمع حيرة وعجزا في تحديد طرق المواجهة والأهداف والوسائل الناجعة لردع تعاظم انتشار العدوى في صفوف فتيات وفتيان فلسطينيين يطلبون الاستشهاد ويحولون حياة المستعمرين وجنود الاحتلال إلى جحيم بعمليات الطعن والدهس واحيانا بعمليات عسكرية استشهادية تقضي على قادة ومسؤولين تتسرب تكهنات عن هوياتهم رغم التعتيم والتكتم الشديدين كما حصل في تصفية من تردد أنه مدير عمليات الموساد مع خرس رسمي دون النفي او التأكيد.

ثانيا المأزق والإحباط الصهيوني يتعزز في المنطقة والعالم رغم ما حققته “فتوحات” الموساد والرعاية الأميركية للكيان في توسيع دوائر التطبيع والتعامل العربي مع العدو كما يجري سرا وعلنا مع بعض حكومات الخليج وخصوصا السعودية والإمارات إضافة لقطر الشريك القديم للدولة العبرية .

ليست إسرائيل في أسوأ أحوالها وفقا لما يعرضه نتنياهو حول تلك التطورات التي قادت مستشاره إلى موقع رئاسة الموساد وهو انطباع تعززه عودة الدفء للعلاقات الصهيونية التركية وبالرعاية الأميركية نفسها بينما تمد تل أبيب أذرعتها في سورية لدعم جماعات القاعدة وغيرها من زمر الإرهاب العميلة وتسهم في العدوان على اليمن وتستشعر تحولها إلى لاعب في الداخل العربي كما كانت في لبنان خلال الحرب الأهلية قبل أربعين عاما لكن كل ذلك لا يطمس حقيقة ان القلق الكبير كامن ومتفاعل في مراكز القيادة والتخطيط الصهيونية : الغرب يستسلم لحقيقة أن الرئيس بشار الأسد صامد وثابت في سورية ، قوة حزب الله تتعاظم في المنطقة والجبهة الشمالية باتت واحدة من الحدود السورية الأردنية إلى رأس الناقورة كما قال بيان هيئة الأركان عن المناورات الصهيونية التي جرت قبل أيام والأدهى من كل ذلك أن القوة الإيرانية تحررت من قيود العقوبات والحصار وانعتقت دوليا وإقليميا وهي الصفعة الاستراتيجية التي تختصر المأزق برمته.

ثالثا الحلقة المركزية في الجدل الصهيوني الداخلي الذي تفجر وأثار التداعيات السياسية والإعلامية محوره الانتفاضة وسرها الغامض فمجمع المخابرات الصهيونية لم يستطع ان يفكك جينات الموجة الجديدة من التحركات الشعبية والعمليات الاستشهادية والمستعمرات تعيش رعبا متزايدا بظهور سلاح بسيط مضاد لأسلحة المستعمرين الذين تحميهم قوات الاحتلال وشنوا عمليات قتل منظمة ضد الفلسطينيين وباتوا مؤخرا مطاردين بهاجس الطعن والدهس الذي يقوم به شباب وصبايا دون سابق إنذار ومن غير توقع وفي أي مكان سواء في الضفة او القدس ام في داخل فلسطين المحتلة عام 48 .

الجيل الفلسطيني الجديد من الثوار والفدائيين والناشطين والمتظاهرين يرعب الصهاينة لأنه خارج السيطرة فليس الأمر بيد الرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية التي تواصل التنسيق الأمني مع مخابرات العدو ولا هو بيد الشيخ خالد مشعل وقيادة حماس حتى حين يتبين ان أقارب هذا الشهيد او ذاك ينتسبون لهذه المنظمة او تلك او حتى حين يكون الشهداء من المنتسبين يجزم قادة العدو أنهم تحركوا من تلقاء أنفسهم وليس بناء على أوامر منظماتهم وبات الصهاينة يقتربون من إدراك ان هذه الانتفاضة والمقاومة هي ثمرة تراكم تاريخي لوعي جديد سقط معه وهم الدولتين والحقيقة المرة التي يتجنب الصهاينة الاعتراف بها هي ان حركة وطنية جديدة تولد في كل فلسطين وتعمل لتحرير كل فلسطين وهم يتحسسون توغلها وانتشارها.

عبارة “نحن نفقد القدس ” التي قالها ساعر ومعها تقريع بينيت لنتنياهو على الفشل في الملف الإيراني تشبه أشعار المرضى بالطاعون التي رسمها الشاعر العربي احمد شوقي في القرن الماضي فطاعون الفشل هو ناتج عجز الكيان الصهيوني عن مواجهة التحديات منذ هزائمه المتلاحقة في لبنان وقطاع غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى