خرافة الخروج الأميركي
غالب قنديل
راج لفترة غير قصيرة اعتقاد في الدوائر السياسية والإعلامية العربية بأن الإدارة الأميركية تخطط للخروج من المنطقة وبنيت على هذه الخرافة استنتاجات وتوقعات كثيرة منذ “سحب” قوات الاحتلال الأميركي من العراق وخفض القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان وهي تعززت بقوة بعد ظهور أولوية الباسيفيكي في خطط الانتشار الأميركية لملاقاة الحضور الصيني المتصاعد وفي ظل طرح فكرة ” محور لآسيا ” التي حولتها هيلاري كلينتون إلى مبدأ استراتيجي يتناغم مع خطط البنتاغون وتحركات الرئيس باراك اوباما في نهاية العام الماضي لتطويق التغلغل الصيني.
أولا تشير الأدبيات الرسمية للإدارة الأميركية إلى تصميم المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة على خوض معارك الدفاع عن الهيمنة الأحادية على العالم والتمسك باستراتيجية إمبراطورية تنبذ الخضوع لمنطق الشراكة الدولية رغم الاضطرار الواضح في واشنطن للتكيف مع المتغيرات العالمية اقتصاديا وسياسيا مع نهوض القوى المنافسة والعجز عن كبح مسارها الصاعد والنموذجان القريبان هما الاتفاق النووي وفك الحصار عن إيران والخضوع لقواعد التفاهم مع روسيا بشأن الملف السوري تحت تأثير الانخراط العسكري الروسي مع الدولة الوطنية السورية وحليفيها إيران وحزب الله في مقاتلة الإرهاب .
بالرغم من براغماتية الرضوخ للتوازنات القاهرة والمتحولة تصمم الإدارة الأميركية بلسان الرئيس باراك اوباما نفسه على لغة متغطرسة اتجاه العالم والشركاء المفترضين وفقا لما ورد في خطاب حال الاتحاد من تأكيد على ان واشنطن هي من يقرر صيغ الشراكة في القرار الدولي وتضع القواعد الجديدة للعلاقات الدولية بقيادتها العليا.
اما المجتمع السياسي الأميركي المنشغل بالانتخابات الرئاسية فهو ينضح بخطب أشد عدوانية وتطرفا على خلفية التمسك بالتفوق الأميركي العسكري واعتباره ركيزة حاسمة لاستمرار الهيمنة على العالم والتحكم بآليات رسم الأحجام والأدوار وينطبق ذلك على الحزبين الديمقراطي والجمهوري معا .
ثانيا في عطلة الأعياد أي نهاية العام المنصرم كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن خطة البنتاغون لتوسيع رقعة انتشار القواعد العسكرية الأميركية في العالم وبصورة خاصة في قوس الأزمات المسمى بالشرق الأوسط الكبير في التقارير الأميركية الرسمية ويبدو واضحا من هذه الخطوة اننا امام مزيد من التدخلات الأميركية المباشرة في المنطقة ولسنا امام انكفاء اميركي وفقا لما تخيله البعض او اوحي لهم به من واشنطن نفسها التي تتقن المناورة والإيحاء المعاكس لتمرير خططها بأقل ضجيج ممكن.
خطة البنتاغون الجديدة تقضي باستحداث سلسلة من القواعد العسكرية في أربع وثلاثين دولة تتسع الواحدة منها لقوات تتراوح بين خمسمئة وخمسة آلاف جندي أميركي و تشمل القائمة العديد من الدول في أفريقيا وآسيا على وجه الخصوص وتضاف لشبكة من القواعد العلنية والسرية التي تتواجد فيها قوات أميركية في الكاميرون، جمهورية أفريقيا الوسطى، تشاد، جيبوتي، مصر، إثيوبيا، الأردن، الكويت، عمان، قطر والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة إضافة إلى تسع قواعد باقية في أفغانستان وست قواعد في العراق و17 قاعدة في تركيا وسلسلة من القواعد القريبة من حوض المتوسط الشرقي والتي استحدثت منها قواعد جديدة في بلغاريا ورومانيا.
الموازنة المقررة لتغطية تكاليف استئجار وإنشاءات القواعد العسكرية الأميركية لهذا العام 2016 هي مئة وخمسون مليار دولار وهي شبكة عسكرية تسمح بتحريك قوات عسكرية ضخمة كما هي حال قاعدة جيبوتي التي تتوسع سنويا على مضيق باب المندب ومنها قواعد صغيرة لتشغيل طائرات من دون طيار لأغراض التجسس والعمليات الخاصة ( الاغتيالات والقصف الجوي لأهداف وإنشاءات صغيرة ) كما هي حال بعض القواعد المستحدثة هذا العام في تركيا إلى جانب القاعدة الجوية الضخمة في مطار انجرليك .
ثالثا هذا التوسع في الانتشار العسكري الأميركي في المنطقة يجري تحت غطاء مكافحة الإرهاب وهو في الواقع ينطوي على غايات ومصالح اخرى فقيادة القوات في أفريقيا “أفريكوم ” أعلنت انها تحضر خطة لغزو ليبيا تتيح للولايات المتحدة القيام بعرض قوتها العسكرية بذريعة التصدي لتمدد داعش والقاعدة اللتان احضرهما الأميركيون تحت تغطية نيران الحلف الأطلسي في بداية ما سمي بالربيع العربي وبالتعاون مع تركيا وقطر والسعودية الحكومات الثلاث التي عملت بتوجيه اميركي وبالشراكة مع فرنسا وبريطانيا على استعمال ليبيا كمستودع خلفي للسلاح والإرهابيين في العدوان على سورية .
القوات الأميركية في أفريقيا تحضر لبناء منصات الصراع على النفوذ مع الصين التي تربطها علاقات وثيقة مع العديد من الدول التي يسعى الأميركيون لإخضاعها مرة بإدخال الإرهابيين إليها ومرة بذريعة مكافحة الإرهاب والحرب على اليمن تقع ضمن نطاق مزدوج يستهدف استباقيا مخاطر تمدد كل من الصين وإيران وروسيا أما الانتشار في الشرق العربي فيستهدف تطويق القوة الإيرانية ومحاصرة إشعاع نهوضها بعد الاتفاق النووي والتحسب لمخاطر الديناميكية الروسية التي انطلقت من سورية وشرعت تحقق تقدما جديا يسعى الأميركيون لاحتوائه وتبقى إسرائيل في كل ما تقدم تحتل مكانة الهم الأميركي المركزي في كل ذلك وتتواجد في فلسطين المحتلة قواعد عسكرية اميركية ومخازن استراتيجية للسلاح ومنظومات تدريب ثابتة ومشتركة بين الجيوش الأميركية وقوات الاحتلال الصهيوني والخلاصة بكلمة : الولايات المتحدة قوة استعمارية لا تنكفيء بغير القوة وواهم من يظن غير ذلك .