شغب 14 آذار مغامرة خطرة ابراهيم ناصرالدين
هل ثمة مصادفة بين ارتفاع حدة المواجهة الاقليمية بين السعودية وايران عشية بدء طهران الخطوة الاولى على طريق استعادة مكانتها الدولية؟ وهل ثمة مصادفة بين هذا المعطى الدولي الاقليمي وارتفاع حدة «صراخ» حلفاء الرياض في بيروت؟ وهل مجرد مصادفة ان يبدا كل هذا «الصخب» مع تيقن السعودية انها خسرت «اوراقها» الضاغطة لافشال الاتفاق النووي وادراكها ان ما جنته ايران من ارباح سيكون على حسابها؟
طبعا لا شيء في السياسة مجموعة مصادفات، كل ما يحصل مترابط وسببه الرئيسي «ذعر» في السعودية من المجهول القادم بعد ان استعادة ايران مكانتها الاقليمية والدولية، طبعا يدرك تيار المستقبل ان «المظلة» الاقليمية» السعودية ليست في احسن احوالها، «الصخب» السعودي المفتعل بعد التوقيت المريب لاعدام الشيخ نمر النمر، واستدراج ايران الى التصعيد، وحشد الدول العربية والاسلامية، لم يفض الى شيء، وكثافة الغبار الاتي من صحراء الخليج لم يؤد الى عرقلة مسار بدء تطبيق الاتفاق النووي بين طهران والغرب، «الرسالة» الاميركية للرياض واضحة، «القطار» انطلق ولن يتوقف، ثمة «خارطة طريق» تبدأ بالاتفاق النووي وتنتهي بالاقرار بدور اقليمي ريادي لايران سيسمح لها بان تكون لاعبا رئيسيا ومؤثرا في قضايا المنطقة، السعودية لاتزال تعاند وتصر على خوض معركة تحجيم نفوذ جارتها، لا تريد ان تهنأ طهران بمفاعيل هذا التفاهم التاريخي، هذا يعني المزيد من التشدد في الملفات الساخنة من سوريا الى اليمن مرورا بالعراق، ويبقى السؤال عما تريده الرياض على الساحة اللبنانية، فهل تسعى الى الحاق هذه «الجبهة الباردة» بغيرها من خطوط التماس المشتعلة؟
اوساط 8آذار تؤكد ان هذا السؤال طرح بجدية على «بساط» البحث في دوائر القرار المؤثرة في هذا الفريق، كي يبنى على «الشيء مقتضاه»، بعد رد الفعل المبالغ فيه من قبل قيادات قوى 14آذار على اطلاق المحكمة العسكرية للوزير ميشال سماحة، مع العلم ان كل هؤلاء كانوا على دراية مسبقة بان الامر سيحصل، والقوانين المرعية الاجراء ستفضي الى اطلاقه، ولم يكن قرار الافراج مفاجئا، طبعا «شد عصب» هذه القوى مطلوب، والكل يحتاج الى «جنازة» «ليلطم» فيها، ولكن لماذا انزال الناس الى الشارع؟ وفي وجه من هذا الشغب؟ واذا كانت المشكلة مع المحاكم الاستثنائية، والثقة منعدمة بالمحكمة العسكرية، فمكان تعديل عملها وقوانينها، او حتى الغائها في المجلس النيابي، واستخدام الشارع لن يغير من الامر شيئا، ثم ما علاقة «القمصان السود» «وحزب السلاح» فيما جرى؟ ولماذا ثمة تقصد لاستدراج حزب الله الى «كباش» لا «ناقة له فيه ولا جمل»؟ عندما اعتقل سماحة قبل نحو 4 اعوام لم يتصد الحزب للدفاع عنه واعتبر ان ظهور الاثباتات والدلائل المرئية والمسموعة، كافية للاعتقاد ان ارتكب خطا محرجاً للفريق السياسي الذي يمثل، ولا يمكن باي شكل من الاشكال الدفاع عنه، وحتى بعد صدور قرار المحكمة العسكرية، خرج موقف النائب محمد رعد مدافعا عن القضاء العسكري وليس عن سماحة، اذا الحزب ليس «خصما» في هذه المواجهة فلماذا التصويب عليه؟
وفقا لتلك الاوساط، ثمة شقين اساسيين وراء هذا «الصخب»، الاول «حفلة» مزايدة بين قيادات تيار المستقبل في اطار الصراع الداخلي على استقطاب الجمهور من جهة، ومن جهة اخرى ارضاء «الدوائر» السعودية، حيث تتنافس قيادات التيار على احتلال مراكز متقدمة في «البلاط» الملكي، وكان من الواضح انه بعد ساعات على تصدر وزير العدل اشرف ريفي للسباق، وعدم تمكن وزير الداخلية نهاد المشنوق من اللحاق به، دخل الرئيس فؤاد السنيورة على الخط واخرج من «قاموسه» كل مفردات «الخبث» تجاه حزب الله، مستعيدا الصدارة التي فقدها الرئيس سعد الحريري.
اما الشق الثاني، فيرتبط باستراتيجية سعودية واضحة تقضي برفع سخونة الساحة اللبنانية بما يتناسب مع الخط التصاعدي لمعركة محاصرة ايران اقليميا، لافقادها زخم الاتفاق النووي، بمعنى اخر محاولة تدفيعها ثمنا باهظا في المنطقة يوازي المكاسب الدولية المحققة، اما كيف يتم ذلك؟ فالحل بسيط، رفع حدة الصراع المذهبي لاعادة خلط الاوراق، وافشال التفاهم الاميركي – الروسي على البدء «بخارطة طريق»لحل سياسي في سوريا، واغراق المنطقة بحرب مذهبية بدأت «طلائعها» المقيتة في العراق الذي بدأت بعد مناطقه تستعيد مرحلة سوداء كان يعتقد البعض انها ذهبت الى غير رجعة، لكن «اغتيال» الشيخ النمر اعاد اشعال «النيران» من جديد، ويبدو ان ثمة من اقنع السعوديين بان ابقاء حزب الله خارج دائرة الضغط المباشر خطا استراتيجي، باعتباره العصب الرئيسي لمحور المقاومة، والدليل على صحة هذه المعلومات المنقولة عن اوساط ديبلوماسية عربية، ان تنفيذ هذه المعادلة على الساحة اللبنانية لم يبدأ مع قرار المحكمة العسكرية، فقبل ايام معدودة كان ثمة اصرار في اجتماع وزراء الخارجية العرب على الصاق تهمة الارهاب بحزب الله، بعده بساعات تم الايعاز السعودي «للاوركسترا» الاعلامية والسياسية اللبنانية والعربية، باطلاق حملة تشهير ضد الحزب واتهامه بتجويع سكان مدينة مضايا السورية، طبعا الاخطر كان البدء بترجمة هذه الاستراتيجية على الارض ونقل التصعيد من مرحلة «التسخين» السياسي الى مرحلة انتقال هذه الاعتراضات الى الشارع، وقطع طرق واوتوسترادات حساسة، وغيرها من المظاهر المريبة…
هذا المناخ المتوتر، فرض نفسه على تقارير الاجهزة الامنية التي اجمعت على خطورة «انفلات» الشارع، مرة جديدة تجاوز حزب الله محاولة استدراجه الى مواجهة في الشارع، في السياسة والاعلام رفع منسوب رد فعله «المنضبط»على ايقاع افهام الفريق الاخر ان «الترهيب» لن يجدي نفعا ولن يصرف بالسياسة، اما استخدام الشارع والعبث بالاستقرار الامني والسلم الاهلي، فهو «خط احمر» ويجب ان تتصدى له الاجهزة الامنية بحسم، لان المناخات الاقليمية والدولية تشي بان ثمة رهان سعودي على افشال اي مبادرات للحل في المنطقة، بانتظار رحيل ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما، وهذا يعني ان الجميع امام عام صعب للغاية لان الرياض لن تعدم وسيلة لاجهاض التسويات، واذا كان الرئيس الحريري يشعر بحرج شديد بعد فشله في تسويق مبادرته الرئاسية، وتوريط السعوديين «بفكرة» تبين ان كل الحسابات فيها خاطئة، فان استعادة «ماء وجهه» لا يمكن ان تكون من خلال توريط البلاد في «مغامرات» جديدة لن تؤدي الا الى المزيد من الخسائر لفريقه السياسي وداعميه الاقليميين.
وفي الخلاصة، تبدو الساعات والايام المقبلة حاسمة لتبيان حدود التصعيد السعودي على الساحة اللبنانية، اعادة «نفض الغبار» عن الملف اللبناني لتوظيفه في المواجهة مع ايران، قد تكون اكلافه باهظة هذه المرة. في المحطات السابقة انتهت «زلات القدم» بنتائج حفظت التوازنات القائمة، لكن طبيعة المرحلة وحساسيتها في ظل موازين القوى الاقليمية والدولية، والصراع القائم على اعادة رسم الخرائط السياسية في المنطقة، يشير الى ان «اللعب بالنار» هذه المرة سيؤدي الى حرق الكثير من «الاصابع»، المطلوب العودة الى المنطق والتعقل، فهل تقتنع الرياض بان زج لبنان في حريق المنطقة لتعويض الخسائر «مغامرة» خاسرة؟ ثمة قوى فاعلة بعثت خلال الساعات القليلة الماضية عبر طرف ثالث «برسائل» قاسية الى من يعنيهم الامر في لبنان وفي الرياض. «الكرة» باتت الان في «ملعب» المملكة…
(الديار)