الشيخ مسكين والباب وسلمى
ناصر قنديل
– منذ بدء الحرب على سورية احتلت أسماء ثلاث مدن متوسطة الحجم مكانة مفصلية في جغرافيا الحرب، حيث شكل وقوعها بيد المسلحين تعبيراً عن التحوّل الدولي والإقليمي نحو حسم الحرب والإمساك بسورية، وشكلت صعوبة استردادها، رغم موجات الصعود لحساب الجيش السوري وحلفائه علامة على متانة القرار بمنع تعافي سورية وتماسك جغرافيتها وانتصارها على الإرهاب، فكانت الشيخ مسكين قرب درعا أشدّ أهمية منها جنوباً، كبوابة للحضور السعودي عبر الأردن ومن خلفهما الأميركي و«الإسرائيلي» تسليحاً وتمويلاً وتدريباً ومجموعات استخبارية، ومنذ بدء الحرب كانت الشيخ مسكين ضرورة لانطلاقتها لكلّ هذه الأسباب وفوقها قربها من درعا ومن دمشق، وترابطها مع أحيائهما من أكثر من جهة وطريق، فهي تتصل بالغوطتين الشرقية والغربية وشكلت رابطاً بينهما وهما منفصلتان رغم التجاور.
– مقابل الشيخ مسكين جنوباً كانت مدينة الباب شمالاً، فهي بوابة تركيا للتدخل، ومنها كان هجوم الجماعات المسلحة بالمئات للدخول إلى مدينة حلب، العاصمة الثانية لسورية، والباب بالنسبة لحلب باب فعلي، تتصل بالعديد من أحيائها وتربط بينها إذا تعذّر عليها الترابط العسكري، والباب على اتصال مباشر بالحدود التركية وتشكل مدى في الجغرافيا والسكان وعُقد الطرق، لمعركة حلب، ومقابل الشيخ مسكين والباب كانت سلمى غرباً، وهي مدينة جبلية مطلة على البحر، تشرف على اللاذقية وتشكل آخر تجمّع سكاني قبل جبل الأكراد وجبل التركمان اللذين يفصلان سورية عن تركيا. والسيطرة على سلمى كانت الوثبة الثالثة بعد الشيخ مسكين والباب، لتهديد اللاذقية بعد تهديد حلب ودمشق، وهي العواصم الثلاث التي يمكن القول إنها العاصمة السياسية والعاصمة الاقتصادية والعاصمة العسكرية، بحيث يبقى التهديد قائماً ما دامت القدرة على الاحتفاظ بهذه البوابات الثلاث قائمة، ومواجهة أيّ محاولة لاسترداد أيّ منها، حتى لو نجح الجيش السوري بدخول مناطق تبدو أشدّ أهمية كان بقاء الشيخ مسكين والباب وسلمى بيد المسلحين دليلاً على توازن عسكري صعب ومعقّد، لا يفسّره إلا بقاء الحضور التركي والأردني والأميركي مباشراً.
– بدأت السلسلة تتداعى من سلمى، وبصورة تفوق التوقع بسرعة التهاوي، وسبقتها نسبياً الشيخ مسكين وتتلوها الآن الباب وتباعاً وبالتوازي، بحيث سيترتب على حسم أضلع هذا المثلث، بدء حسم معارك الوصول إلى الحدود التركية والأردنية وحسم أمن دمشق وحلب واللاذقية، والإطباق بقوة وسرعة على ما يقع بين الغرب والشمال والجنوب من وجود مسلح، تمهيداً للتفرّغ لمعركة تحرير شرق وشمال شرق سورية.
– علامات فاصلة في الجغرافيا، علامات فاصلة في السياسة وعلامات فاصلة في الحرب.
(البناء)