منطق الدولة وشريعة الغاب
غالب قنديل
ما الذي فعلته المحكمة العسكرية الدائمة حتى تستحق تلك التعديات والهجمات الفاضحة التي تحلل أصحابها من أي لياقة في التعامل مع سلطة مستقلة يوجب الدستور احترامها ويحظر التدخل في عملها او تناول قضايا ما تزال لديها قيد النظر والمحاكمة ومن يدوس عبر تهويله بالشارع وباتهاماته العشوائية على جميع الضوابط والأصول التي يفرضها القانون ومنطق الحرص على الدولة والمؤسسات ؟
أولا رغم الشكوك والظنون التي رافقت توقيف الوزير السابق ميشال سماحة اختارت قوى الثامن آذار طريق الاحتكام إلى القضاء وهي في أقصى حد طلبت احترام حقه القانوني والدستوري بالمحاكمة العادلة ولم تقدم على أي تحرك سياسي أو شعبي ولم تنظم حملات إعلامية لمحاصرة القضاء او للتأثير على حكمه ولم تدفع أيا من أنصارها إلى إثارة الشغب في الشارع وهي كانت تستطيع فعل ذلك في التعامل مع قضية توقيف سماحة المبنية على الظن في النوايا والمحصورة جرميا وفق القضاء بتهمة نقل المتفجرات كما انها تطرح وفقا للعديد من الوقائع احتمال وجود فخ مخابراتي محكم للاستدراج وبعد سنوات من التوقيف أخلي سبيل سماحة بانقضاء مدة الحكم الصادر بحقه وتقرر استمرار محاكمته طليقا في طعن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية مع القيود المشددة التي تمنع سفره وتحظر عليه تناول القضية إعلاميا بأي شكل كان.
بالمقابل ضجت وسائل الإعلام بحملات سياسية لقوى 14 آذار ضد المحكمة العسكرية العليا ( التمييز ) بذريعة حكم معلل أصدرته بالإجماع وبصورة تتماهى مع حملات سابقة مشابهة دفاعا عن إرهابيين متورطين بأعمال قتل موصوفة وشلت البلاد غير مرة بالتحركات التي نظمتها قوى 14 آذار دفاعا عن مفجرين وناقلي سلاح وقاتلي جنود وضباط في الجيش اللبناني وتضامنا مع قتلة إرهابيين وصفوا بانهم ثوار حمل إليهم البعض السلاح والمال بذريعة التفاوض حول قضية العسكريين المخطوفين وتغاضى كما تواطأ بعض آخر عن احتلالهم لبلدة لبنانية عزيزة هي عرسال ومساحات من الأراضي اللبنانية ما تزال مخطوفة إلى اليوم وأبت قوى الثامن آذار في ما هو أقل من ذلك كله ان تقابل الشارع بالشارع حرصا على البلد ولأنها تمارس سياسية وطنية بضوابط اخلاقية وترفض العبث بالأمن الوطني بينما شن الآخرون في السابق على اوسع نطاق ومن غير محاسبة عمليات تدخل لتهريب مطلوبين ولطمس المسؤولية عن بواخر السلاح وأوكار الإرهاب وإمارة رومية الفضيحة وغرفة عملياتها لسنوات.
ثانيا موجة الغوغائية الصاخبة بعد ترك سماحة تعكس سلوكا هداما في التعامل مع القضاء عبر الاستنساب فيشيد به المسؤول لو ناسبه الحكم ويهاجمه إن خالف رغباته وهواه السياسي وأغراضه الخاصة والضيقة وهذا ما يضرب أبسط قواعد العدالة ويهدد استقرار المؤسسات في البلد علما ان رئيس المحكمة العسكرية القاضي طوني لطوف اضطر للتصريح عن قرارها بإطلاق سراح الوزير السابق ميشال سماحة ، وأكد أن “القرار الذي اتخذته المحكمة العسكرية بإجماع أعضائها٬ هو قرار قضائي معلّل بالأسباب الموجبة التي حملته على إخلاء سبيل سماحة”. وأشار لطوف، إلى أن القرار “بعيد عن الإعتبارات السياسية٬ وهو اتخذ في مذاكرة سرية حصلت داخل أروقة المحكمة”، مشدًدا على أن “لا سبيل لدخول أي عوامل خارجية إلى صلب العمل القضائي للمحكمة“.ومن المعيب ان يضطر رئيس هيئة قضائية للدفاع عن حكم أصدرته بدلا من مبادرة الوزير المعني إلى ذلك بدلا من ان يكون في مقدمة المهاجمين.
وينبغي التنويه أيضا بموقف عاقل ومتوازن أصدرته وزيرة المهجرين أليس شبطيني وهي قاضية سابقة تعرف الأصول فاعتبرت أن قرار المحكمة العسكرية الافراج عن الوزير السابق ميشال سماحة “قرار قانوني اتخذته محكمة مكتملة، وبالتالي أعجبنا القرار أم لم يعجبنا لا يمكن انتقاده خاصة وأننا لسنا أحد قضاة هذه المحكمة ولسنا مطلعين على تفاصيل القضية ومسارها” هذا نموذج للعقلانية في وجه الغوغائية التي غلبت الأحقاد والكراهية والكيد السياسي على حساب العدالة والقانون وذلك كله ليس سوى دعوة لشريعة الغاب التي تهدد بإغراق لبنان في عالم التوحش حيث لا حق ولا عدل بل استنساب وتعسف وانتقام وجنون بلا حدود وكيفية في استعمال القانون وتطويعه لخدمة نزوات المسؤولين والنافذين وهذا امر يناقض فكرة الدولة جملة وتفصيلا.
ثالثا إن إثارة ملف الموقوفين الإسلاميين في مواجهة موضوع الوزير ميشال سماحة يمثل افتعالا مقصودا بهدف التجييش المتعمد واستثارة مشاعر أهالي الموقوفين الذين دفعوا إلى التمرد داخل سجنهم بصورة مقصودة كما تدل الوقائع بينما يعلم الجميع ان قضيتهم هي وليدة نهج قوى 14 آذار وحكوماتها المتعاقبة ووزراء العدل والداخلية المنتمين إليها وهذا ملف مزمن طالب حزب الله بحله منذ سنوات عبر تسريع المحاكمات ونظمت قيادة الحزب سلسلة من الاتصالات والتحركات لتسريع المحاكمات وحسم الملفات العالقة ولكن العقدة كانت في تصميم قوى 14 آذار على إبقاء الجرح مفتوحا واستثماره سياسيا بينما يعلم اللبنانيون ما أثير عن طلبات اميركية تجاوبت معها تلك القوى لإدامة القضايا معلقة ولتعطيل المعالجات القضائية التي يملك وزير العدل قبل سواه سلطة القرار بتعجيلها .
ثمة من يسأل بحق عن الذين يجدون مصلحتهم في رمي هؤلاء الإسلاميين في السجون والتعتيم على قضيتهم خوفا من المحاكمات والمعلومات التي قد تكشفها وتمثل فضيحة لقوى سياسية ورموز مسؤولة كانت تشغل العديد من الإسلاميين وتسخرهم لحسابها وخلعتهم مع تبدل الظروف فسحبت غطاءها ليتم اعتقالهم بينما تم تهريب المحظيين إلى الخارج بعيدا عن الملاحقات وانطلاقاً من هذه المصلحة يرى أصحاب ىهذا الرأي أن جهات سياسية نافذة تتدخل لدى القضاء لتأخير محاكمة الإسلاميين تحت ذرائع مختلفة منها ذريعة عدم وجود قاعة تستوعبهم أو ذريعة الظروف الأمنية أو غيرها وهي نفسها تستخدم القضية لإثارة الشارع ولزرع الضغائن ولابتزاز القضاء والطعن بمصداقيته بهدف تطويعه وإخضاعه وهي بذلك تسعى لتعميم شريعة غاب لا قانون فيها يحترم او ينفذ وحيث تستبدل المرافعات القانونية بحرق الدواليب وقطع الطرقات والتهويل في وجه الأحكام القضائية والتحضير للمطالبة بقوانين العفو الجماعي عن جرائم إرهابية متعددة يختلط فيها المتورطون الصغار بالمجرمين الكبار كما جرى من قبل عند إخراج سمير جعجع من السجن.