فرنسا: نحو مجتمع أكثر يمينية عامر نعيم الياس
مارين لوبان تجدّد التفويض على رأس الجبهة الوطنية، ونيكولا ساركوزي يستعيد مكانته في حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية رئيساً للحزب بحصوله على 64.5 في المئة من أصوات المقترعين، وسط نسب إقبال وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.
مارين لوبان، نيكولا ساركوزي، اليمين يحضّر نفسه باكراً لمعركة الرئاسة الفرنسية التي تنطلق عام 2017، وسط توقعات بعودة كرسي الرئاسة إلى صفوف اليمين بعد التجربة غير السارة وعلى كافة الصعد مع الرئيس الاشتراكي هولاند والذي لم يمضِ عليها سوى ثلاثون شهراً، كانت كفيلة بمنح الرئيس الشعبية الأكثر تدنياً في تاريخ الجمهورية الفرنسية منذ نشأتها وحتى اليوم.
ما وراء الانتخابات الرئاسية الفرنسية، تطرح أسئلة عدّة حول توجهات المجتمع الفرنسي في ضوء التحولات والصراعات التي أفرزتها الظروف الحالية على مستويات عدّة أهمها ملف الهجرة إلى أوروبا بشقيها الشرعي وغير الشرعي، والعنصرية التي تسيطر حالياً على المشهد الأوروبي عموماً والفرنسي في موضوع مقالنا. فهل عكست نتائج الانتخابات في حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني ذلك؟
تقول صحيفة «لوفيغارو» المحسوبة على اليمين الفرنسي «إن نتائج الانتخابات داخل حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، بقدر ما تعكس وجود معركة انتخابية، فإنها تعكس أخرى إيديولوجية»، وبحسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «هاريس» التفاعلية، فإن 58 في المئة من ناخبي حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية فضلوا التحالف مع الجبهة الوطنية التي تقودها مارين لوبان في الجولة الثانية من الانتخايات البلدية الفرنسية التي جرت في آذار الماضي ووجهت نتائجها الصفعة الأكبر لليسار الفرنسي في تاريخه، فهل فرض هذا التوجه إيقاعه على خطاب ساركوزي المرشح الأوفر حظاً لاستعادة موقعه في الإليزيه؟
انتصر ساركوزي في معركة عودته إلى المعترك السياسي، لكن قيادته الحزب اليميني مرهونة بتوازنات القوى داخله وكيفية إدارتها، فمن جهة اقترح ساركوزي تشكيل لجنة من رؤساء الحكومات الفرنسية السابقين تساعده في إدارة شؤون الحزب، خصوصاً أنه يواجه تحدّيات في استمالة القاعدة الحزبية التي قالت في عام 2005 «لا» للدستور الأوروبي، ومن جهة أخرى فإن الرئيس الفرنسي الأسبق وجد نفسه في هذه الانتخابات في موقف لا يحسد عليه، مع أنه من المحسوبين على جناح اليمين في الحزب، ففي مواجهة خصمه وزير الزراعة السابق برونو لومير، المحسوب على جناح آلان جوبيه الذي يمثل يمين الوسط، اضطر ساركوزي إلى اعتماد خطاب محافظ لمجاراة لومير الذي ركّز في كل خطاباته على القيم المحافظة، وحاول مخاطبة القاعدة اليمينية في الحزب والمجتمع الفرنسيين.
وهنا تقول «لوفيغارو»: «إن ثقل الأفكار المحافظة كان واضحاً، لقد فسّر البعض انتصار لومير على أنه انتصار للخط الوسطي، لكن علينا أن نعي أن ساركوزي وإيرفيه مارتون المحسوبين على الجناح اليميني في الحزب، حصلا على حوالى 70 في المئة من أصوات الناخبين. كما أن لومير حصل على 29.8 في المئة في الانتخابات نفسه دعا إلى استعادة السلطة في المدارس الفرنسية، والحفاظ أكثر على القيم الاجتماعية، وذلك في توجه واضح لخطب ودّ الشريحة المحافظة».
بالتوازي مع الاتجاه المحافظ على صعيد الأخلاق والقيم المجتمعية، فإن الخطاب النيوليبرالي على الصعيد الاقتصادي ميّز التوجه الحالي لحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، في مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالفرنسيين ونسب البطالة المرتفعة في صفوفهم، ويبقى على عاتق الفرنسيين اختبار أكثر من سنتين من حكم هولاند بانتظار يمين ليس متطرفاً في سياسته الخارجية أكثر من يسار فابيوس وكوشنير وهولاند.
(البناء)