بقلم غالب قنديل

الأميركيون والمسار السوري

usa saudi

غالب قنديل

ما زالت العراقيل التي تضعها الولايات المتحدة بالشراكة مع السعودية وتركيا تمنع الجزم بانطلاق مباحثات المسار السياسي السوري التي تم التفاهم عليها في اجتماعات فيينا ونيويورك والتي فرضتها روسيا بجهود سياسية مركزة بعد انخراطها العسكري في القتال ضد الإرهاب.

اولا النقطتان العالقتان في مسار التحضيرات هما حسم لائحة الجماعات الإرهابية حيث تصر السعودية وتركيا بدعم اميركي سافر على استثناء حركة احرار الشام وجيش الإسلام بينما تستند روسيا إلى معلومات ووقائع موثقة في التصميم على اعتبار هاتين المنظمتين من الفصائل الإرهابية المشابهة لكل من داعش وجبهة النصرة القاعدية اما النقطة الثانية فهي قوام الوفد المفاوض باسم المعارضة السورية حيث تكرر الولايات المتحدة مع شركائها في حلف العدوان على سورية ما قامت به في المرات السابقة بحصر التمثيل السياسي بمن شاركوا في لقاء الرياض واستثناء الفصائل والتجمعات الأخرى وهو ما يشمل هذه المرة مجموعة القاهرة ومجموعة موسكو والقوة الأوسع تمثيلا للأكراد وشخصيات وهيئات معارضة أخرى سبق ان أعلنت موافقتها على أولوية مكافحة الإرهاب بالشراكة مع الدولة الوطنية .

موقف دول العدوان المتشدد في هذين البندين يهدف إلى فرض أكبر كمية ممكنة من عملاء الغرب والخليج وتركيا في نصاب التفاوض ولاحقا في إطار السلطة السورية المنبثقة عن أي حل سياسي للتحكم بتوازن القوى داخل حكومة الوحدة الوطنية المنوي تشكيلها وللتأثير في مستقبل الخيارات الوطنية السورية وبموقع الدولة الوطنية من منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية في المنطقة .

ثانيا النقاشات التي تشهدها مراكز التخطيط الأميركية حول الوضع السوري تضج بكمية من الاقتراحات والمشاريع التي تكشف النوايا الأميركية بكل وضوح وقد برزت منها محطتان مهمتان :

         تقرير أصدرته مؤسسة راند المعروفة بعلاقة وثيقة مع البيت الأبيض والإدارة الأميركية والمعتمدة في إعداد الكثير من الخطط والمشاريع الاستراتيجية وتحت عنوان خطة سلام واقعية لسورية يعتبر واضعو المشروع ( فيليب غوردون، جيمس دوبينز، جيفري مارتيني ) ان الأولوية يجب ان تعطى لوقف إطلاق النار ولفرز الجغرافية السورية إلى أربع مناطق : “واحدة يسيطر عليها النظام في الغرب، واحدة يسيطر عليها بشكل رئيسي الأكراد في الشمال الشرقي ومنطقة غير متصلة قسم في الشمال وقسم ثان في الجنوب تسيطر عليها المعارضة المعتدلة. سيتم إنشاء منطقة رابعة في وسط وشرق سوريا تسيطر عليها الدولة الإسلامية (داعش ) ستكون مستهدفة من قبل الجميع.” ويدعو التقرير على هذا الأساس إلى تثبيت أسس الفدرالية او اللامركزية الموسعة كقاعدة للتغييرات الهيكلية على بنية الدولة الوطنية السورية.

         حلقة نقاش موسعة حول سورية عقدها مجلس العلاقات الخارجية الأميركية برئاسة ريتشارد هاس قبل نهاية العام وشارك فيها عدد من خبراء السياسة الخارجية والمسؤولين السابقين في إدارة أوباما أبرزهم : مايكل دوران وفيليب غوردون وبول بيلار.

وقد طرحت في الحلقة اقتراحات وآراء حول مستقبل سورية توزعت على وصفتين هما استنساخ الطائف اللبناني بتوزيع طائفي للمناصب والصلاحيات الدستورية وصيغة الفدرالية العراقية التي تكرس دستوريا وإداريا خارطة مناطق التواجد العسكري كما وردت في تقرير مؤسسة راند ونوقشت المحاذير والتحديات في كل صيغة ولكن الجوهري ان ما يجري العمل لبلورته هو صياغة رؤية اميركية لمنع استقرار سورية ولضرب هوية دولتها الوطنية المركزية المتمثلة بالعلمانية والعروبة رغم اللغو الكلامي عن وحدة وسلامة الأراضي السورية.

ثالثا محطات العملية السياسية السورية ستكون بهذه الخلفيات موضوعا لتدخلات اميركية بالشراكة مع حلف العدوان بجميع اطرافه ومن ضمن خطط متناغمة رغم الكلام الكثير عن تباين الأهداف العليا في سورية وفقا لوصف خبراء السياسية الخارجية في واشنطن فالأولوية السعودية هي ضرب العلاقات السورية الإيرانية واولوية تركيا التصدي لخطر نشوء حالة كردية في سورية تحمل خطر نقل العدوى إلى اكراد تركيا بينما تبدو المعركة ضد الإرهاب أمرا ثانويا للحكومتين الضالعتين بدعم القاعدة ( جبهة النصرة) وداعش وسواهما من فصائل الأخوان المسلمين وتشكيلات القاعدة متعددة الأسماء ولا بد كذلك من النظر إلى الطرح الصهيوني المتضمن ضم الجولان المحتل ونزع السلاح السوري من خط الجبهة حتى وسط سورية والعاصمة دمشق ضمنا.

بناء على ما تقدم ستوضع الانتخابات السورية سواء البرلمانية ام الرئاسية بالتأكيد على طاولة التخطيط الأميركي السياسي والإعلامي والاستخباراتي من الآن لتجميع العملاء والقوى المنظمة وشبكات التمويل والدعاية بحيث تحاكي واشنطن ما قامت به في نيكاراغوا بعد هزيمة عصابات الكونترا وفشلها في إسقاط الحكومة الساندينية رغم الحصار البحري الأميركي ومنظومة العقوبات القاسية وإرساليات السلاح وحشود المرتزقة وبعدها قادت الولايات المتحدة حملة سياسية انتخابية عام 1990 ضد الجبهة الساندينية مستعينة بالخراب الاقتصادي الناتج عن الحرب وبعلاقتها الوثيقة بقطاعات الأعمال والمصارف فتمكنت على التوالي من إيصال مرشحين للرئاسة من أتباعها وخصوم الجبهة الساندينية في وجه الرئيس السانديني الأول دانييل اورتيغا ( فيوليتا شامورو وأرنولودو اليمان ) ولم يتمكن اورتيغا من العودة للرئاسة إلا في مطلع العام 2007 وفي حصيلة سنوات صاخبة من العمل السياسي والنقابي والشعبي ضد اليمين العميل لواشنطن ، هذه النقاط وغيرها تستدعي انتباها واهتماما في إدارة الصراع حيث يبقى الميدان سيد السياسة وصانع تعبيراتها الفعلية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى