نصيحة المشنوق لجعجع «التريّث» وعدم اغضاب المملكة ابراهيم ناصرالدين
العلاقة بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل تمر بمرحلة اختبار غير مسبوقة، «مبادرة» الرئيس سعد الحريري «الباريسية» قطعت «شعرة معاوية» بين الطرفين، الشعور «بالتهميش» «والغدر» ترك اثرا عميقا لدى رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي يضع نفسه اليوم امام اختبار قاس بعد ان دفعه الشعور «بالمرارة» «والخذلان» الى خيارات يعرف في قرارة نفسه انها «انتحارية» ولكنه يلوح بها في وجه حلفائه ويبعث بـ«رسائل» جدية الى من يعنيهم الامر، بانه ذاهب الى خيار ترشيح رئيس تكتل التغيير والاصلاح ميشال عون للرئاسة. فهل يفعلها؟ ويجرؤ حيث لا «يجرؤ» الاخرون؟
اوساط سياسية مسيحية مطلعة على «كواليس» هذه «الطبخة» الرئاسية، تتريث في الاجابة عن هذا السؤال، وترى ان الامر يحتاج الى المزيد من الوقت كي تتبلور الامور اكثر، القوات اللبنانية حاولت خلال الساعات القليلة الماضية الترويج لمعادلة جديدة تتحدث عن ربط الاعلان الرسمي بتبني ترشيح رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، بإعلان تيار «المستقبل» رسميا ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، النائب جورج عدوان في الاجتماع الاخير لـ« قوى» 14 آذار، قدم مطالعة وصفت بالحادة، خلصت الى اتهام الرئيس الحريري بتوريط الفريق «السيادي» بالتسليم بفكرة أن الرئاسة باتت من حصة «8آذار»، وهو حول رغبة القوات بترشيح عون الى «ابتزاز» لتيار المستقبل، وقال صراحة انه اذا قرر الحريري الإعلان رسميا عن ترشيح فرنجية، فنحن سنعلن ترشيح العماد ميشال عون.
لكن ثمة مستجد حصل خلال الساعات القليلة الماضية يفترض انتظار نتائجه، فلقاء وزير الداخلية نهاد المشنوق مع «الحكيم» في معراب جرى في جزء كبير منه التداول في موقف القوات واحتمال ترشيحها «للجنرال»، ووفقا للمعلومات فان وزير الداخلية كان حريصا على اعادة شرح موقف الحريري من ترشيح النائب سليمان فرنجية، ومرة جديدة اقر بسوء اخراج «التسوية الباريسية»، بعد ان سبق التسريب الجميع، وحال دون عرض الملف على مكونات 14آذار، والاهم في هذا السياق مسألتان اساسيتان واحدة قالها المشنوق تلميحا، والثانية بشكل مباشر، فمن جهة تقصد وزير الداخلية تذكير جعجع بان مبادرة الرئيس الحريري تحظى «بالمظلة» السعودية الضرورية لتسويقها في حال واقف الطرف الاخر عليها، فيما ان اي اقتراح آخر، والمقصود هنا تبني «الحكيم» لترشيح عون، هو قفزة في «المجهول» لانها ستفهم بشكل خاطىء في المملكة، وفي توقيت سيىء، خصوصا ان وزير الخارجية جبران باسيل كان رأس حربة في ضرب الاجماع العربي في الجامعة العربية، واي خطوة ناقصة في هذه المرحلة لن تحظى باي تفهم. ومن جهة ثانية كان المشنوق صريحا لجهة نصيحة «الحكيم» بعدم الاستعجال لان كل ما يتعلق بالملف الرئاسي «ركن» على «الرف»، فتسوية فرنجية لا يبدو انها «سالكة» في المدى المنظور، فلماذا الاقدام على خطوة تزيد من الانقسامات بين قوى 14 آذار، فيما «الخطر» ليس داهما، والرهان على «لعبة» الوقت ربما يكون المخرج المؤاتي في الوقت الراهن، وبالتالي ما هي الحكمة في الاستعجال واستدراج الازمات، وتقديم نقاط ربح مجانية الى الفريق الاخر…؟؟
ووفقا للمعلومات، فان السؤال الملح والمحير في آن واحد لدى جعجع يرتبط بغياب رد الفعل السعودي على سيل التسريبات المبرمجة من قبل مسؤولي القوات حول الذهاب الى خيار تبني ترشيح «الجنرال»، و«الحكيم» يدرك من خلال التجربة، ان السفير السعودي في بيروت علي عواض العسيري، يحرص في العادة على نقل الاجواء الرسمية السعودية، دون اعتماد اي لغة ديبلوماسية، وعادة يتم طرح المواقف بتسمية الامير قائل الكلام، او مركز القرار الذي يريد ايصال رسالته المباشرة، وهذا ما لم يحصل في الاونة الاخيرة، كذلك لم يتم تحديد اي موعد لجعجع في المملكة، بينما حرص الملك السعودي على استقبال الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان، في اجواء من الود «والتكريم»، كجزء من رد الجميل لمواقفه خلال توليه الرئاسة. يدرك جعجع فحوى «رسائل» مماثلة، ويعرف جيدا ان زيارته تعد اكثر الحاحا من زيارة سليمان، ولكن لم يتلق حتى الامس اي دعوة رسمية يحتاجها بشدة لشرح طبيعة موقفه بعد سوء تصرف الحريري الاخير، واصراره على رفض ان يتم تجاوز الامور بتوضيحات السفير السعودي في بيروت. ووفقا للمعلومات من المنتظر ان تتحرك من جديد مسألة زيارته الى المملكة بعد لقائه المشنوق، الذي استمع مليا إلى شروحات «الحكيم»، وفهم منه انه يحتاج بشدة الى ترتيب زيارة عاجلة الى السعودية، طبعا لم يعد بشيء، لكن العارفين بمستوى علاقات وزير الداخلية مع نظيره السعودي محمد بن نايف، يدركون انه قادر على ترتيب هذا الموعد، الا اذا كان «الحرد» السعودي قد بلغ مرحلة «الزعل»، وعندئذ قد يكون المطلوب من «الحكيم» اكثر من توضيحات حول موقفه، قبل حصول الزيارة، وهذا ما سيظهر جليا خلال الساعات والايام القليلة المقبلة.
وتلفت تلك الاوساط، الى ان البعد الاقليمي سيؤدي دورا مهما جدا في قرار «الحكيم»، فهو لا يريد مطلقا ان تفسر مبادرته بانها تحد للسعودية، ويعمل على تسويق ذلك، ولهذا يرغب بزيارة المملكة. وهو يدرك ايضا ان الطموح بنشوء ثنائي مسيحي جديد على غرار « الثنائي الشيعي» الذي اثبت نجاعته في اكثر من استحقاق ومحطة صعبة مرت بها الطائفة الشيعية، لن يكون بالامر السهل كما يظن البعض، فحزب الله وحركة امل متفقان على خياراتهما الاستراتيجية، ولديهما «مرجعية» اقليمية واحدة، وهو امر غير متوافر لدى الثنائي المسيحي، الا اذا اتخذ خيارا صريحا بترك تحالفاته؟ لكن المعضلة تبقى بان الفريق الاخر غير جاهز اصلا لاحتضانه. كما لا بد قبل الاقدام على هذه الخطوة حدوث اتفاق مع عون على طريقة تنظيم البيت المسيحي وصولا الى توزيع السلطة والمكاسب التي يمكنهما تحقيقها في الانتخابات النيابية ، وهذا يحتاج الى اتفاق على قانون للانتخابات، فهل يذهب جعجع بعيدا بالانقلاب على خيارات حلفائه السياسية والانتخابية؟
في الخلاصة، «المستقبل» يتخبط بفعل قراءة الحريري الخاطئة، جنبلاط قلق بعد ان استعجل «تلقف» المبادرة الرئاسية، بري اكثر ارتياحا بفعل موقفه المتوازن، حزب الله يشعر انه سيكون اكثر الرابحين بعد ان انحصر التنافس الرئاسي بين حليفيه، فيما وضع جعجع نفسه في موقف لا يحسد عليه، فاذا تراجع عن «تسريباته» خسر الكثير في الشارع المسيحي، واذا مضى دون التفاهم مع السعودية، يدرك انه سيدفع اثمانا «باهظة»، لانه اختار ان يكون دون مظلة اقليمية في هذه الظروف الدقيقة، ما يزال يعمل على استبيان وحدة الموقف السعودي الداخلي من مبادرة الحريري عله يحصل على «خشبة خلاص»، في قرارة نفسه يطمح الى «حرق» فرص فرنجية وعون، بسبب فقدان عون لدعم المكون السني، وفرنجية لدعم المكون الشيعي، وبذلك يخرج المرشحان من «السباق»، ويعيد «الحكيم» تصويب الخطأ الذي ارتكبه الحريري، لكن النتيجة ايضا غير مضمونة لعدم قدرته على ضبط ايقاع «اللعبة»، هو ينتظر اشارات سعودية تخرجه من «المأزق» الراهن، يخشى ان يقدم على خطوة غير محسوبة، في الماضي القريب عندما طبق شعار «حيث لا يجرؤ الاخرون»، كانت النتيجة مأساوية والثمن باهظاً.
(الديار)