مقالات مختارة

«المجموعات» تأكل «القادة»: عمليات الاغتيال في تزايد مستمر صهيب عنجريني

 

على امتداد الحرب، لعبت الاغتيالات والتصفيات دوراً محوريّاً في «هيكلة» المجموعات المسلّحة. ورغم أنّ حركة الاغتيالات لم تهدأ منذ عام 2012، غير أنّها شهدت بين مرحلة وأخرى تزايداً في عددها، وبصورة متناسبة مع طبيعة المرحلة. وبعبارة أخرى، فإنّ عمليات الاغتيال كانت واحداً من المفاتيح المهمّة لمنعطفات مفصليّة على امتداد الحرب. العمليات المذكورة «ازدهرت» بشكل ملحوظ خلال الشهور الثلاثة الماضية

قبل يومين انضمّ اسم أبو رغد الباشق، «القيادي» البارز في «جبهة النصرة» في حوران، إلى لائحة الشخصيات «المؤثرة» في صفوف المجموعات المسلّحة التي سقطت ضحية الاغتيالات والتصفيات. اغتيل الباشق قرب بلدة أم المياذن (ريف درعا الشرقي) إثر تلقّيه ثلاث طلقات، ليُسعف إلى بلدة نصيب، ثمّ إلى أحد المشافي الميدانية في بلدة معربا، حيث فارق الحياة.

وتُرجّح المعطيات المتوافرة أنّ العمليّة نفّذها مسلّحون تابعون لـ«فرقة أسود السنّة» المحسوبة على «الجيش الحر». وعلى الرغم من أنّ نغمة الاغتيالات ليست جديدة على مشهد المجموعات المسلّحة، غيرَ أنّ الحصيلة التي أوردها «مكتب توثيق الشهداء في محافظة درعا» على هذا الصعيد بدت كبيرة ومفاجئة.

بلغ عدد الحالات الموثّقة منذ مطلع عام 2015، وفقاً للمصدر المذكور، «105 عمليات اغتيال» في محافظة درعا وحدَها. المفارقة أنّ عدد العسكريين الذين وثّق «المكتب» مقتلهم خلال العام الماضي بلغ في المجمل 861 شخصاً، ما يعني أنّ ضحايا الاغتيالات شكّلوا نسبة الثُّمن من إجمالي عدد القتلى من المسلّحين في هذه المحافظة.

تُعتبر هذه الحصيلة الضخمة واحداً من أهم المؤشرات على الحال المزرية التي تعيشها المجموعات، وعلى حجم الصراعات التي تعصف بها. ولا تتوافر إحصائيّة دقيقة لحجم الحوادث المماثلة على امتداد المناطق الساخنة، غير أنّ المعلومات المتوافرة تُشير إلى أنّ أكبر الأعداد سُجّلت تباعاً في كلّ من درعا، وإدلب، وريف دمشق. وشهد العام الماضي تصاعداً كبيراً في عدد من حوادث الاغتيال والتصفية على نحوٍ يفوق الفترة الممتدة بين منتصف عام 2013 ومنتصف عام 2014 التي كانت فترة الذروة في «الحرب الأهلية الجهاديّة». ترتبط معظم حوادث التصفية والاغتيال ارتباطاً وثيقاً بالصراعات الداخليّة التي أثبتت الأحداث أنّها السمة الأبرز لمشهد «المعارضة المسلّحة»، سواء منها تلك التي تنشب ما بين مجموعة وأخرى، أو التي تتفجّر داخل «البيت الواحد». ولا يُمكن عزل هذه الصراعات عن التأثيرات المُباشرة لحرب تدور وراء الكواليس، يمكن تسميتها «حرب أجهزة الاستخبارات» بغية السيطرة على مراكز القوى داخل المجموعات، وعلى وجه الخصوص المجموعات الكبيرة، وهي مجموعات «جهاديّة» بطبيعة الحال.

ومن المؤكّد أنّ ارتفاع عدد ضحايا الاغتيالات في درعا على سبيل المثال يرتبطُ ارتباطاً مباشراً بسعي الأجهزة الأردنيّة إلى إعادة «هيكلة» خريطة التوازنات على تخوم المملكة، وفقاً للتفضيلات الأردنيّة المُستجدّة. ويبدو من المسلّم به أنّ التضحية بقرابين من أبرز «القادة» على مذبح التسويات هي محطّة مُلزمة في الحرب السورية. وتبرز في هذا السياق الغارة التي استهدفت زهران علّوش، القائد السابق لـ«جيش الإسلام»، والتي أكّدت مصادر مطّلعة على الملف لـ«الأخبار» أنّ الأجهزة الأردنيّة قد لعبت دوراً أساسيّاً فيها (الأخبار، العدد 2775).

ويبدو أنّ «جيش الإسلام» قد حسم خياره وقرّر التعتيم على أي معلومات مرتبطة بالحادثة، رغم إعلانه «فتح تحقيق» فيها. وهو تصرّف يُذكّر بالخيار الذي انتهجته «حركة أحرار الشام الإسلاميّة» في شأن الغارة التي أودت بمؤسّسها (حسّان عبّود) ومعظم قادة الصف الأوّل فيها أواخر أيلول 2014 («الأخبار»، العدد 2390). ويبدو تزايد عدد الاغتيالات خلال الربع الأخير من العام الماضي وثيق الصلة بالسباق الذي تشهده الساحة السوريّة بين اللاعبين الإقليميين والدوليين في ظل تزايد الحديث عن ضرورة وضع «خارطة الطريق» لحل الأزمة موضع التنفيذ. وإذا كان مقتل زهران علّوش قد خطف الأضواء في هذا السياق، فإنّ شهر مصرعه قد شهد أيضاً مصرع 20 شخصيّة مُسلّحة «بارزة» بعمليات اغتيال (من بينهم ثمانية قياديين في «جبهة النصرة ــ تنظيم القاعدة في بلاد الشام»). وتوزّعت العمليات المذكورة على محافظات حلب وإدلب وريف دمشق ودرعا وحمص، كذلك تنوّعت وسائل تنفيذها ما بين العبوات الناسفة والألغام وإطلاق الرصاص بشكل مباشر. اللافت أن المناطق التي احتضنت حوادث الاغتيال لم تقتصر على الأراضي السورية، بل تجاوزتها إلى اثنتين من دول الجوار، هما تركيا ولبنان.

ففي منتصف آب الماضي شهدت بلدة عرسال اللبنانية اغتيال الضابط المنشق عبدالله حسين الرفاعي إثر استهدافه بطلقاتٍ مُباشرة (نفّذ الاغتيال عنصر تابع لتنظيم «داعش»). الشهر ذاته شهد اغتيال «قائد تجمع صقور الغاب» جميل رعدون، إثر تفجير عبوة ناسفة داخل سيارته في مدينة أنطاكيا (جنوبي تركيا) وبقيت ظروف الاغتيال والجهة المسؤولة عنه غامضة.

كذلك، يبدو لافتاً أنّ عدد الاغتيالات في ريف حمص الشمالي قد تصاعد على نحو مفاجئ، حيث شهدت الشهور الثلاثة الأخيرة من العام الماضي ما يزيد على عشرة اغتيالات، كانت مدينة تلبيسة صاحبة النصيب الأكبر منها، حيث شهدت اغتيال ثلاث شخصيات «بارزة»: إبراهيم السعيد «عضو المحكمة العليا التابعة لهيئة علماء حمص، والمسؤول الشرعي في اللواء 313»، والضابط المنشق أحمد خشفة «نائب قائد اللواء 313»، والشيخ أكرم الحاج عيسى «عضو بهيئة علماء حمص ورئيس علماء مدينة تلبيسة». وربطت بعض المصادر بين تزايد الاغتيالات في الريف الشمالي، والتسوية التي أبرمت في حي الوعر الحمصي، من دون أن تتوافر معطيات دقيقة في هذا السياق.

«حركة أحرار الشام الإسلاميّة» كانت صاحبة نصيب كبير من حوادث الاغتيال خلال العام الماضي، حيث خسرت عدداً من «القادة» البارزين، مثل عمار خضور «نائب قائد الحركة في حمص» الذي قُتل مع «القائد العسكري في الحركة عبدالله بركات» قرب بلدة الحولة منتصف تشرين الأول الماضي. بعدَها بعشرة أيام نعت «الحركة» القيادي يوسف جنيد إثر استهداف سيارته بعبوة ناسفة استهدفت سيارته على أوتوستراد حلب ــ دمشق الدولي، قرب سراقب (ريف إدلب). كذلك، شهدت الأيام الأولى من الشهر الجاري اغتيال «عضو مجلس شورى حركة أحرار الشام الإسلامية وقائدها في حمص»، أبو راتب الحمصي، بعد إطلاق رصاص عليه من قبل مجهولين في قرية الفرحانية في ريف حمص.

(الأخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى