الإرهاب يهز «الاستقرار» التركي.. من قلب اسطنبول!: محمد نور الدين
عند الساعة العاشرة و15 دقيقة من قبل ظهر أمس، كانت مدينة إسطنبول التركية على موعد مع هجوم انتحاري دموي، هو الأعنف في البلاد بعد تفجيرَي أنقرة الانتحاريَّين في تشرين الأول الماضي.
التفجير القوي الذي هز منطقة السلطان أحمد، قلب المنطقة السياحية في المدينة، هز معها الأمن والاستقرار في تركيا، وشَكّل ضربة قوية لقطاع السياحة، مع سقوط عشرة قتلى، معظمهم من السياح الألمان.
وكان لافتاً سرعة السلطات التركية في «ترجيح» مسؤولية «داعش» عن الهجوم، وتحديد جنسية منفذه.
وفي حين سارعت الحكومة التركية إلى منع وسائل الإعلام من نشر أية معلومات تتعلق بالتفجير، فإن الحديث يدور، وفقاً لما قاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن عملية «انتحارية»، نفّذها «نبيل فاضلي سوري الجنسية».
ولكن وفقاً لصحيفة «ميللييت» ووكالة «دوغان»، فإن فاضلي «من مواليد السعودية في العام 1988».
وإذ لم تتبنَّ أية جهة المسؤولية عن الهجوم الإرهابي، فإن عدد القتلى، وفقا لمحافظ اسطنبول، بلغ عشرة، هم تسعة من السياح الألمان، وآخر من النروج، فيما تخطى عدد الجرحى 15 شخصاً، من بينهم إثنان في حال الخطر.
وبعد الهجوم، ضربت الأجهزة الأمنية طوقاً حول المكان، ليبدأ التحقيق في طبيعة التفجير وهوية المنفذين، فيما سارع رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو إلى دعوة الأجهزة الأمنية والمعنية إلى اجتماع طارئ، ما لبث أن أعلن بعده أن المنفذ ينتمي إلى تنظيم «داعش».
وفي ظل ردود فعل محلية وخارجية مدينة للهجوم الإرهابي، فقد توجهت الأنظار إلى الجهات التي تقف وراءه وتداعياته على الاستقرار والأمن في تركيا، لا سيما القطاع السياحي، وكذلك حول التداعيات التي يمكن أن يتركها إقليمياً ودولياً.
ويأتي تفجير إسطنبول في ظل مجموعة من التوترات التي تمر بها تركيا. ففي جنوب شرق البلاد، تدور منذ أكثر من شهرين حربُ مدن فعلية بين مقاتلي «حزب العمال الكردستاني» من جهة، والجيش التركي من جهة أخرى، وهي حرب تختلف عن حرب التسعينيات، حين كانت تتركز في الأرياف.
وتحول العديد من المدن الكردية إلى ساحة حرب، أحالت العديد من الأحياء إلى مناطق خراب ودمار، وأدّت أيضاً إلى تهجير الآلاف من السكان من مناطقهم، ليتوّج كل ذلك بإعلان الأكراد رسمياً، قبل حوالي 20 يوماً، عن مطلبهم الأساسي بالحكم الذاتي.
وأدلى العديد من قادة «الكردستاني» بتصريحات حول توسيع الحرب، لتشمل مدناً تركية أخرى وهي تصريحات ليست جديدة.
ويأتي التفجير أيضاً في سياق التوتر المتصاعد بين تركيا من جهة وروسيا وإيران وسوريا من جهة أخرى، بسبب الأزمتَين في سوريا والعراق، والتوتر بين إيران والسعودية. وليس مستبعداً أن توجه أنقرة أصابع اتهام، ولو غير مباشرة إلى هذا المحور، وتتحدث عن رغبته في «إضعاف تركيا» لا سيما قطاعها السياحي، ولعلّ هذا ما يفسّر الهجوم العنيف الذي شَنَّهُ أردوغان على إيران، بالتزامن مع هجوم إسطنبول.
وقال أردوغان «أدين بشدة الهجوم الإرهابي الذي نفذه انتحاري سوري… للأسف سقط قتلى من بينهم أجانب. هذا الحادث يظهر مرة أخرى أن علينا أن نقف معاً في وجه الإرهاب».
وشدد أردوغان على أن «حزم تركيا لم يتغير»، معتبراً أن بلاده «هي الهدف الأول لجميع الجماعات الإرهابية الناشطة في المنطقة، لأن تركيا تقاتل ضدها جميعا بالتصميم ذاته».
وفي توقيت مريب، شنّ أردوغان أعنف هجوم على إيران، إذ اتهمها بـ «السعي إلى إشعال المنطقة، من خلال تحويلها الخلافات المذهبية إلى صراع»، مشيراً إلى أنها «تتعمد توتير علاقاتها مع السعودية ودول الخليج». واعتبر أردوغان أن «إيران تستغل التطورات في اليمن والعراق وسوريا لتوسيع نفوذها» في الشرق الأوسط. كما أن أردوغان لم يوفّر روسيا من هجومه الكلامي، إذ قال إن قواتها «لا تواجه داعش، إنما تعمل على إقامة دويلة سورية في اللاذقية ومحيطها».
ويأتي التفجير الارهابي كذلك، في سياق تراجع النفوذ والتأثير التركيين في التطورات الميدانية في سوريا، لا سيما في أرياف حلب وريف اللاذقية، حيث يواصل الجيش السوري تقدمه.
كما يأتي في أعقاب التقدم الملموس لقوات الحماية الكردية تحت مسمى «قوات سوريا الديموقراطية» غرب نهر الفرات، لا سيما سيطرتها على سد تشرين، ودخول الأكراد في اشتباكات مع «داعش».
وفي ارتباط بهذين الحدثَين الأخيرين، يمكن توقع أكثر من سيناريو، القاسم المشترك بينها التدخل العسكري في سوريا.
الأول، هو أنه إذا كانت أنقرة تعطي أولوية لمنع الأكراد من تجاوز الخط الأحمر الذي رسمته أمام تقدمهم إلى نهر الفرات غرباً، فإن التهمة التركية ستكون جاهزة، وهي أن الذي قام بتفجير العملية هو عنصر من «الدولة الإسلامية»، بمعزل عن جنسيته، وهو ما أشار إليه داود أوغلو، الذي تعهد بـ «مواصلة الحرب على الإرهاب بالحزم ذاته، ومن دون تمييز بين المنظمات الإرهابية، سواء كانت داعش أو الكردستاني»، مشيراً إلى أن «داعش استفاد من الفراغ الأمني في المنطقة، لا سيما في سوريا والعراق، وأصبح يشكل تهديداً للمنطقة والعالم».
وربما تعكس تصريحات أوغلو فكرة أن الأمن القومي التركي يقتضي دخول تركيا، ومَن معها مِن مجموعات مسلحة، إلى المناطق التي يسيطر عليها «داعش» من جرابلس إلى المارع وإعزاز، أي تلك الرقعة الجغرافية التي تريد تركيا تحويلها إلى «منطقة أمنية وعازلة».
وفي خصوص هذا السيناريو، يلفت النظر التشابه بين ردة الفعل الحكومية تجاه تفجير الأمس في السلطان أحمد، وتفجير سوروتش في 20 تموز الماضي، إذ بعد أقل من ساعتين على تفجير سوروتش، وكانت الجثث لا تزال في الميدان، راحت الحكومة التركية توجه أصابع الاتهام إلى «داعش». وتلا ذلك بثلاثة أيام، إعلان تركيا الحرب («الافتراضية») على التنظيم الإرهابي، وقد شملت أيضاً «حزب العمال الكردستاني»، مع العلم أن «داعش» لم يتبنَّ العملية حتى الآن.
وأمس، تُذَكِّر سرعة الكشف عن الفاعل، بل انتماؤه، بسرعة الكشف عن منفذي هجوم سوروتش، وما يمكن أن يحضّر من خطط في سوريا من قبل تركيا وحلفائها الإقليميين.
وسواء تبنى «داعش» هجوم إسطنبول أم لا، فإن تركيا ستحاول استغلال العملية في اتجاهات تخدم أولوياتها، لا ربطاً بطبيعة التفجير وهوية منفذيه وانتماءاتهم.
أما إذا كانت أولوية تركيا كبح التقدم الميداني الذي يحققه الجيش السوري بمساعدة الطائرات الروسية، لا سيما في ريف اللاذقية ومحيط حلب، فإن هذا يتطلب سيناريو مختلفاً، مع إبقاء «داعش» داخل دائرة الاتهام، ليكون نافذةً تبرر لتركيا الدخول منها إلى الداخل السوري.
وفي السيناريو الأول، المتعلق بالأكراد، فإن العقبات أمام تركيا قد تكون أقل، في ظل بقاء كل المخاطر الكبيرة الأخرى التي يمكن أن تواجه أي تدخل تركي. أما في السيناريو الثاني، فإن قدرة تركيا على الحركة العسكرية المباشرة ستكون محدودة جداً، وقد تجر عليها نتائج سلبية جداً، نظراً إلى أن الطرف الروسي ينتظر بلهفة أي «دعسة» تركية ناقصة في سوريا، ليرد صاع إسقاط مقاتلته صاعَين وأكثر في المجال العسكري.
أما الضربة الكبرى لتفجير إسطنبول، فهي بلا شك في القطاع السياحي، حيث استهدف التفجير الانتحاري عاصمة السياحة التركية، لا بل القلب السياحي للبلاد. وزاد من كارثة التأثيرات السلبية أن تسعة قتلى هم من السياح الألمان، مع العلم أن ألمانيا هي البلد الذي يضخ العدد الأكبر من السياح إلى تركيا، حيث بلغ عددهم في العام الماضي حوالي ستة ملايين، وهم يحلون في المقدمة بنسبة 15 في المئة من عدد السياح الأجانب. وتكتمل الكارثة بحصول التفجير بعد التراجع الذي عرفه القطاع السياحي التركي بمنع روسيا مواطنيها من التوجه إلى تركيا بغرض السياحة، وهم يشكلون حوالي خمسة ملايين سائح، بنسبة 13 في المئة، ويليهم البريطانيون بنسبة تسعة في المئة
وإذا كان من استنتاج أخير، فهو أن التفجير الإرهابي يأتي كنتيجة طبيعية لسياسات التورط والتدخل الخاطئة لحكومة «حزب العدالة والتنمية» التركية في سوريا، وتحويل الأراضي التركية بشهادات كل الأطراف – وآخرهم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي دعا تركيا إلى إغلاق حدودها مع سوريا – إلى مقر وممر للمجموعات الإرهابية المتدفقة من كل العالم إلى سوريا.
وبشكل لافت، أعلنت الشرطة التركية عن اعتقالها 47 مشتبهاً بهم في أنقرة وشانلي أورفة ومرسين وفقا لوسائل الإعلام ، فيما ذكرت وكالة «الأناضول» أن المعتقلين لهم علاقة بـ «داعش».
ودعت ألمانيا مواطنيها أمس، إلى تجنب المواقع السياحية المكتظة في إسطنبول، فيما نصحت باريس أيضاً الفرنسيين بتجنب منطقة الهجوم.
واعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن «الإرهاب الدولي يظهر مرة جديدة اليوم وجهه الدنيء والمزدري للحياة البشرية»، داعية إلى «التعاون لمواجهته».
من جهته، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أن «فرنسا، تركيا وكل دول المنطقة التي تعرضت لهجمات إرهابية يجب أن تكون متضامنة».
كما عبر مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية عن «إدانة المملكة العربية السعودية واستنكارها الشديدين للهجمات الإرهابية التي وقعت في كل من دولة العراق الشقيقة وجمهورية تركيا الشقيقة»، مؤكداً «وقوف المملكة إلى جانب الدول الشقيقة في محاربة الإرهاب بأشكاله وصوره كافة وأياً كان مصدره». كما دانت دول عدة، من بينها إيران، هذا الهجوم.
(السفير)