«عاصفة» المستقبل تحوّلت الى «زوبعة» في فنجان: ابراهيم ناصرالدين
«العاصفة» السياسية التي حاول تيار المستقبل اثارتها في وجه حزب الله، تحولت خلال الساعات القليلة الماضية الى «زوبعة في فنجان» ، مع انخفاض مستوى التوتر العالي، وذهاب «التيار الازرق» نحو مواقف اكثر «عقلانية»، بعد ساعات من التهديد بمقاطعة الحوار الثنائي اثر «الرسالة» القاسية التي تولى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد تظهيرها. فلماذا انخفضت «الموجة» العالية وعدنا الى مرحلة «الجزر» بعد محاولة «مد» فاشلة؟
الاسباب داخلية واقليمية، فاستراتيجية المستقبل، باتت مكشوفة امام حزب الله الذي يدرك ان «التيار الازرق» لا يملك فعليا ترف الذهاب بعيدا في التصعيد، بفعل ضعف بنيوي تنظيمي، ونتيجة غياب «الظهير» الاقليمي والدولي القادر على رعاية وحماية اي «انزلاق» بفعل «ساعة تخل»، وبحسب اوساط في 8آذار، اثبتت الاستراتيجية المضادة مرة جديدة فعاليتها، فعندما انبرى وزير الداخلية نهاد المشنوق خلال احياء ذكرى استشهاد اللواء وسام الحسن الى تصعيد مفاجىء، مرفق بسلسلة وقائع «غير دقيقة» للهجوم على حزب الله، والتلويح بوقف الحوار، خرج الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بموقف صريح اعتبر فيه ان الحوار ليس منّة من احد، واعطى اشارات على استعداد الحزب لمغادرة «الطاولة»، فتراجع «المستقبل» خطوة الى الوراء، واستمر الحوار… التاريخ يعيد نفسه اليوم، حاول المستقبل عبر الحريري ان «يركب» موجة التصعيد السعودية، وبدأت التسريبات المهددة بوقف الحوار، فجاءت تصريحات النائب رعد لتعيد تصويب الامور وتضع المستقبل امام السؤال الصعب، ماذا بعد.. والى اين؟
وزير الداخلية نهاد المشنوق قدم «خشبة الخلاص» لفريقه السياسي عندما قال من خارج السياق «ان الغطاء الدولي والاقليمي الذي اسبغ على لبنان طوال الاعوام التي تلت اشتعال فتيل الازمة في الساحة السورية ووفر نوعا من استقرار وحماية من الانفجارات المنفلتة من عقالها يوشك ان يتقلص»، لكن لا شيء يوحي بذلك؟ وفهم لاحقا عندما سألته مراجع سياسية بارزة حول تلك المعطيات، ان لا شيء ملموساً، ومضموناً كلامه «التهويلي» مجرد تبرير لاستمرار الحوار بحجة الحرص على الاستقرار «الهش» في البلاد…
انعدام الخيارات لدى «المستقبل» في بيروت ليس منعزلا عن انعدام الخيارات السعودية، ووفقا للمعطيات الدبلوماسية الغربية عندما، يقول ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ان بلاده لا تريد المواجهة المباشرة «الكارثية» مع ايران، فهو يعبر «بصدق» عن حالة «الارباك» الراهنة في المملكة «القلقة» من تقلص نفوذها في المنطقة، بعد فشلها في حشد «الدول السنية» وراء سياساتها «المتهورة» في المنطقة، وهذا ما يفسر «الحج» الدبلوماسي السعودي الى باكستان. طبعا السعودية تخشى اي حرب «كلاسيكية» مع طهران، ولذلك تريد الاستمرار في حروبها «بالوكالة» بحثا عن مكان لها في المنظومة الاقليمية الجديدة حيث حجزت الجمهورية الاسلامية لنفسها مكانا رئيسيا ومؤثرا بعد الاتفاق النووي مع الغرب، وهذه نقطة «ضعف» عرفت طهران كيفية استغلالها.
فالرياض عندما اقدمت على اغتيال الشيخ نمر النمر، وجهت «رسالة» استفزازية لايران، لكن طهران لعبت «لعبة ذكية» عندما شجبت الإعدام، وأثارت مشاعر الرأي العام، ومن ثم سمحت للمتظاهرين بالهجوم على السفارة السعودية، وبعد ذلك أوقفت التظاهرات، واعتقلت عددا من المتظاهرين، واقيل نائب مسؤول امني في داخلية العاصمة، وأصدرت بيانا رسميا أبعدت نفسها عن المسؤولية، وبذلك اعادت «الكرة» الى الملعب السعودي، «التحية» رد عليها باحسن منها، وباتت الرياض محرجة، فذهبت بعيدا في قطع العلاقات مع طهران، وتكرر السؤال الذي طرح في بيروت ماذا بعد والى اين؟
في هذا الوقت،كانت السعودية قد خسرت معركة العلاقات العامة مع الغرب، ولم تجد من يدافع عن وجهة نظرها القائلة بان الشيخ النمر لم يعدم بسبب انتمائه الطائفي، ولكن لارتكابه جرائم! وجاءت غالبية التعليقات الرسمية وغير الرسمية على عكس المرتجى، فثمة شبه اجماع على ان حملة الإعدامات السعودية إشارة ضعف، وليس قوة، وتعبير عن مشاكل تعاني منها السعودية،عجز في الميزانية، وتراجع في أسعار النفط، وفشل في الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وغياب القدرة على الحسم في اليمن…
اما في الولايات المتحدة، فكثرت التساؤلات حول توقيت الإعدامات، وسوء تقدير المؤسسة السعودية وقيادتها الشابة التي أرادت أن تظهر بمظهر القوي والحازم، دون التوقف عن التداعيات المحتملة، وقد اعتبرت الادارة الاميركية ان توقيت الاعدامات ليس الا تعبيرا عن «الغضب» من السياسة الاميركية، ومحاولة لاحراج وارباك موقف ادارة اوباما في نهاية عهده، فالسعودية تسعى الى إفشال تطبيق مبادئ الإتفاق النووي الذي وقعته إيران مع مجموعة خمسة+واحد، وإفشال التقارب مع إيران، وفي هذا السياق تم ابلاغ السعوديين «رسالة» قاسية من قبل دبلوماسي اميركي في الرياض، قال لهم صراحة ان إدارة أوباما تتعامل مع الإتفاق النووي باعتباره مصلحة استراتيجية الأميركية، ولن تقبل بالمس به، وهذا ما ترجمه عمليا التصريح العلني لوزير الخارجية الاميركي جون كيري عندما اجرى جردة حساب بانجازات وزارته، وكان الاتفاق النووي الانجاز الناجز الوحيد.. فالإعدامات وفق الرؤية الاميركية، هي تعبير عن شعور بعدم الأمان من السعودية، وسط مخاوف داخلية من طبيعة الإصلاحات التي يقودها عنها الأمير محمد بن سلمان، ووصل الامر ببعض المراقبين الى اعتبار إعدام الشيخ النمر غطاء لامتصاص النقمة الداخلية على إعدام المتهمين السنة.
ووفقا لتلك الاوساط، ان الولايات المتحدة ليست في وارد التراجع خطوة الى الوراء مع ايران، وهي لا يمكنها ان تعمل وفق القاعدة السعودية «اما معنا او معهم»، المصالح بين واشنطن وطهران تلتقي في عدد من الملفات مثل العراق ومحاربة «داعش»، وبالمستوى نفسه هناك تقارب في المصالح والمواقف بين أميركا والسعودية ضد حزب الله في لبنان، وفي سوريا ايضا مع تمايز اميركي في الموقف من الاسد، وثمة تفاهم على تحقيق الإستقرار في مصر.. لكن هذا التوازن الاميركي يثير «عصبية» السعوديين.
اما على الضفة الاخرى، فقد زاد الدخول الروسي على خط الازمة السورية من اطباق «الحصار» على الخيارات السعودية، والترجمة العملية لهذا الامر جاءت بعد ساعات على تصريحات وزيرالخارجية السعودي عادل الجبير الذي حاول ايجاد معادلة تتجاوز قدرات المملكة، عندما تحدث عن مصير الرئيس بشار الأسد، وقال «إما أن يرحل سلماً أو حرباً»… فقام الطيران الروسي بتصفية زهران علوش بعد ايام تلت ايضا مؤتمر المعارضة السورية في الرياض، وكانت «الرسالة روسية» واضحة وهي تذكر السعودية أولاً، وكل القوى الإقليمية والدولية بالتحولات الفعلية على الارض، وبالقوة الحقيقية التي سوف تحدد من الآن فصاعداً قواعد اللعبة في سوريا…
هذه المعطيات، تترك تيار المستقبل في لبنان، كما المملكة العربية السعودية، امام معضلة انعدام الخيارات في المواجهة المفتوحة مع حزب الله وايران، وكما تخشى المملكة المواجهة المباشرة مع طهران، يخشى «التيار الازرق» ذلك، فهو يدرك انه لن يكون رابحا في اي انزلاق نحو الصدام «المباشر»على الساحة اللبنانية، لان التيارات المتطرفة ستحتل المشهد و«تاكل» ما تبقى له من دور «وجمهور»، والعصب» الاقتصادي الحيوي لكبار المتمولين والمستفيدين من الاقتصاد الريعي في «التيار» يريدون الحفاظ على مصالحهم، فلماذا التورط بمواجهة مرتفعة المخاطر ودفع اثمان يمكن تجنبها؟ تبقى «الحرب» بالوكالة اكثر نجاعة بالنسبة لهؤلاء، في المقابل يبقى الاستقرار الداخلي اولوية لدى حزب الله، المنشغل بتحديات المنطقة. هكذا تبقى احتمالات انفلات الامور ضئيلة، الا اذا ظن احدهم ان الاصطدام «بالحائط» خيار انتحاري ورابح…؟!
(الديار)