الحريري يزجّ بالحوار في «بازار» استعادة «الحظوة» في السعوديّة: ابراهيم ناصرالدين
ادخل تيار المستقبل حواره الثنائي مع حزب الله في «بازار» التصعيد السعودي مع ايران، وتسريب المعلومات عن نقاشات معمقة داخل «التيار الازرق» حول جدوى الاستمرار بالحوار من عدمه، يبقى جزءا من «استدراج العروض» لدور يسعى له الرئيس سعد الحريري في السعودية من «البوابة اللبنانية» ، ويبقى القرار في هذا السياق سعوديا، ويخضع لحسابات معقدة من المرجح ان تفضي الى استمراره. الا اذا…! فما هي هذه الحسابات؟ وما هي خلفيات تصعيد «المستقبل»؟
اوساط ديبلوماسية في بيروت، اكدت ان ما يتحكم بقرار الحريري بشأن استمرارالحوار من عدمه، لا يرتبط بقرار ذاتي، او بالانعكاسات المفترضة على الساحة اللبنانية، والنقاش الذي دار على «طاولة» كتلة المستقبل لم يصل الى نتيجة، لان القرار سعودي ينتظر ان يتبلغه الحريري، والموقف سيتحدد وفق معيارين الاول يرتبط بمدى قدرته على تحسين موقعه داخل المملكة، والثاني قدرته على الدخول في مواجهة رابحة مع حزب الله. الحريري يسعى لاستعادة ما فقده من دعم مالي يحتاجه بشدة لاعادة الروح الى مؤسسات تيار المستقبل. ووفقا للمعلومات ابدى استعداده لاتخاذ اي من الخيارات المتاحة، وهي تترواح بين تعليق الحوار او تأجيله او حتى وقفه الى اجل غير مسمى، خصوصا ان اصراره على لعب دور «وزارة اعلام» المملكة لم يشفع له حتى الان، ولم يتمكن من استعادة «الحظوة» الكاملة رغم تخصصه في الرد على السيد نصرالله، والامل الان ان يتمكن من استعادة العلاقة مع بعض الدوائر في المملكة من خلال عرض خدماته مجددا على المعنيين بالملف اللبناني. ويبقى هذا القرار حصرا بيد هؤلاء. ويمكن القول راهنا ان حسابات المملكة ستكون حاسمة في هذا الشأن، في ظل وجود تشكيك كبير لدى الفريق المناوئ للحريري هناك بقدرته على الذهاب بعيدا في مواجهة حزب الله، وثمة قلق كبير من «دعسة» ناقصة قد تتسبب بمزيد من الخسائر على الساحة اللبنانية، بفعل الادارة الخاطئة لتيار المستقبل.
في المقابل، فان حزب الله لم يربط ابدا استمرار الحوار مع تيار المستقبل، باي معطى خارجي له علاقة بتوتر العلاقة السعودية – الايرانية، وبحسب اوساط بارزة في 8 آذار، فصل الحزب ايضا بين المصلحة الوطنية التي تقضي بضرورة «تنفيس» الاحتقان المذهبي، وبين اصرار السعودية على تصعيد الموقف ضده، فادراج عدد من مسؤوليه على لائحة الارهاب، والضغوط المتواصلة لانزال قناة المنار عن «النايل سات» بعد حجبها على القمر الصناعي «عرب سات»، والتضييق المستمر على الكثير من الشيعة في عدد من دول الخليج، لم تدفع الحزب الى اتخاذ اي قرار حول وقف الحوار، لكن ثمة اصرار «غير مفهوم» من قبل الفريق الاخر على «زج» هذا الحوار وربطه بتوترات المنطقة، من خلال تنصيب الحريري لنفسه «ناطقا رسميا» باسم النظام السعودي، على الرغم من عدم تطرق السيد في معظم الاحيان الى اي من القضايا الداخلية.
وتلفت تلك الاوساط الى ان حزب الله تجاوز ايضا الكثير من «المطبات» «الزرقاء» الداخلية، ويكفي كشاهد على هذا الامر «المبادرة الباريسية» التي «طبخها» الحريري بعيدا عن طاولة الحوار الثنائية، وعلى الرغم من وجود نوايا مبيتة لاحراج الحزب مع التيار الوطني الحر، وايجاد شرخ ضمن فريق 8 آذار، تعامل الحزب مع الامر بالكثير من الحكمة و«الشجاعة» من خلال الابقاء على قناة التواصل التي يفترض ان تتم من خلالها التفاهمات على القضايا الاساسية في البلاد، مع العلم ان الحريري تقصد «القفز» فوقها وفتح «قناة» جانبية، دون الاكتراث لاحتمال انعكاس هذه «المغامرة» على مصير جلسات الحوار.
وحسب تلك الاوساط، فان القلق الكبير راهنا يرتبط باصرار السعوديين على التصعيد الممنهج، لاستدراج ردود فعل مذهبية ضد ايران، السعودية كانت تعرف حجم الرد على اعدام الشيخ النمر، وأوجدت عن قصد سببا لقطع العلاقات مع ايران؟ «فالهلع» السعودي يزداد ازاء التقارب الغربي مع ايران، وهي ترى ان نتائج الاتفاق النووي ستكون كارثية على مكانة السعودية في المنطقة مع اقتراب رفع العقوبات عن إلجمهورية الاسلامية. كما تشعر السعودية بالكثير من «الريبة» من موقف الولايات المتحدة التي باتت بحسب اعتقادها تفضل تعزيز علاقاتها مع ايران على حساب علاقتهما الاستراتيجية، وواشنطن تبدو مستعدة للتنازل في موضوع الحرب في سوريا اكثر من اي يوم مضى. السعودية التي حاولت عبر مؤتمر الرياض فرض اجندتها في الملف السوري، هالها تصفية زعيم «جيش الاسلام» زهران علوش، وقامت بالاعلان عن تحالف «سني» لمواجهة الارهاب، وضمنا مواجهة ايران، والاخطر من ذلك دفع «اوبك» قبل سنة لاتخاذ قرار عدم تقليص انتاج النفط رغم انخفاض الاسعار، وهي لم تظهر حتى الآن أنها تنوي تغيير سياستها، رغم أنها بحاجة إلى ارتفاع اسعار النفط، وهي بعد اعدام الشيخ النمر تتجه الى خطوة تصعيدية اخرى وتسعى الى زيادة انتاج النفط من اجل الحاق الضرر بإيران قبل رفع العقوبات. واذا ما اقدمت على تلك الخطوة، فان اقتصاد روسيا سيتأثر ايضا، وهذا يعني ان المملكة قد قررت الذهاب بعيدا في المواجهة المفتوحة.
وازاء ما تقدم، فان رد حزب الله «العالي النبرة» على الحريري يأتي في سياق دفع الفريق الاخر الى اتخاذ قرارات «عقلانية» وعدم الانسياق وراء سياسات السعودية «الانتحارية»، وكلام النائب محمد رعد يمكن اعتباره «طعما تذكيريا» في «جسد» المستقبل لتخفيض مستوى «الحمى» المرتفعة على وقع المغامرات السعودية، والتذكير هنا بأن حرص الحزب على استمرار الحوار والتهدئة ليس من موقع ضعف، ويريد تذكيرالطرف الاخر بانه سيخوض معركة عبثية ستنعكس على المناخ العام في البلاد دون ان تمس بحزب الله، ولذلك كان لا بد من وضع الامور في نصابها والتذكير بواقع ميزان القوة على الساحة اللبنانية، كي لا يتسبب «الغرور» او «التغرير» باي طرف باضرار جسيمة لا يمكن ترميمها. اما محاولة ربط اوساط المستقبل لكلام رعد بمبادرة الحريري لملء الشغور الرئاسي بدعم ترشح زعيم تيار المردة النائب سليمان فرنجية، فهي محاولة «بائسة» لنقل المشكلة الى فريق 8 آذار، وما اراد الحزب ابلاغه الى فرنجية تبلغه من السيد نصرالله شخصيا ولا يحتاج الامر الى فتح نقاش علني بين الحلفاء، والرد على المبادرة وصل… وتبقى «الكرة» في «ملعب» المستقبل، لتحديد «الخطوة» التالية، فمجرد تعليق الحوار سيرتد سلباً على الوضع الداخلي، والقرار السعودي الذي ينحو حتى الان على عدم قلب «الطاولة» على الساحة اللبنانية، سيكون محط متابعة في الساعات القليلة المقبلة، واذا كان رفع «السقف» يقتصر على القول بان الجلسة الحوارية لن تكون كسابقاتها وستؤدي حتماً إلى وضع «النقاط على الحروف»، فهذا يعني انتصاراً للمنطق والعقلانية، اما الجنوح نحو مواكبة التصعيد السعودي في المنطقة، فسيكون قفزة في «المجهول».
(الديار)