وصفة استعمارية خالصة
غالب قنديل
فرق تسد هي القاعدة البسيطة في توصيف السلوكيات الاستعمارية المعروفة التي بات من المرجح والمسوغ اتهام استحضارها بالعودة إلى “لغة خشبية ” تصنف في عدادها ثقافة التحرر والاستقلال والمقاومة في عصرنا الحالي المعولم او على الأصح “المأمرك” .
اولا منذ زمن بعيد تعامل الغرب الاستعماري مع البلاد العربية والعالم الإسلامي كجماعات دينية وعرقية وسعى لتصعيد وتائر التناحر الداخلي والتنافس على رضا الغرب بين الزعامات والكتل التي تقدمت كتعبيرات سياسية باسم تلك الجماعات والطوائف والمذاهب بتشجيع ودعم من القوى الاستعمارية وحيث نهضت حركات وطنية وقومية معادية للاستعمار تصدى الغرب لضربها ولتصفيتها إما مباشرة وإما بالواسطة عبر حكومات وادوات عميلة.
شكلت الحرب الأهلية في لبنان قبل أربعين عاما مختبرا أميركيا لتقنيات التفتيت والتناحر كما قدمت حقل تجارب لكي الوعي الوطني والاستقلالي بواسطة العلب الطائفية والمذهبية وهو ما ركزت عليه مجموعات التخطيط والبحث الأميركية والصهيونية على السواء لتركيز الخبرات ولتأصيل الأدوات والوسائل الاستخباراتية والعسكرية المناسبة في إدارة التوحش والتفتيت وهندسة انظمة سياسية توفر آليات مستدامة لتوليد العصبيات والانقسامات التي تعيق نهوض وعي وطني وقومي تحرري وعلى نحو تبدو اليوم نتائجه ماثلة امامنا فالبلد الذي انتصر على إسرائيل وكسر هيبة مركز منظومة الهيمنة الاستعمارية تحكمه سلطة سياسية مشلولة وبنتيجة البناء الطائفي للنظام يتركز داخلها النفوذ الاستعماري الغربي بواسطة قوى سياسية محلية ومن خلال تأثير حكومات إقليمية تابعة للغرب تتقدمها المملكة السعودية .
ثانيا العمل على توسيع نطاق الانقسام السني الشيعي في البلاد العربية والعالم الإسلامي كان التدبير الوقائي الذي اعتمده المخططون الأميركيون لمنع انتشار عدوى الثورة الإيرانية واستثمروا هذا الطريق في محاصرة مقاومة حزب الله ومنع تحولها في الوعي الشعبي العربي إلى بديل سياسي ونضالي قومي في تحرير الأرض واستعادة الحقوق من براثن المستعمرين الصهاينة .
اليوم يتحدث الكتاب والمحللون الصهاينة عن ما يصفونه بـ”الصراع السني الشيعي” كفرصة سانحة لحماية الكيان الصهيوني وحجب قضية فلسطين وكتم انفاس الشعب الفلسطيني الذي يكافح ويقدم الشهداء في ظل توسع العلاقات بين إسرائيل وبعض الحكومات العربية والاسلامية الراغبة نتيجة تبعيتها في التخفف من العبء المعنوي لقضيتهم ويتباهى المخططون الصهاينة بالكلام عن ” حرب الألف عام ” التي تعطي للكيان الصهيوني فرصا ثمينة للتحرك وإقامة العلاقات الاقتصادية والتحالفات السياسية مع دول عربية عديدة بصورة لم تكن ممكنة من قبل .
ثالثا من يدرس الأدبيات السياسية الأميركية في السنوات الأخيرة يلاحظ تأسيسا لمفهوم الدور الأميركي في المنطقة على الانقسام السني الشيعي وافتراضا متجددا لوجود معسكرين في المنطقة وهذا ما يمثل واقعيا عملا وقائيا لمحاصرة نهوض القوة الإيرانية المستقلة التي أجبرت واشنطن على الاعتراف بها ولترسيخ الهيمنة الغربية في الدول التابعة وهو محاولة لتقديم الدور الأميركي كقوة ضبط وتوازن في نزاع افتراضي يراد تحويله إلى حقيقة تناحرية في المنطقة وداخل المجتمعات العربية والإسلامية .
في هذا المناخ تبرز قيمة التجربة الوطنية السورية واهميتها انطلاقا من صمود الدولة الوطنية العلمانية التي يمثل ترسيخها وتطويرها جوهر مضمون المشروع الوطني التحرري الذي يقوده الرئيس بشار الأسد ويبرز بالتوازي التكالب الاستعماري والرجعي للنيل من هذه التجربة عبر وصفات اللبننة التي تقترح بخبث صهيوني لنسف قواعد العلمانية السورية واعتماد وصفات التمثيل السياسي الطائفي في بنية الدولة وهو ما رفضه الأسد منذ انطلاق العدوان على بلاده وقاومه بصلابة مشهودة لأنه المدخل المرسوم لنسف ركائز الاستقلال السوري وضرب المناعات القومية والوطنية التي ميزت شعب سورية عبر التاريخ .
السوس الطائفي والمذهبي أطلق إعلاميا من زمن بعيد ومن ثماره التوحش التكفيري وقد بات البعض ينظرون لأنفسهم من الزاوية التي يقررها المخططون الغربيون فهذا السوس المدجج بالتكنولوجيا ينخر داخل المجتمعات وبين الدول والحكومات والمعركة ضد تلك الخطة الاستعمارية هي في البدء إعلامية وثقافية وسياسية .