صعود إيران والفشل السعودي
غالب قنديل
تغنى بعض الكتاب والمتحدثين السعوديين في حملاتهم المستعرة ضد إيران بزمان الشاه وسماه بعضهم بالزمان الجميل كما وصفوه وهم بذلك اماطوا اللثام عن أهم خلفيات الصراع المستمر منذ انتصار الثورة الشعبية الكبرى التي دكت نظام الشاه وأقامت دولة مستقلة قوية مناهضة للهيمنة الاستعمارية الغربية ومعادية للكيان الصهيوني.
اولا جميع الذرائع التي تتغطى بها الحملة المعادية لإيران الجمهورية كانت قائمة في زمن الشاه الذي كان زمن الخنوع الخليجي التام لمشيئة طهران ولدورها القيادي في منظومة الهيمنة الغربية إلى جانب إسرائيل فإيران الفارسية والشيعية هي نفسها لكنها لم تعد مستعمرة اميركية ولم تعد حليفة لإسرائيل وباتت داعمة لجميع من يقاتلون ضد الصهاينة ولجميع من يرفعون راية التحرر من الهيمنة الاستعمارية.
نشأت في هذا المناخ عقدة إيرانية حكمت إسرائيل وجميع الحكومات العربية التابعة للغرب منذ انتصار الثورة وهذه العقدة تحركت على مجموعة مستويات تمثل خلفية الشراسة التي تظهرها السعودية سياسيا وإعلاميا في درجة العداء ومستويات التحريض .
ثانيا اطاحت الثورة الإيرانية نظاما ملكيا مطلقا استبداديا تابعا للغرب وبذلك تخلخلت منظومة الهيمنة الاستعمارية بخسارة احد اهم أركانها وأشد حلقاتها التصاقا بالغرب وبإسرائيل وهو كان الحليف الأهم للمحور العربي الذي تقوده المملكة السعودية وهذه الثورة شكلت نموذجا لمسار تغييري راديكالي داهم أثار في البلاطات الملكية العربية مخاوف مستمرة ومتجددة من خطر انتقال العدوى وبالتالي شكل التحريض العصابي ضد إيران أحد السدود الافتراضية لمنع ذلك منذ اليوم الأول للثورة سواء باستثارة العصبية العربية الفارسية التي شكلت غلافا إيديولوجيا للحرب التي قادها الغرب ومولتها الممكلة وأقحم العراق واستنزف في غمارها تمهيدا لاحتلاله ام بتحريك الانقسام السني الشيعي الذي تصاعدت حمى نشره منذ انتصار المقاومة اللبنانية عام 2000 لمحاصرة صورة حزب الله الذي دحر الغزاة الصهاينة بالقوة.
ثانيا أقامت الجمهورية الإسلامية سياستها على استراتيجية وثقافة محورها مناهضة الهيمنة الاستعمارية والعداء للكيان الصهيوني ولأنها اعتبرت بحق ان الكيان الصهوني هو مركز منظومة الهيمنة الاستعمارية في الشرق وعامودها الفقري تمكنت بفضل تحالفها الوثيق مع سورية ان تساهم في مضاعفة قدرات وفرص صمود حركات المقاومة الناشئة ضد الاحتلال الصهيوني في لبنان وفلسطين وتوج الجهد الإيراني السوري المشترك بتحرير معظم الأراضي اللبنانية المحتلة بينما عزز ذلك من قدرة الجمهورية العربية السورية على صد مشاريع الاستسلام التي روجتها المملكة السعودية ومعها قطر وتركيا في السنوات الأخيرة وسعت إلى فرضها تحت القيادة الأميركية .
رابعا تمكنت إيران من بناء اقتصاد وطني قوي متطور ومستقل وقدمت نموذجا مهما لكيفية تنويع موارد الثروة في دولة نفطية على عكس الاقتصاد الحادي والاستهلاكي التابع للغرب الذي يقوم في المملكة السعودية وهي خاضت معركة استراتيجية لحماية استقلالها الوطني في مقاومة الحصار والعقوبات واستطاعت تحويل التهديد إلى فرصة وصولا إلى فرض معادلات جديدة تجسدت في تقدم ثورتها التكنولوجية التي انتزعت اعتراف الغرب من خلال تطور برنامجها النووي السلمي وحيث كانت الحصيلة العامة لنهجها التحرري المقاوم رضوخ الولايات المتحدة والغرب عبر الاتفاق الذي فرض الالتزام بتفكيك العقوبات وبرفع الحصار وهو ما اعتبرته المملكة هزيمة مبرمة لرهاناتها ولحساباتها ولمحاولاتها المستميتة .
خامسا تقف السياسة السعودية في حالة الفشل الاستراتيجي المركب على جميع محاور الصراع فقد فشلت مساعيها لخنق إيران عبر تعطيل التفاهم النووي رغم التنسيق الوثيق مع الكيان الصهيوني واللوبي الصهيوني الأميركي بينما تمنى مغامراها الحربية بفشل كبير وهي تتخبط في سورية واليمن والعراق .
أقامت المملكة دورها الإقليمي خلال ما يزيد على الثلاثين عاما على مبدأ محاصرة إيران التي يتجه العالم والغرب خصوصا إلى الانفتاح عليها والتعاون معها وهو ما سيتيح لها بعد أسابيع تدشين مرحلة من النهوض لمضاعفة قوتها الفائضة اقتصاديا وسياسيا ولذلك فحملة العداء والتحريض تنطوي على محاولة إقامة سدود افتراضية لن تصمد طويلا امام منطق المصالح الذي يفرض الواقعية السياسية وهو لا يعترف بالعداوات الدائمة ولعل محاولات دول كبرى في العالم الإسلامي لتمييز مواقفها عن السلوك السعودي العدائي والاستفزازي تعبر عن هذه الحقيقة رغم التصميم الأميركي على تصعيد التوتر المذهبي .