روس ومتعب وسورية
غالب قنديل
يكشف الجدل الأميركي الداخلي حول استراتيجية الحرب على سورية حالة عميقة من العجز عن التكيف مع التوازنات المتحركة في العالم والمنطقة وبينما تتواصل الانتقادات الموجهة إلى إدارة باراك اوباما حول مسار الحملة ضد الإرهاب في العراق وسورية يتضح ان التوازنات القاهرة والقدرات الفعلية للإمبراطورية الأميركية لا تسمح لأي كان باجتراح العجائب او باقتراح المعجزات .
أولا الكلام الذي يتكرر في واشنطن عن مراجعة خطة الحرب على داعش في سورية يحمل في طياته ضغوطا مكثفة يمارسها حزب الحرب الأميركي لصالح السير إلى حملة عسكرية مكشوفة ضد الدولة الوطنية السورية عاجلا أم آجلا وتقف خلف تلك الحملات والضغوط وتنخرط فيها حكومات السعودية وتركيا وقطر وإسرائيل.
يرى المحافظون الجدد في تسويقهم لهذا الخيار ان يقوم سلاح الجو الأميركي بالانتقال إلى ضرب لائحة اهداف عسكرية واقتصادية وسيادية في العمق السوري ويتبنون الجمع بين ضرب اهداف حكومية وقصف مواقع داعش في سورية.
يقترح أصحاب هذا الرأي في مراكز التخطيط ان تسبق ترجمته عملية منسقة لتطوير جميع أشكال الدعم العسكري واللوجستي للحركة الإسرائيلية في الجبهة الجنوبية بالتعاون مع فرع القاعدة الرسمي جبهة النصرة ومجموع التشكيلات الأخرى التي تسعى إسرائيل لتحشيدها ولتكوين عصب مرتبط بالموساد ليكون عامود هيكلها إضافة إلى تصعيد مستوى التورط الأردني والدفع بآلاف جديدة من المرتزقة الجاري تحضيرهم في المعسكرات السعودية والتركية والأردنية بإشراف المخابرات الأميركية نحو الداخل السوري بينما تتولى تركيا أردوغان ترويض داعش وتضمن انخراطها في خطة الحملة الشاملة على سورية .
ثانيا معارضو هذا التوجه الافتراضي يطرحون مجموعة من العقبات الموضوعية الصعبة ومن بينهم محافظون مرتبطون باللوبي الصهيوني من امثال دينيس روس الذي نشر مقالا مؤخرا في الواشنطن بوست يدعو فيه إلى استبدال خطة إعادة توجيه الحملة العسكرية الأميركية على داعش ضد الدولة الوطنية السورية بخطة المنطقة العازلة التي تقام فيها معسكرات تدريب وحدات عسكرية جديدة وتشكل منطلقا لمواصلة الحرب بواسطة عصابات من المرتزقة والإرهابيين تحت يافطة الجيش الحر .
يورد روس في مقالته العقبات بدءا من الرد السوري الرادع جوا وبرا ويتنبه إلى التحسب للرد الإيراني الذي قد يقود إلى شطب التواجد الأميركي الهش الذي عاد مؤخرا إلى العراق تحت عنوان الحملة على الإرهاب وتساءل روس عن الرد الروسي بالنظر لما تمثله سورية استراتيجيا في حسابات موسكو كموقع متقدم في صراعها لتعديل التوازنات الدولية لكن روس لا يرى خيارا آخر غير خوض المغامرة .
الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة انجز قراءة هذا الخيار وتصدى في الكونغرس لدعاة ضرب الجيش العربي السوري بل أكد ان الاستدارة ضده ستكون باهظة الكلفة على الولايات المتحدة وخيارا غير واقعي وهو الأمر الذي أجريت الحسابات بشأنه كاملة عندما تراجعت الإدارة الأميركية عما أسمي ضربة اوباما في الخريف الماضي ويتأكد مجددا انه سيكون مغامرة بمواجهة إقليمية كبرى قابلة للتحول إلى ما هو أدهى وأشد خطورة على إسرائيل والمصالح الأميركية في الخليج وحوض المتوسط.
ثالثا يتضح لمن يتابع أن الحكومات المتورطة في العدوان على سورية ترمي ثقلها لمنع انتقال الإدارة الأميركية إلى أي مستوى من العلاقة المباشرة مع القيادة السورية بعدما تحول الخطاب الرسمي الأميركي إلى الاعتراف بمنطق الحل السياسي السوري في ظل الدولة الوطنية السورية وبرئاسة الرئيس بشار الأسد وهو تخطى ذلك بكثير في كلام الكواليس ورسائل الموفدين.
ظهر من خلال تصريحات الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز وزير الحرس الوطني السعودي وأبرز المرشحين لوراثة عرش المملكة أن الهاجس المقلق في الرياض هو انتقال واشنطن إلى التنسيق مع دمشق تحت شعار مكافحة الإرهاب ومن الواضح أن القيادة السعودية تشتري تأخير مثل هذا الاحتمال بكل ما لديها من نفوذ وإمكانات وتماما كما يفعل زعيم داعش رجب طيب أردوغان بالابتزاز والأكاذيب.
الأميرمتعب الذي زار عاصمة القرار الأميركي في رحلة تعارف وتأهيل قيادية على الأرجح لم يتقدم بمقترحات عملية غير تكثيف إرساليات المال والسلاح وتعجيل تدريب أعداد جديدة من المرتزقة وإدخالهم إلى سورية وهو ما واظبت واشنطن على فعله منذ آذار 2011 بمعونة الثلاثي القطري السعودي التركي دون جدوى.
رابعا قال الأمير متعب ان الثغرة الوحيدة التي واجهت ما يسمى بالجيش الحر كانت نقص الذخائر متناسيا السؤال عن حمولات الأسطول الجوي السعودي ورحلاته الثمانين إلى تركيا والأردن وبواخر الحريري المتنقلة من ليبيا إلى طرابلس الشام.
بالمقابل اعترف دنيس روس بأن الآلاف من “معتدلي” معسكرات التدريب السعودية والتركية بغالبيتهم باتوا في صفوف داعش والنصرة منذ قدومهم إلى سورية وبأن ما وصلهم من السلاح انتقل إلى مخازن الفصيلين القاعديين وهو ما ينسف نظرية الاعتدال ونسبة تلك الصفة إلى أي من التجمعات التي سرعان ما تذوب وتبدل راياتها وترفع يافطات قاعدية لأن أشدها “اعتدالا ” متحدر من تنظيم الأخوان المسلمين الحاضن الأبرز للتطرف التكفيري ومولد ثقافة الإرهاب ويعلم الأميركيون قبل غيرهم ان قادة الفرع السوري لتنظيم الأخوان هم كبار مؤسسي القاعدة في افغانستان الذين قدموا لهم الدعم والتمويل قبل أكثر من ثلاثين عاما.
ليس لدى الولايات المتحدة خيارات جيدة في سوريا كان العنوان المعبر لمقالة روس … نعم إنه مأزق الإمبراطورية الأميركية والدائرين في فلكها أمام دولة مدنية مقاومة صامدة وقوية وقادرة مصممة على الدفاع عن استقلالها وتجيد قيادتها البناء على الشراكات الإقليمية والدولية المتينة لتعزيز حصونها المنيعة.