بقلم ناصر قنديل

بوتين يعلن نصره من أنقرة

nasser

ناصر قنديل

-يصل صباح اليوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أنقرة ليترأس الجانب الروسي من المجلس الاستراتيجي الأعلى الروسي ـ التركي، وهو أمر كان يمكن أن يقوم به رئيس وزرائه ديمتري ميدفيديف ومقابله داوود أوغلو، ويمكن أيضاً لوزير الاقتصاد القيام بالمهمة عندما تكون العلاقات السياسية بين البلدين المرتبطين بعلاقات ثنائية معقدة كما هي حال روسيا وتركيا، لو لم يجد رئيس الدولة سبباً وجيهاً وسياسياً وربما استراتيجياً لتحمّل مسؤولية رئاسة وفد بلاده، وهو أمر يسلّط الأضواء الإعلامية على الزيارة بما يتعدّى الاجتماع، وتتعلق الأنظار على الاجتماع نفسه أيضاً لرؤية إنجازات بحجم مشاركة رئيس الدولة الزائر، وهو على مستوى رئيس دولة عظمى مثل فلاديمير بوتين.

-في مناخ أقلّ ما يُقال فيه أنه هادئ على المتوسط، حيث المفاوضات الإيرانية مع الغرب تتواصل تحت سقف تفاهمات مكرّسة وتفاهمات يجري بناؤها، وحيث التسليم بغياب خطة لدى أميركا لتغيير الواقع المريح لروسيا في سورية وحليفها الرئيسي الرئيس بشار الأسد، وحيث أقلّ ما يُقال أيضاً أنّ الحلف الأميركي للحرب على الإرهاب يثبت العجز عن تحقيق إنجازات من دون تغيير دراماتيكي في هوية الحلف ومكوّناته وخططه، وحيث الأزمة الأوكرانية تحت السيطرة فلا مخاوف من تغييرات عسكرية في شرق أوكرانيا، وشبه جزيرة القرم صارت خارج البحث لجهة التسليم بانضمامها إلى روسيا، والغاز الروسي إلى أوكرانيا واستطراداً إلى أوروبا ورقة روسية تزداد أهميتها وفاعليتها كلما دخل فصل الشتاء، يتحرك بوتين بنقلة الحصان للاعب شطرنج محترف، فيرمي حجراً من حجارته في قلب معسكرات الخصم.

-تركيا هي اللاعب الأبرز في الحرب على سورية على رغم الخطاب الفرنسي العالي السقف والمال السعودي ودورهما، فبوابة حضور كلّ نتائج التحضير والتحريض الفرنسي والسعودي ومعهما كلّ عفاريت الكون لقلب الموازين في سورية كانت وما زالت تركيا، وتركيا الدولة العضو في حلف الأطلسي ذات الجيش القوي والمئة مليون نسمة والاقتصاد القادر، ليست مصر ولا السعودية بين دول الإقليم، ولا تعادل قيمتها وأهميتها إلا إيران مع تفوّق إيراني عسكري واستراتيجي بعدة مجالات، وهي تركيا نفسها صاحبة الطموحات العثمانية لبلوغ الجوار الروسي، وصاحبة مشاريع أنابيب الغاز لتزويد أوروبا بالغاز البديل عن روسيا، سواء عن طريق أذربيجان وخط نابوكو أو عن طريق قطر، والخط الذي لأجله كانت بعض أسباب الحرب على سورية والتبني لتمدّد «داعش» من جانب السلطان رجب.

-سقطت رهانات تركيا على تبني أميركا لسياسة الاحتواء مع «داعش» واللعب مع قادتها من تحت الطاولة في النفط والغاز، وسقطت الأوهام على خطة تركية سعودية تتبناها واشنطن لربط الحرب على «داعش» بإسقاط سورية، وتوقف مشروع نابوكو إلى أجل غير مسمّى، وتبخر حلم الغاز القطري إلى أوروبا، فيصل بوتين وبيده سلة يعرضها على الأتراك، التسليم بنهاية الحرب على سورية، مقابل خط غاز يمرّ بالتشارك بين روسيا وتركيا إلى أوروبا عبر البحر الأسود، ورفع التبادل التجاري الثنائي إلى مئة مليار دولار، وتنشيط سياحي تبادلي لمليوني زائر سنوياً، ودور تركي في قلب أوراسيا، بعلاقات مميّزة تركية ـ روسية وتركية ـ إيرانية، توازن عضويتها في الأطلسي، ومكانة لتركيا في الحلّ السياسي في سورية من خلال تشكيل جديد لأصدقاء سورية يضمّ دول مجلس الأمن الدائمة العضوية وتركيا ومصر والسعودية وإيران، ودور في الحرب على الإرهاب من داخل حلف جديد يضمّ ذات المكونات ومعها العراق ولبنان والأردن، ولكن تحت قبة الأمم المتحدة، وتعاون في الحلّ الأوكراني يعيد لتركيا مكانة لن تحصل عليها بالعناد في المضيّ في مشروع داوود أوغلو الانتحاري الذي لم يجلب إلا العزلة لبلاده.

-روسيا تقرّر أن تكون أنقرة منصة إعلان نصرها في الشرق الأوسط.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى