شؤون لبنانية

لبنان يودع صباح ومأتمها يصبح عرسا

صباح 3

ودع لبنان في الامس الفنانة الكبيرة صباح في مأتم شعبي كبير، حيث وصل جثمان صباح الى كاتدرائية مار جرجس في بيروت، على وقع اغنية “تسلم يا عسكر لبنان”، وقد علا التصفيق واطلقت الزغاريد، ولف النعش بالعلم اللبناني.

وكانت قد انطلقت السيارة البيضاء المزينة بالورود، والتي تحمل جثمان الشحرورة صباح من مقر اقامتها في الحازمية الى كاتدرائية مار جرجس في وسط بيروت، وسط نثر الزهور ورقص الدبكة واغاني الراحلة الكبيرة.

201412011219888

وترأس البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي صلاة الجناز عن راحة نفس الراحلة وعاونه مطران بيروت للموارنة بولس مطر، وشارك فيه العديد من الوزراء والنواب والفنانين اللبنانيين والمصريين والسوريين والسفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي ممثلا الرئيس السوري بشار الاسد، وقد قدّم رئيس الحكومة تمام سلام وزوجته العزاء لابن صباح كما مثل العميد جمال سرحال قائد الجيش العماد جان قهوجي، وقد حضر نقيب الصحافة محمد بعلبكي، نقيب المهن التمثيلية في مصر اشرف عبد الغفور، نقيب الممثلين المحترفين في لبنان احسان صادق.

fayrouz 405276

كما ارسلت الفنانة فيروز اكليلا من الزهر كتب عليه :”شمسك ما بتغيب”، واكاليل من الرؤساء: أمين الجميل، فؤاد السنيورة، سعد الحريري، ميشال عون، والوزراء: جبران باسيل، اشرف ريفي، روني عريجي، ومن سمير جعجع.

Sabah Condel-11   ph- IT 316689 large

وبعد تلاوة الأنجيل المقدس، القى البطريرك الراعي عظة قال فيها: “يندرج كلام الرب يسوع، في انجيل اليوم، في سياق كلامه عن الحياة وما تمتلك من خيرات مادية وروحية وثقافية وفنية، انها وكالة من الله موزعة على الناس مواهب مواهب، كما يشاء، من اجل بنيان الجماعة، وان كل واحد منا سيؤدي حسابا عما خصه الله به من مواهب وعطايا وإمكانيات. هذا ما أراد تفسيره في مثل الوزنات.

نودع اليوم المرحومة صباح بالاسى الشديد مع الفرح الذي أوصت به قبيل الرحيل، وهي التي سلمها الله خمس وزنات من موهبة الفن والغناء فثمرتها، وها هي اليوم تسلم الله خمسا أخريات، والعدد يعني كمال العطاء. بفضل هذه الامانة الكاملة والرائعة من جهتها، نستطيع ان نقول: ماتت صباح، لكن صوتها حي على مدى الأثير. غاب وجهها، لكن ابتسامتها العريضة على كل شاشة وورقة، انها جانيت الفغالي ابنة بدادون ووادي شحرور، عمها شحرور الوادي، معروفة فنيا بشحرورة لبنان صباح، وشعبيا بالصبوحة، ونتاجا بالاسطورة.

واضاف: الفن على تنوعه هبة من الله بمقياس وزنات الانجيل الذي سمعنا. اذا ثمر بكامله، كالوزنات الخمس، جعل الفنان او الفنانة صورة الله المبدع. هذا ما كتبه القديس البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته الى اهل الفن 1999، وقال: “الله هو مبدع الجمال والخير من العدم، امام الانسان – الفنان فصانعهما بالشكل والمعنى. نقرأ في سفر التكوين، من الكتل المقدسة، ان الله رأى جميع ما ابدعه، فاذا هو حسن وجميل وانه خلق الرجل والمرأة على صورته ومثاله، واوكل اليهما اكمال عمل الخلق يصنع الجمال والخير. ويضيف البابا يوحنا بولس الثاني ان الفنان يعيش علاقة مميزة مع الجمال والخير. فمن يشعر في قرارة نفسه بهذا النوع من الشرارة الالهية التي هي الدعوة الفنية بكل انواعها، يتملكه في الوقت عينه شعور بواجب عدم التفريط بهذه القريحة بل بتطويرها لوضعها في خدمة الانسانية والمجتمع والوطن.

sabah 1

هذا ما فعلته صباح في كل مراحل حياتها، فأضحت فنانة كبيرة بلغت ذروة المجد في لبنان والعالم العربي وبلدان الانتشار، غنت واطربت ومثلت على مختلف المسارح، واسرت القلوب. ساهمت بالكثير الكثير في نهضة المدرسة المصرية في القرن العشرين، وفي نهضة المدرسة اللبنانية الموسيقية الغنائية الشرقية، وفي نشر الاغنية اللبنانية حول العالم، الى جانب فنانين كبار، مصريين ولبنانيين. فكانت مسيرتها متنامية ومتألقة على مدارج الفن والمجد من مصر الى بيروت وبعلبك وجبيل وكازينو لبنان، ومن باريس الى فرساي وبروكسيل، فإلى لندن ونيويورك وكندا، ومن لاس فيغاس الى سيدني. كانت اول من غنى الاغنية اللبنانية الصرف من دون تأثر بغناء عربي آخر، واول من غنى فرنسيا – عربيا في العالم العربي، واول مطربة لبنانية غنت على مسرح الاولمبيا في باريس، وثاني مطربة عربية تغني هناك بعد ام كلثوم بسنة. لقد تربعت على عرش الفن ثمانين عاما، فكانت النجمة المشعة والعلامة الفارقة التي ربما لا تعوض في تاريخ الفن اللبناني والعربي“.

وتابع: “ولأنها حملت راية لبنان عاليا، وجالت باسمه في العالم عبر الفن الغنائي اللبناني والعربي، واعلنته الى المستوى العالمي ، كرمتها الجمهورية اللبنانية بالعديد من الاوسمة واصدرت على اسمها طابعا بريديا. ومنحت الجنسية المصرية والاردنية والاميركية، مع اوسمة اردنية ملكية، ومغربية وسنغالية ومصرية وارجنتينية وكرمها رؤساء جمهوريات ودول: من مصر الى فرنسا واميركا وليبيا والعراق وتونس والجزائر وسوريا. وعلى اسمها سمي شارع في مدينة ديترويت من ولاية ميشيغن الاميركية وساحة في تونس. ومنحت من الرئيس الاميركي السابق لقب “سفيرة السلام في العالم“.

اليوم بغيابها وغياب شاعر لبنان الكبير سعيد عقل وهما ينتقلان معا من عالمنا الى عالم الله ينكسر غصنان كبيران من الارزة اللبنانية.

وداع صباح

واردف: احبت صباح جميع الناس، وسالمت الجميع، وسامحت كل اساءة، مرددة مع مبادرة السماح “والله كبير”. واستعدت للمثول امام عرش الله بروح التوبة والصلاة، مرددة صلاة المزمور: “ارحمني يا الله بحسب رحمتك، وبكثرة رأفتك امح مآثمي. فإليك وحدك خطئت، والشر امام عينيك صنعت”. وأغمضت عينيها عن انوار هذه الدنيا، محاطة بدفء عاطفة الاهل والاصدقاء والمحبين وصلاتهم، راجية ان تنعم بالمشاهدة السعيدة في مجد السماء”.

وإنا معكم ومع كل محبيها وعارفيها نصلي الى الله لكي يتغمدها بوافر رحمته، ويسكب بلسم العزاء على قلب ابنها وابنتها وشقيقها وعائلات المرحومين شقيقها وشقيقاتها وعمها، وعلى قلوب ابناء عائلة الفغالي الكرام ونقابة الفنانين المحترفين في لبنان. ولنسع جميعا الى تثمير ما وهب الله كل واحد وواحدة منا من مواهب ووزنات، له المجد الى الابد، آمين“.

وبعد تقبل التعازي خرج الجثمان الى خارج الكاتدرائية على وقع التصفيق والزغاريد واغاني الراحلة التي ادتها موسيقى الجيش.

وبعد الجناز توجه النعش الى وادي شحرور ومن ثم الى ضيعة صباح بدادون حيث تصدرت مئات اللافتات القرى المؤدية إلى بدادون، وقد تأخر وصول الموكب وسط احتضان الناس الذين آثروا إلا أن ينزلوا النعش ورفعه على الأكف، من الحازمية، إلى الفياضية، وقرى “الوادي” في عاليه، فيما كانت المحطة قبل الأخيرة في حي آل فغالي في بلدة وادي شحرور، ومنها إلى حومال حيث أنزل النعش وسار موكب كبير في اتجاه كنيسة السيدة، ورقص بعض المشيّعين بالنعش. لم يتسنّ لأكثر من مئة شخص دخول الكنيسة وظل الآلاف خارجها، رافعين صور صباح. واعتمر بعض المشيّعين قبعات وارتدى بعضهم قمصاناً تزينت بصورها.

{youtube}aTJrek1ZHbU{/youtube}

في الكنيسة اقتصرت المراسم على «شيْل البخور» أي تبخير النعش، من قبل كاهن الرعية الأب مروان سلامة، ذلك أن القداس والجناز أقيما في بيروت. ومن ثم توجه الجميع إلى صالون الكنيسة، وألقى رئيس بلدية بدادون المهندس الياس الحويك قصيدة من وحي المناسبة، فيما ألقى شقيق الراحلة روجيه فغالي كلمة العائلة. ومن ثم رفع النعش في رحلته الأخيرة إلى مدفن آل فغالي الذي تزين بالأعلام كما النعش الذي ظلّ ملفوفاً بالعلم اللبناني.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى