مقتل زهران علوش يغيّر وجه الغوطة عبد الله سليمان علي
مقتل زهران علوش سيغيّر، من دون شك، وجه الغوطة الشرقية لدمشق، التي طالما حاول احتكار الهيمنة عليها. ولكن ما زال من الصعب تحديد طبيعة التغيير المتوقع حدوثه، وفي أي اتجاه سيسير.
وإذا كانت الأنظار قد اتجهت نحو «جيش الإسلام» لتلمّس أي هزّات يمكن أن تجتاح بنيته وتماسكه، فإن تداعيات مقتل علوش لن تقتصر على «الجيش» الذي أسّسه وقاده طوال السنوات الماضية، بل ستشمل أيضاً مؤسسة «القيادة العامة للغوطة الشرقية» التي كانت أداته في الانفراد بحكم ما بات شبه «إمارة» خاصة به، كما ستمتد خارج الغوطة وصولاً إلى هيئة التفاوض العليا التي انبثقت عن مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، وبالتالي سيكون مسار الحل السياسي مرتهناً نوعاً ما بطبيعة التغييرات التي ستشهدها الغوطة الشرقية جراء مقتل أكثر قادة الفصائل المسلحة ارتباطاً بالسياسة السعودية.
والتحدي الأهم الذي سيواجه القيادة الجديدة لـ «جيش الإسلام» هو الموقف من مؤتمر الرياض وهيئة التفاوض التي انبثقت عنه. ولهذا التحدي وجهان، يتعلق الأول بالموقف المبدئي لـ «جيش الإسلام» من المؤتمر ومخرجاته، والثاني يتعلق بالموقف من بعض الأصوات من داخل هيئة التفاوض التي اعترضت على التعزية بمقتل قائده.
فمن جهة، كان «جيش الإسلام» قبل أيام من مقتل زهران علوش، مع 12 آخرين من أعضاء «جيش الإسلام» وسبعة من أعضاء «أحرار الشام» في غارة على منزل في المرج في الغوطة، قد أعلن أنه «يدرس الانسحاب من مؤتمر الرياض» بسبب ما قال إنه «عدم تضمين البيان الختامي لمؤتمر الرياض أساسيات أدلى بها مندوبه في المؤتمر، وتم التوافق عليها وأهمها تحديد هوية سوريا إسلامية عربية»، و «اشتراط حل كامل للأجهزة الأمنية لنظام (الرئيس بشار) الأسد».
ومن جهة ثانية، اعترض رئيس «تيار بناء الدولة» لؤي حسين على التصريح الذي أدلى به رئيس «هيئة التفاوض» رياض حجاب، ونعى من خلاله زهران علوش، واعتبر حسين أن هذا التصريح «لا يمثل الهيئة إطلاقاً ولا يعبّر عن موقفها، ما دام أحد أعضائها على الأقل اعترض على ذلك قبل إصدار التصريح». ويأتي هذا الاعتراض كي يزيد المؤشرات على عدم وجود تناغم بين مكونات «هيئة التفاوض» وإمكان تفجيرها من الداخل بسبب الخلافات بين أطرافها، خاصة في ظل مطالبة أكثر من طرف بوجوب زيادة عدد أعضاء الهيئة.
وبدا واضحاً، أمس، أن الإعلاميين المقربين من «جيش الإسلام» كانوا يحاولون نفي التسريبات التي تحدثت عن وجود مداولات داخل قيادة «الجيش» لبحث إمكانية التصعيد، سياسياً وعسكرياً، عبر الانسحاب من مؤتمر الرياض وإعلان العاصمة دمشق منطقة عسكرية مستهدفة. حيث أكد عدد منهم، على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أنه لا صحة لهذه التسريبات وأن «جيش الإسلام» لم ينسحب من مؤتمر الرياض كما لم يعلن دمشق منطقة عسكرية، مشيرين إلى أن المرحلة لا تحتمل مثل هذه «المواقف الارتجالية».
لكن هذا النفي لا يلغي أن التحدي سيستمر أياً يكن القرار النهائي الذي يتخذه «جيش الإسلام»، لأنه إذا لم ينسحب من مؤتمر الرياض فسيكون على قيادته الجديدة التبرير أمام أنصارها تراجعها عن «الأساسيات التي أدلى بها مندوبها»، أما إذا لجأت إلى التصعيد وقررت الانسحاب، فستجد نفسها أمام ضغوط إقليمية ودولية لا طاقة لها بها.
وفي هذا الإطار، علمت «السفير» من مصادر متقاطعة في الغوطة الشرقية أن المباحثات حول مؤتمر الرياض لم تقتصر على كوادر «جيش الإسلام» وقادته، بل تحولت إلى محادثات ثنائية بين «القيادة العامة لجيش الإسلام» و «القيادة العامة لأحرار الشام»، وأن الطرفين اتفقا على ضرورة تجاوز مواقف أصحاب الرؤوس الحامية التي تدعو إلى قلب الطاولة، وضرورة إبداء أكبر قدر ممكن من المرونة تجاه مؤتمر الرياض، وعدم اتخاذ مواقف تصعيدية من شأنها تحميلهما المسؤولية عن عرقلة مسار الحل السياسي.
وخلافاً للعديد من التوقعات التي ظهرت عقب اغتيال علوش، فإن «جيش الإسلام» من حيث التماسك والعلاقة مع فصائل الغوطة قد يكون أمام فرصة ذهبية لفتح صفحة جديدة وطيّ الصفحة الماضية، بكل ما احتوته من صراعات وتصادمات كان لطموحات علوش وتركيبة شخصيته، القائمة على حب الظهور والتفرد بالقرار، دور أساسي فيها.
وبالرغم من أن مقربين من «جيش الإسلام» أكدوا، لـ «السفير»، «استمرار نهج الجيش كما كان أيام القائد الشهيد أبي عبد الله، بناءً على هيكلية جيش الإسلام المتينة وتنظيمه العالي» إلا أن هذا لا يمنع أن غياب علوش سيؤدي إلى تغييرات كبيرة في علاقة «جيش الإسلام» مع باقي الفصائل التي تأثرت كثيراً في السابق نتيجة الطبيعة التصادمية لشخصية علوش. أما شخصية خلفه عصام البويضاني (أبو همام)، والذي تقول مصادر إن عائلته تقيم علاقات وثيقة مع جماعة «الإخوان المسلمين»، والذي اكتملت أمس الأول إجراءات «مبايعته» من مكاتب «جيش الإسلام» وهيئاته وألويته، فثمة إجماع على أنها شخصية توافقية سواء داخل «جيش الإسلام» أو على صعيد العلاقة مع «هيئات الغوطة المدنية» أو فصائلها العسكرية، وهو ما يرجح من جهة أن العديد من الخلافات قد تزول بعد مقتل زهران علوش، كما تفسر من جهة ثانية مشاعر الارتياح غير المعلنة التي سرت بين قادة الفصائل في الغوطة الشرقية لدى سماعهم نبأ مقتله، والتي كانت الدافع الأبرز لإصدار بيانات تعزية من «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» و «أجناد الشام» التي كانت على خلاف كبير مع سياسة علوش وسعيه للهيمنة. ولكن هذا سيبقى متوقفاً على سلوك الفصائل الأخرى وكيفية تعاطيها مع «جيش الإسلام» بعد غياب مؤسسه، هل ستحاول البناء على توافقية البويضاني أم ستنجرّ وراء طموحاتها السابقة بإضعاف «جيش الإسلام» وسحب بساط القيادة من تحته؟
ومن حيث الأولويات، فإن عين القيادة الجديدة في «جيش الإسلام» ستكون على «القيادة العامة للغوطة الشرقية» ومحاولة تثبيتها ومنحها مزيداً من «الشرعية»، خاصة أنها كانت هدفاً للعديد من الفصائل التي رأت فيها وسيلة لفرض الاستبداد. و «جبهة النصرة» هي الفصيل الوحيد الذي لم ينضم إلى «القيادة العامة»، ولكن هذا لا يعني أن الفصائل المنضمة لم يكن لها مآخذ جدية على سياستها المتبعة، ونشأت بسبب ذلك خلافات كبيرة بين «جيش الإسلام» وهذه الفصائل، آخرها الخلاف المعروف مع «أجناد الشام».
ويبدو أن زهران علوش قبل مقتله كان يخطط لاستنساخ تجربة الغوطة الشرقية وتطبيقها على جنوب دمشق بعد الخروج المتوقع لعناصر «داعش» من هناك، بناءً على اتفاق توسطت فيه الأمم المتحدة. حيث تشير المعلومات إلى أن دعوةً وجِّهت إلى قادة الفصائل في جنوب دمشق وعدد من الوجهاء للاجتماع في مسجد يلدا الكبير والتباحث حول تشكيل «المجلس الأعلى لقيادة جنوب دمشق»، لكن الاجتماع لم يتم لأن موعده كان في اليوم ذاته الذي اغتيل فيه علوش. يذكر أن مقتل علوش أدى إلى «تجميد» عملية نقل مسلحي «داعش» ومجموعات مسلحة أخرى بالإضافة إلى عائلاتهم. وقالت مصادر عدة إن التنفيذ تعثر لأسباب عدة، أهمها عدم القدرة على ضمان أمن الطريق الذي ستسلكه قافلة المغادرين، حيث كان من المتوقع أن تمر عبر مناطق يسيطر عليها «جيش الإسلام».
ثم تأتي مشكلة «لواء فجر الأمة»، الذي يقوده أبو خالد الزحطة، والذي انضمّ مؤخراً إلى «أجناد الشام»، وذلك في خطوة التفافيّة لمنع زهران علوش من شنّ حملة عسكرية عليه، كانت متوقعة قبل حوالي ثلاثة أشهر. ومن حيث الحجم والقوة والنفوذ يعتبر «لواء فجر الأمة»، المسيطر على مدينة حرستا وعلى شبكة الأنفاق فيها، بؤرة الإزعاج لـ «جيش الإسلام» في هذه المرحلة، لا «أحرار الشام» ولا «جبهة النصرة» اللذين اضطرهما تقدم الجيش السوري في منطقة مرج السلطان، مؤخراً، إلى الدخول معهما في تحالف تحت مسمى «غرفة عمليات المرج المشتركة».
ولكن الوضع الميداني، رغم تقريبه بين الفصائل، إلا أنه لم يُنه أسباب الخلاف المحتدم بينها والذي من الممكن أن ينفجر في أي لحظة ما لم يتم تداركه. وهنا تبرز مساعي «أحرار الشام» التي بذلتها خلال الأسابيع الماضية لإقناع «فجر الأمة» بمبايعتها والانضمام إليها، والتي لم يكن يحول دون إتمامها سوى خشية قيادة الحركة من ردة فعل زهران علوش، فهل ستستمر هذه المساعي بعد مقتله أم ستبقى مؤجلة بانتظار معرفة توجهات خلفه وطبيعة أدائه في إدارة شؤون الغوطة المدنية والعسكرية؟
من جهة ثانية أعلن المتحدث باسم المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، في بيان، أن المبعوث ينوي إجراء محادثات بين السلطات السورية و«أوسع نطاق ممكن من المعارضة وآخرين» في جنيف في 25 كانون الثاني المقبل. وأضاف «يعول (دي ميستورا) على التعاون الكامل من كل الأطراف السورية المعنية. لن يُسمح للتطورات المستمرة على الأرض بإخراج العملية عن مسارها»، وذلك في إشارة إلى مقتل زهران علوش.
(السفير)