مقالات مختارة

زمن القطاف؟ مقتل علوش يخلخل أبواب الغوطة… و«الرياض» صهيب عنجريني

 

              

لسنوات، راقبت الأجهزة السوريّة غريمها زهران علّوش وهو يُنمّي قوّته على مشارف العاصمة. تواصل الطرفين عبر الوسطاء لم ينقطع برغم الحرب بينهما. أحدث الأمثلة في هذا السياق كان اتفاق «الحجر الأسود» الأخير. اليوم يوحي توقيت التنفيذ بأهميّة قد تكون أكبر من العملية في حدّ ذاتها، لما لها من دلالات ميدانية وسياسية

قُتل زهران علّوش. يُمكن القول إنّ هذه النهايةُ كانت الأكثر ترجيحاً لمسيرة الرجل المثير للجدل، فالمواصفاتُ التي توافرت في قائد «جيش الاسلام» حافظَت على السيناريو خالياً من المفاجآت منذ إطلاقه من سجن صيدنايا (حزيران 2011) حتّى مقتله قبل أيّام. ومن بين المظاهر اللافتة التي تلت عمليّة استهداف علّوش، يبرز حرص دمشق على خروج المتحدّث العسكري ليعلن رسميّاً العمليّة.

وهي خطوة تحملُ في طيّاتها رسائل سياسيّة لا تنبعُ من أهميّة المقتول كشخصٍ، بقدر ما تنبعُ من أهميّة ولائه المُطلق للرياض. وجاء التبنّي السوري الرسمي للعمليّة بعد ساعاتٍ من سريان أنباء تؤكد أن الغارة كانت روسيّة، وهو الأمر الذي تصرّ وسائل الإعلام المحسوبة على السعوديين ومحورهم على تبنّيها حتى الآن. ولا تنفصل الرّسائل التي حملها البيان العسكري السوري عن جملة المعطيات المتوافرة عن استهداف علّوش، وهي معطيات تُضفي على الحادثة طابعاً «سياسيّاً» أكثر منهُ عسكريّاً. وفي هذا السياق، ثمّة تفصيلٌ يستدعي الوقوف عنده باهتمامٍ، ويعود إلى ما قبل مقتله بثلاثة أسابيع. ففي السابع من الشهر الجاري، أعلن إسلام علوش المتحدث باسم «جيش الإسلام» أنّ «قائد جيش الإسلام (زهران علوش) يعتذر عن عدم حضور مؤتمر الرياض»، مبرّراً الأمر بـ«خروج الطريق الذي كان يسلكه سابقاً عن السيطرة» («الأخبار»، العدد 2760 ). ورغمَ أنّ هذا الإعلان لم ينَل حقّه من الضوء حينها، غير أنّ الجملة الأخيرة تبدو في ضوء التطوّرات الوثيقةَ الصلة بنجاح استهداف علّوش. قبلها، كانَ الرّجل قد دأب على الانتقال بهدوء وسلاسةٍ إلى خارج البلاد، بطريقة رسمت كثيراً من إشارات الاستفهام حولَه، وساهمت في الوقت ذاته بتعزيز «هالته». يعود «الخروجُ الأخير» المُعلن لعلّوش إلى نيسان الماضي، حيث ظهر على نحو مفاجئ في تركيّا («الأخبار»، العدد 2570 ). في تمّوز عاد إلى الغوطة محفوفاً باتهاماتٍ كثيرة تمحورت حولَ «حقيقة المهمّة التي أوكلت إليه» وخاصة في ظل تصاعد التوتر بين جماعته و«جبهة النصرة» («الأخبار»، العدد 2642). ورغمَ أنّ التطوّرات الميدانيّة في الفترة الممتدة بين عودته «آمناً» وامتناعه عن الخروج لدواعٍ «أمنية» كانت قد شهدت انحساراً لسيطرة «جيش الإسلام» عن بعض المناطق لمصلحة الجيش السوري، غيرَ أنّ ما كشفه تعليق تنفيذ اتفاق الحجر الأسود بسبب مقتل علوش يُدلل على أنّ المناطق التي يسيطر عليها «جيش الإسلام» ما زالت صالحةً للنفاذ من محيط دمشق إلى خارجها. وتؤكّد معلومات «الأخبار» أنّ مربط الفرس في كلّ ما تقدّم هوَ أنّ «تعذّر خروج زهران إلى الرياض لم يكن ناجماً عن خللٍ في مناطق السيطرة، بل عن إغلاق أبواب عمّان في وجهه». ثمّة روايتان في هذا السياق: الأولى يوردُها مصدرٌ من داخل «جيش الإسلام» أنّ الأمنيين المحيطين بعلّوش «تلقّوا تحذيراتٍ من أجهزة صديقة مفادُها وجودُ قرار سوري روسيّ، باستهداف الشيخ»، الأمر الذي دفعَ إلى اتّخاذ قرار بعدم المغادرة. والواقعُ أنّ هذه الرواية تتناقضُ معَ استمرار علوش في ممارسة مهماته «القياديّة» على النحو المعتاد: جولاتٌ واجتماعات وزياراتٌ تفقديّة. الرواية الثانية يوردُها «ناشطٌ إعلامي» موجود داخل الغوطة، ومحسوبٌ على مجموعةٍ مسلّحة أخرى. ويقول المصدر لـ«الأخبار» إنّ «الأردنيين أعلموا جماعة زهران صراحةً بعدم استعدادهم لتسهيل سفره هذه المرّة بسبب المستجدّات الدوليّة (خلافاً لكل المرات السابقة التي كانت فيها المملكة ممرّاً آمناً بحفاوة)». المصدر أكّد أنّ «المعلومات المتداولة على نطاق ضيّق تؤكد وجود دور استخباري أردني وراء استهداف علّوش. فالأردنيون سرّبوا المعلومات اللازمة إلى المحور السوري الروسي، ومهّدوا لقطف رأسه». ومن شأن هذه الرواية أن تطرح أسئلة كثيرة عن الدور الأردني وما يمكن أن يُفرزه في المرحلة التالية على مختلف الصّعد. وتبرز في هذا السياق المعلومات التي رشحت قبل فترة عن انتقال عدد من مقاتلي «جبهة النصرة» من الجنوب السوري إلى الشمال، وخاصّة أنّ اللائحة المتداولة تورد عدداً من «القياديين» الذين يحظون بعلاقات طيبة مع الاستخبارات الأردنيّة، مثل أبو ماريّا القحطاني، وسامي العريدي. ومن المعروف أن عمّان قد أوليت بقرار دولي مهمّة إعداد «لائحة التنظيمات الإرهابيّة» وهو دور لم يكن لها أن تؤديه لولا رضى روسي أميركي. ورغم أنّ السلطات الأردنيّة تبدو حريصةً على علاقاتها بالرياض، غيرَ أن هذا الحرصَ لا يرقى إلى درجة «التبعيّة المُطلقة»، في ظل «المهارة» الأردنيّة المعهودة في التكيف مع المتغيرات والتجاذبات الإقليمية والدولية.

وبدا لافتاً أنّ مصادر «جيش الإسلام» لم تورد أي تعليق على موضوع «الاختراق الأمني». وعلاوة على عدم اشتمال كلّ ما صدر عن «الجيش» على أي إشارة في هذا السياق، امتنع الناطق باسمه إسلام علوش عن الخوض في هذا الحديث. وردّاً على أسئلة «الأخبار» اكتفى علّوش بالقول: «لا أستطيع». كذلك، قال مصدر من «جيش الإسلام» إنّ «من المتعذّر إدلاء الأخ حمزة بيرقدار (وهو أيضاً متحدث رسمي باسم جيش الإسلام، وأصيبَ في الغارة ذاتها) بأي تصريح نظراً لوضعه الصحّي». كذلك؛ خلت أوّل كلمة لعصام بويضاني الذي خلف زهران من أي تناول للحادثة. واكتفى الأخير بنعي علوش، والتعهّد بـ«مواصلة مسيرة الثورة»، كما أكّد ما مفادُه أنّ قوّة فصيله لن تتأثّر، وأهدافه لن تتغيّر. ويراهنُ موالو «جيش الإسلام» على تكراره لسيناريو «حركة أحرار الشام الإسلاميّة» التي تجاوزت محنة مقتل معظم قادة الصف الأوّل فيها، بفضل دعم تركي مُطلق، يقابله دعمٌ سعودي مماثل لتركة علوش. وبرغم حرص كثير من المصادر على الإيحاء بأنّ خليفة علّوش يمتلك المؤهلات اللازمة للحفاظ على وحدة «جيش الإسلام» وقوّته، غيرَ أنّ فُرص تكرار سيناريو «لواء التوحيد» تحظى بنصيب وافر في حالة «جيش الإسلام»، فكما عُرف عن «التوحيد» البائد ارتباطه الكلّي بقائده عبد القادر الصالح، كان زهران علوش قادراً على اختصار «الجيش» بشخصه. وتؤكّد مصادر عدّة في الغوطة أنّ «مجموعاتٍ عدّة كانت تتحيّن الفرصةَ للانتقام من احتكار جيش الإسلام للمشهد في الغوطة وابتلاعه لعدد من الألوية والكتائب». وعلاوةً على عامل «الثأر» الذي يُرجح نزوع عدد من «الكتائب والألوية» إلى استعادة دورٍ سلبته هيمنة علّوش، ثمة عوامل أخرى تضع الغوطة أمام مفترق طرق مفصلي. ويأتي على رأسها نفاد صبر سكّان الغوطة الذين وجدوا أنفسهم يدفعون أثماناً مضاعفةً تُخالف ما وُعدوا به. ولا يتعلّق الأمر بالحصار المفروض على الغوطة فحسب، بل يتعدّاه إلى سياسة «القبضة الحديدية» التي انتهجها علّوش وفصيله على مدار السنوات الماضية. يُضاف إلى ذلك أن عملية استهداف علوش في حد ذاتها تبدو كفيلةً بترك أثرٍ نفسي سلبي داخل معظم المجموعات، بما فيها «جيش الإسلام». فالعملية أثبتت أن «لا خطوط حمراء»، وأن نموذج «الفصيل الذي لا يُقهر» يبدو ضرباً من المبالغة في تقدير القوّة، وخاصة في ظل التقدم المتتالي للجيش السوري على جبهات عدّة. يعزز هذه الفكرة أنّ نماذج التسويات التي أبرمتها الدولة السورية مع كثير من المجموعات في مناطق مجاورة مؤهلة لتشكيل عنصر «جذب» للمجموعات المسلّحة الصغيرة في الغوطة، ولا سيّما أنّ اثنتين من كبرى المجموعات في الجوار («داعش» و«جبهة النصرة») قد انتهجتا هذا الطريق، ولو أنّ الاتفاق قد جرى تعليقه.

«الرياض» إلى انهيار؟

وفي إكمالٍ للصبغة السياسيّة لحادثة استهداف علّوش، بدَت مُخرّجات «مؤتمر الرياض» عُرضةً للانهيار من جرّاء ردود الفعل المُعارِضة. أبرز الأحداث في هذا السياق تجّلت في شن «تيار بناء الدولة» (يرأسه لؤي حسين) هجوماً لاذعاً على «المُنسق العام للهيئة العليا للتفاوض» رياض حجاب. الأخير كانَ قد نعى علّوش، ورأى مقتله «تهديداً للتفاوض»، الأمر الذي وصفه «بناء الدولة» بـ«التصريحات المنفلتة لمنسق الهيئة العليا للمفاوضات الذي أوليناه مهمة التنسيق التي لا تخوله البتة إطلاق تصريحات صحافية تحمل مواقف سياسية لم يتوافق عليها أعضاء الهيئة». كذلك، حمل بيان «الائتلاف السوري المعارض» لهجةً تصعيديّة تلوّح بنسف المسار التفاوضي، وتطالب مجلس الأمن بـ«إدانة الاغتيال». وحرص «الائتلاف» على اتهام «الغزو الروسي» بـ«اغتيال قائد جيش الإسلام خدمةً لتنظيم الدولة، ومحاولةً لإجهاض العملية السياسية للأمم المتحدة في سوريا». وفي سياق متصل، نفى «المكتب السياسي لجيش الإسلام» أمس ما جرى تداوله عن «انسحاب الجيش من الهيئة السورية للمفاوضات». وقال د. محمد بيرقدار عضو «المكتب» وأحد المشاركين في مؤتمر الرياض إنّ «جيش الإسلام لم يتخذ قراراً بالانسحاب»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ هذا الأمر ما زال موضع دراسة و«تشاور مع قوى الثورة».

«النصرة» في خندق «الائتلاف»

باستثناء تنظيم «الدولة الإسلاميّة» تبنّت معظم المجموعات المسلّحة مواقف مشابهةً لموقف «الائتلاف» من مقتل زهران علّوش. «جبهة النصرة (تنظيم القاعدة في بلاد الشام)» أصدرت بياناً تنعى فيه علوش، الأمر الذي حرص عليه أيضاً كلّ من «الجبهة الشاميّة، جيش المجاهدين، حركة أحرار الشام، حركة نور الدين الزنكي، فيلق الشام، جبهة الأصالة والتنمية، الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام».

(الأخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى