في سورية بقلم:بنت الأرض
منذ بداية الحرب على سورية والسوريون “كلٌ يصلّي على شاكلته” من أجل سورية مدركين تماماً أن المصاب واحد وأن الرسل جميعاً إنما أُرسلت لتهدي لعبادة الله الواحد الأحد.
كان أهم أهداف الحرب على سورية هو إقناع السوريين أنهم ينتمون إلى مذاهب وطوائف، وأن يشعلوا نار الفتنة بينهم فكانت ردة فعلهم أن إقتسموا مناطق الأمان واتقسموا رغيف الخبز وأعادوا بناء حياتهم حيثما سمح لهم الأمن والأمان بذلك فكانوا إخوة متكافلين متعاضدين بغض النظر عن البقعة الجغرافية التي نزحوا منها أو نزحوا إليها. وفي هذه الأيام المباركة تَصَادف المولد النبوي الشريف مع عيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام ليؤكد للملأ أن المسلمين والمسيحيين أخوة في الدين وأن إلهم واحد وأن المؤمنين “كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله”، وأن عدم التفريق بين الرسل هو شرط أساسي من شروط الإيمان بالله عزّ وجلّ.
رغم كل الجهود التي بُذلت والأموال التي أُنفقت لاصطناع هذا الشرخ بين السوريين فإنك لا تجد سورياً اليوم يسأل أحداً عن طائفته أو مذهبه أو يعتمد هذا الإنتماء في أي صداقة أو تقييم أو علاقة. وربما يكون هذا هو الإنتصار الأهم على هذه الفتنة، الإنتصار الأهم هو الحفاظ على الشعور بالمواطنة والإنتماء للأرض والتاريخ ووضع هذا الإنتماء فوق كل اعتبار. وهذا ما يعيشه السوريون اليوم واقعاً وفعلاً لا كلاماً وادعاءً. المسيحيون كلهم يعايدون المسلمين في عيدهم، والمسلمون يعايدون المسيحيين في عيدهم، والجميع يصلّون في الكنائس والمساجد والمنازل من أجل سورية وعودة الأمن والأمان إليها ومن أجل استئناف حياتهم كما كانت عبر التاريخ أخوة في الدين والحياة، وفريقاً واحداً في عشق هذه الأرض والإنتماء الثابت والصلب إليها .
في هذا العام إن تتالي عيد مولدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلّم مع عيد رسول المحبة والسلام عيسى بن مريم عليه السلام، جسّد دروس كتاب الله والذي تعتبر سورة مريم عليها السلام من أجمل سوره، وجسد تاريخ الجامع الأموي الذي مارس المسلمون والمسيحيون فيه أداء الصلاة إلى أن اتفقوا على بناء كنيسة قرب الجامع، وجسد تاريخ التعايش بل والعيش المشترك الغنيّ والعميق بين جميع الأطياف والأعراق والمذاهب في سوريا التاريخ على مدى قرون طويلة رغم كل حروب الغزاة الطائفية والتي حاولت مراراً وتكراراً عبر هذا التاريخ أن تزرع الارض حقداً وكراهية بدلاً من المحبة والتسامح والتآلف بين أبنائها.
لقد كانت الحرب على العراق من أكثر الحروب التي حاولت نهاراً جهاراً غرس بذور الفرقة الطائفية بين أبناء شعب عاش متجانساً متحاباً على مرّ العصور، وكان استخدام اللغة الطائفية وارتكاب المجازر الطائفية صارخاً من أجل استقدام هذا الأسلوب من العيش إلى منطقتنا تمهيداً لتركيز أسسه وتفتيت بلداننا وتقسيمها إلى طوائف ومذاهب وأعراق. ومازالت هذه المحاولات قائمة حتى اليوم حيث لا يسمح لجيش وطني أن يحارب الإرهاب لأن العمل جارٍ من أجل خلق جيوش طائفية تكون الأساس المرتجى لتقسيم العراق. لقد رأى السوريون بعين الدارس المتيقن ما تم تخطيطه للعراق، وكانوا منذ اللحظة الأولى متوجسين من تكرار التجربة في سورية، فوقفوا ضد الإرهاب والتكفير بكل طوائفهم وانتماءاتهم وحاربوا جميعاً كلّ محاولات الفرقة والإنقسام. وهاهم اليوم يتأكدون للمرة الألف أن الله معهم في وحدتهم وقتالهم النبيل ضد كل محاولات فرقتهم وتقسيمهم، وهاهم اليوم ماضون من خلال الجيش العربي السوري والمجتمع السوري بكل فئاته وأطيافه، ماضون في حربهم ضد ما استُقدم إليهم من مخططات التفتيت من خلال أدوات مرتزقة هي رأس حربة للصهيونية وأعداء الأمة العربية.
في هذه الأعياد المسلمة المسيحية نقول كل عام وأنتم بخير لكل المواطنين السوريين الشرفاء الذين يؤمنون أن الله واحد، وأن الإيمان الحقيقي يكمن في محبة كل الناس وصولاً إلى وحدانية الله عزّ وجل.
كل عام والمسلمون والمسيحيون منتصرون في سورية بوحدتهم وإخائهم وعشقهم للأرض والتاريخ قبل انتصارهم بالسلاح، لأن هذه المحبّة والوحدة هي السلاح الأمضى لعزّة واستمرار وازدهار الأوطان.
انتهى