مقالات مختارة

مرجعية جديدة للحل في سورية حميدي العبدالله

 

منذ اندلاع الحرب على سورية، وتحديداً قبل استفحالها عسكرياً وإرهابياً، كانت تفاهمات «جنيف 1» هي المرجعية السياسية الوحيدة لأيّ تسوية تعاقدية متفاهم عليها سورياً.

وقد صدرت تفاهمات «جنيف 1» تحت تأثير عاملين اثنين، الأول هو إلحاح روسيا على الحلّ السياسي بعدما كانت قد استخدمت الفيتو ضدّ قرارات تسعى لإسقاط الدولة السورية، وتكرار ما جرى في ليبيا، والثاني حاجة الولايات المتحدة وحلفائها من دول المنطقة لبعض الوقت من أجل تنفيذ مخطط سرّي تمّ وضعه لإسقاط الدولة السورية.

إذ من المعروف أنّ تفاهمات «جنيف 1» بين روسيا والولايات المتحدة تمّ التوصل إليها في شهر حزيران عام 2012، ولكن بعد مرور حوالى شهر على هذه التفاهمات تمّ تنفيذ الخطة السرية والتي تجلت باغتيال أعضاء «لجنة الأزمة» الحكومية في مكتب الأمن القومي، وفرار رئيس الحكومة السورية رياض حجاب، واستيلاء المسلحين على أحياء في حلب ودمشق، وهما العاصمتان السياسية والاقتصادية، وتضمّ المدينتان حوالى نصف سكان سورية، لهذا كانت الدول التي وضعت المخطط السرّي لإسقاط الدولة السورية بحاجة إلى خلق حالةٍ من الاسترخاء لدى الدولة السورية وحلفائها من أجل تنفيذ هذا المخطط، وبالتالي كانت موافقة الولايات المتحدة على «جنيف 1» مجرد حملة علاقات عامة لكسب الوقت، ولهذا ظلت هذه التفاهمات، أولاً حبراً على ورق، وثانياً افتقرت للآليات التنفيذية، فضلاً عن الصياغات العامة لبنودها، ولا سيما تلك التي تقرّر مصير الدولة السورية.

وعلى الرغم من فشل المخطط السرّي لإسقاط الدولة السورية، وعلى الرغم من التحوّلات الميدانية الكثيرة، وبعضها كان في مصلحة الدولة السورية. ظلت «جنيف 1» هي المرجعية الوحيدة، وأصرّت الولايات المتحدة وحلفاؤها على رفض أيّ مرجعية أخرى، إلى أن جاء الإسهام الروسي في الحرب على الإرهاب, وتبدّدت الآمال والرهانات على إسقاط الدولة السورية، وتعاظم خطر التنظيمات الإرهابية بعد خروجها عن السيطرة، ليؤدّي كلّ ذلك إلى تحوّلين سياسيّين على جانبٍ كبيرٍ من الأهمية، التحوّل الأوّل، تشكيل ما يُعرف بمجموعة الدعم الدولية لسورية التي تضمّ 17 دولة من المؤيدين ومن المعادين للدولة السورية، وتجاوز «مجموعة دعم الشعب السوري» التي كانت محصورة بالدول التي تقف ضدّ الدولة السورية، التحوّل الثاني، التوصل إلى مبادئ وآليات لحلّ الأزمة السورية أكثر تحديداً وأقلّ عمومية، تمثل ذلك بقرارات «فيينا 1» و«فيينا 2» وجاء تبنّي مجلس الأمن القرار 2254 الذي رفع هذه التفاهمات إلى مستوى الخطة المدعومة بإجماع أعضاء مجلس الأمن, ليكرّس كلّ ذلك مرجعية جديدة في الأزمة السورية غير مرجعية «جنيف 1» حتى وإنْ كان «جنيف 1» بنداً من بنود هذه المرجعية.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى