مجلس الأمن وسوريا: خطوة أولى في معاناة الألف ميل! محمد بلوط
ليست نهاية المحنة، لكن ضوءاً ما بات يلوح في النفق السوري الدامي والمظلم والطويل.
وقد لا يكون القرار الذي صدر بالإجماع عن مجلس الأمن ليل أمس، قد فتح بوابة السلام السوري، ولكن مصاريعها اهتزت بالتأكيد، فيما كانت مخرجات القرار 2254، وبنوده الـ15 تتدحرج من نيويورك، وهي تدعو للمرة الأولى في قرار دولي إلى إسكات السلاح في سوريا، وتبني بيان فيينا وجنيف واحد وتحويلهما إلى خريطة طريق الحل السياسي في سوريا، مع غلبة واسعة لبيان فيينا، وجدول زمني يربط بين وقف إطلاق النار وبين تشكيل حكومة موسعة، فإجراء تعديلات دستورية، فإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون 18 شهراً، إذا ما سارت الأمور على ما يرام.
ويمكن الجزم أن القرار الصادر بالأمس عن مجلس الأمن هو احد النتائج المباشرة للانخراط الروسي في سوريا، وهو التوصل إلى خريطة طريق لحل سياسي، بعد 80 يوماً من انطلاق «عاصفة السوخوي»، التي استطاعت أن تقلب المعادلة في سوريا للمرة الأولى منذ خمسة أعوام، لمصلحة الحل السياسي.
وللمرة الأولى يبدو خيار الدخول في مفاوضات سياسية بين المعارضة والحكومة السورية أكثر جدية من أي وقت مضى. وقد يكون أيضاً زمن استنزاف الجيش السوري والروس والإيرانيين و«حزب الله» في سوريا قد بدأ بالنفاد، لكن ينبغي انتظار الأسابيع الأولى من العام المقبل، لاختبار التفاهمات، عندما يبدأ الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا باستخدام القوة الجديدة التي محضه اياها الروس والأميركيون، عبر لقائهم الأول في مجلس الأمن حول قرار جوهري، لتأليف وفد معارض، من مجموعات تقبل جدياً بالحل السياسي، ويخرج للمرة الأولى جزء واسع منها، من الوصاية التركية والسعودية والقطرية إلى منصات اختارتها روسيا، ودفعت بها إلى دي ميستورا لكي يختار منها وفد المعارضة، لا سيما لجنة مؤتمر القاهرة، التي يقودها المعارض البارز هيثم مناع، أو مؤتمر موسكو، الذي غلب فيه حضور المعارضة الداخلية في جولتيه المتتاليتين، مع التنويه بفائدة مؤتمر الرياض لإرضاء السعوديين، واستبعاد أي تمثيل عسكري بحصر الوفد التفاوضي بهذه المجموعات، وهي نكسة للأتراك والسعوديين والقطريين الذي كانوا يعوّلون على تحويل المجموعات المسلحة إلى كيانات سياسية، لدمجها في المسار السياسي، وقيادته عن بعد.
وتحتوي منصات لجنة القاهرة وموسكو عناصر اعتدال، وتوازن، في مواجهة «الائتلافيين»، والمجموعات «الاخوانية» أو السلفية، التي لا تزال تفرض شروطاً، تجاوزها التفاهم الروسي ـ الأميركي في القرار الدولي، وتتجاهل الحقائق الميدانية والسياسية، باستمرارها في المطالبة بتنحي الرئيس بشار الأسد في بداية المرحلة الانتقالية، كما حدث في مؤتمر الرياض لعرقلة أي حل سياسي، ورهنه بمشيئة تركية أو سعودية، قبل أن يحسم الأميركيون والروس.
ويستبعد القرار من أي مفاوضات كل المجموعات التي لا تقبل بسوريا موحدة مستقلة ذات سيادة وغير طائفية، وهي عتبة لا يمكن للكثير من المجموعات المسلحة، أو السياسية تخطيها.
ويدعو القرار دي ميستورا إلى تنظيم مفاوضات قريبة جدا. وتبدو سوريا على موعد مهم في كانون الثاني لاختبار القرار الدولي الأول الذي يعبر عن تفاهم أميركي ـ روسي، والذي يتبنى رسميا خريطة الطريق نحو حل سياسي في سوريا، كما صاغها الروس في فيينا، والعودة إلى قراءة روسية لبيان جنيف الذي يكرس القرار بوضوح، والوضوح ليس ميزة القرارات الدولية، خصوصا بشأن هيئة انتقالية ذات صلاحيات كاملة لكن تحت قيادة سورية. ويضع ذلك الأسد في قلب المرحلة المقبلة، ولكنه يرهن استمراره في منصبه، بمشيئة السوريين، وبانتخابات تحت رقابة دولية في غضون 18 شهراً.
ويغلب على القرار في صيغته الأولى خريطة الطريق الروسية، التي تتميز بامتلاكها جدولا زمنيا واضحا، يوقف إطلاق النار، مع إطلاق العملية السياسية. ويطلب القرار من الأمم المتحدة تنظيم آليات تطبيق ومراقبة وقف إطلاق النار خلال شهر. والأرجح أن كل تفاصيل العملية، متوفرة في أدراج الأمم المتحدة، وقسم قوات حفظ السلام، الذي بدأ منذ سنوات، العمل على دراسة آليات وقف إطلاق النار، واستطلاع الدول التي يمكنها أن ترسل مراقبين وقوات فصل إلى سوريا .
واستبعد القرار الدولي من وقف العمليات العسكرية، دفاعية أو هجومية، «داعش» و»جبهة النصرة» وجماعات مماثلة كي لا يحسم النقاش في القائمة السوداء. و كان الأردن قد أحصى 160 تنظيما ومجموعة مسلحة، لوضعها على تلك اللائحة، وسلمها إلى موسكو. وأثنى القرار على الجهد الأردني، ولكن تأجيل نشر القائمة أو التوافق عليها يعكس مقاومة سعودية وتركية لوضع «احرار الشام» و»جيش الاسلام» على اللائحة كما يطالب بذلك الروس.
ومن المتوقع ان يستمر البحث بها في الأيام المقبلة، خصوصا انه من غير الممكن استمرار العمليات الروسية في الشمال السوري، بعد صدور القرار، من دون إلحاقه باللائحة التي تفرز المجموعات المسلحة غير الإرهابية، التي يمكن عندها دعوتها إلى المشاركة في الحرب على الإرهاب، ومواصلة الحرب على المجموعات الأخرى، وهي حرب ستؤدي إلى إضعاف التدخل التركي، خصوصاً ان اللائحة المقترحة أردنيا، تتضمن أسماء مجموعات تسيطر بشكل رئيسي على أرياف ادلب وحلب، كـ»احرار الشام»، و»جيش المهاجرين والانصار»، و»جند الاقصى» في ارياف حماه، و»نور الدين الزنكي» في ريف حلب الغربي بشكل خاص، وهي كلها امتدادات تركية، يريد الروس من وصمها بالإرهاب تصفية ما تبقى من تهديد تركي للشمال السوري، وللعملية السياسية .
والاهم أيضا، أن القرار يعيد الاعتبار إلى الأمم المتحدة، بتفعيل دورها في تنفيذ قرار مجلس الأمن، وتطبيق وقف إطلاق النار، والإشراف على مراقبته، وتقليص الأدوار الإقليمية، وإلغاء ما صدر عن مؤتمر الرياض، وتحويل فيينا وجنيف إلى مرجعية ثابتة دوليا، وإنهاء الشروط المسبقة لأي مفاوضات. كما يسقط القرار في طريقه أيضا، كل المرجعيات التي نبتت على تخوم الصراع السوري، كمجموعة أصدقاء سوريا، إذ ينص القرار بوضوح أن المرجعية في المسار السياسي السوري، هي مجموعة الدعم الدولية، المكونة من 17 دولة اجتمعت في فيينا «واحد» و»اثنين»، وعلى رأسها روسيا وإيران.
واعتبر وزير الخارجية الاميركي جون كيري أنه لا بد من اتخاذ قرارات في غضون شهر أو شهرين بشأن طبيعة حكومة الوحدة السورية، فيما اشار نظيره الروسي سيرغي لافروف الى انه من الممكن التوصل لاتفاق بشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية في سوريا خلال ستة أشهر.
وقال مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري إن دمشق توافق على القرار، والحكومة السورية مستعدة لوقف الاشتباكات في المناطق التي يتواجد فيها المسلحون السوريون وتسوية وضعهم، وسنواصل الحرب في المناطق التي يتواجد فيها إرهابيون.
(السفير)