الحريري يبحث عن ضمانات لاحتكار السنة ابراهيم ناصرالدين
دخلت جميع الاطراف السياسية في مرحلة معالجة «الهزات» الارتدادية «لزلزال» التسوية الرئاسية المفترضة كل لدى حلفائه، في الانتظار لم يضف النائب سليمان فرنجية الكثير في اطلالته الاعلامية، لم يكن في موقع اتهام لتبرئة نفسه امام حليفه «الاساسي» حزب الله، ضماناته للحريري «عامة» تحتاج الى تصديق لاحق من الحزب، اما ما كشفه عن توتر في العلاقة مع «الجنرال» فليس جديدا، وتقديم الادلة على «نرجسية» الوزير جبران باسيل ليس جديدا ايضا، فـ «الرجل» يبدو غير قابل «للعلاج»، لكن حزب الله مستمر في محاولة «رأب» الصدع بين الحلفين، تبدو مرحلة معالجة الاهتزازات في كلا المعسكريين طويلة، اما الخلاصة فتفيد بان الاستحقاق «الرئاسي» متروك «للزمن» وفي هذا الوقت يدور النقاش في مكان آخر…
بحسب اوساط سياسية مطلعة، اتضح ان رئاسة الجمهورية كـ«موقع» ليست هي المشكلة لدى الرئيس سعد الحريري، وملء الشغور الرئاسي «مش اولوية»، ولو رضي وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل بالعماد ميشال عون لكان «زعيم المستقبل» تبنى ترشيحه الى النهاية ولكنه لم يكن قادرا على الوقوف في وجه «الفيتو» السعودي آنذاك، وهو غير قادر على اعادة طرح اسم الجنرال مجددا لانه غير قادر على تسويقه مع القيادة الجديدة في المملكة، لاسباب مختلفة اهمها الخلفيات «القبلية» الحاكمة في ادارة الملفات السياسية في المملكة.
يدرك الحريري ان رئاسة الجمهورية بصلاحياتها الراهنة لا تستطيع ان تعيق حركة السلطة التنفيذية في البلاد، ويمكن تجاوزها في الكثير من الملفات الداخلية عبر تحالف القوى التقليدية داخل المنظومة السياسية اللبنانية، وخلال «رحلة» الحوار مع عون لمس جديا امكانية تجاوز الكثير من المواقف المتصلبة في ادارة السلطة، تقول الاوساط، ويدرك انه مع سليمان فرنجية رئيسا سيتمكن من ذلك، تحت العنوان القديم الجديد المتمثل بتشكيل حكومة وحدة وطنية، يعرف جيدا ان حزب الله سيكون كالعادة متنزها عن خوض غمار تقاسم الحصص فيها، والامور مع باقي الاطراف مقدور عليها بحكم التجربة السابقة التي اثبتت انه عند تقاسم المغانم لا خلافات كبيرة يمكن ان تعطل العمل الحكومي، شرط «العدالة» في توزيعها!
وفي البعد الخارجي لا يمثل الرئيس ثقلا يؤهله نقل البلاد من محور الى آخر، وتجربة الرئيس ميشال سليمان اكبر دليل على ضعف موقع الرئاسة وانعدام القدرة على التأثير في موقع لبنان من المحاور المتصارعة في المنطقة، الثقل الحقيقي تضيف الاوساط، في المعسكر الاخر يمثله حزب الله، واثبتت التجارب ان محاولات محاصرته بالادوات الرسمية وغير الرسمية لم تكن مجدية. الرئيس سليمان انهى عهده دون ان يؤدي «انقلابه» على محور المقاومة الى اي نتائج عملية ومؤثرة في توازن القوى القائم في البلاد او خارج الحدود. تأثير موقع الرئيس بعد الطائف بات منعدما، الكل يدرك ذلك، وخصوصا تيار المستقبل الذي عطل الانتخابات طوال هذه المدة و«الهب» مشاعر جمهوره وحلفائه بشعارات «كاذبة» تهول من احتمالات وصول رئيس من الفريق الاخر بسبب ارتباطاته الخارجية، مع العلم ان المعركة لم تكن هنا، وانما في مكان آخر يرتبط بضمان هيمنة الحريري على طائفته في لبنان، والدليل تجاوزه علاقة فرنجية «الحميمة» بالنظام السوري، وارتباطه العضوي بمحور المقاومة، مقابل ماذا؟ مقابل الحصول على قانون انتخابات لا يفقده الحصرية في تمثيل السنة، لان هذه الحصرية تمثل «الاوكسجين» الذي يسمح له بالبقاء على «قيد الحياة» سياسيا وماليا.
وتلفت تلك الاوساط، الى ان الازمة الحقيقية بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل تكمن في ان سمير جعجع ظن للوهلة الاولى ان الحريري يخوض فعليا معركة السعودية في لبنان بوجه المحور الاخر، وان اي قرار سيتخذه لن يكون خارج سياق حسابات الربح والخسارة لهذا الفريق، لكنه ادرك متأخرا ان حسابات «زعيم المستقبل» ليست عميقة الى هذه الحدود، ونطاق قدراته محدودة الى درجة «هرولته» الى تسوية تضمن له فقط العودة الى رئاسة الحكومة مع الحفاظ على كتلة نيابية وازنة مع «حصرية» تمثيل السنة في لبنان، اما الشعارات الكبرى التي ادت الى ابقاء قصر بعبدا شاغرا فلم يقدم الحريري اي تبرير يذكر للتراجع عنها وتعامل مع الملف وكأنه لم يسمع بها من قبل، وما يزال السؤال «القواتي» الملح معلقا دون اي اجابة، لماذا الان؟ ولماذا دفع المسيحيون من «كيسهم» طوال هذه المدة اذا كان الثمن «بخس» الى هذه الدرجة»؟ وهل تبرر الحاجة الشخصية هذا التجاوز «المهين» للمكون المسيحي الاكثر تمثيل في 14آذار؟
طبعا الحريري لا يجد نفسه محرجا لتقديم اجابات مقنعة، بحسب الاوساط، لكن على المقلب الاخر ثمة حسابات مختلفة، فحزب الله الحريص على عدم نقل المواجهة الى معسكرته، نجح في ابقاء وتيرة الثقة بينه وبين شريكيه المسيحيين على الوتيرة نفسها، ولم تتعرض علاقته معهما الى اي اضرار تذكر، وكل ما يقال عكس ذلك هامشي ولا يعتد به، اما خروج الخلاف بين عون وفرنجية الى العلن فليس الا اظهارا لخلافات قديمة لم تكن خافية على احد، وجاءت التسوية الرئاسية لتصب «الزيت على نارها». اما الاهم بالنسبة الى حزب الله فتثبيت قاعدة انتخاب الرئيس المقبل من الفريق السياسي الذي ينتمي اليه، وهذه نقطة تم تحصيلها دون عناء بعد اقرار الحريري بها، واي نقاش مستقبلي سيكون حول اسم الرئيس وليس هويته السياسية، وقد ثبت ايضا ان الحزب ما يزال «الرافعة» الجدية لاي تسوية مستقبلية، لانه الوحيد القادر على اعطاء الضمانات التي يريدها الفريق الاخر، يعرف الحريري ذلك منذ وقت طويل، وهذا ما دفعه الى تلقف مبادرة الرئيس نبيه بري الحوارية مع حزب الله، لكن ماذا عن الضمانات المطلوبة من قبل الحزب؟ هل يستطيع زعيم المستقبل تقديمها؟ او الالتزام بها؟
تلفت تلك الاوساط الى ان هذه النقطة جوهرية ستكون في اي نقاش جدي على هامش «سلة الرئاسة»، واصرار الحريري على ادعاء وجود محاولة لحصار السنة عبر قانون النسبية، غير صحيحة، لانه ينطلق من «معادلة» تريد اجبار الاخرين على حمايته سياسيا في وجه خصومه داخل طائفته، وهذا ليس دورهم، وليسوا معنيين بابقائه الزعيم الاوحد للسنة، هذا الدور منوط به وبتياره السياسي المعني بتقديم ما يخوله التيار الاكثر تمثيلا لجمهوره، فالنسبية لن تاخذ من حقوق السنة شيئا، ولكنها ستاخذ من طريق تيار المستقبل، كما ستاخذ من «طريق» غيره من الاحزاب في المقلب الاخر، لكن الفرق الجوهري ان حركة امل وحزب الله لا تضعفهما خسارة عدد من النواب في الساحة الشيعية، فيما يهتز «عرش» المستقبل ضمن بيئته ويجهض سنوات من العمل المضني لتفريغ الساحة السنية من قياداتها.
ولذلك فان الاسئلة الاساسية من الان وصاعدا لم تعد تتعلق بهوية الرئيس المقبل، بل بهواجس الحريري وامكانية تقديم التطمينات الضرورية التي تساعده على ترميم قواعده الشعبية، «زعيم المستقبل» يريد من خصومه جوائز ترضية تعوض فشله في الحفاظ على ارث ابيه السياسي والمالي، لا يريد دفع ثمن خياراته الخاطئة سوريا، يريد العودة الى السلطة كأن شيئا لم يكن، بالنسبة اليه «اذلال» حلفائه غير مهم وتفصيل صغير، طبعا لا يبالي بـ «كسر» ميشال عون والتيار الوطني الحر، يبحث عن ضمانات لنفسه دون ان يقدم شيئا في المقابل. فكيف يمكن ان تمر تسوية بشروط مماثلة؟ ربما نسي ان مكانة «الجنرال» عند حزب الله لا تشبه موقع «الحكيم» عند «المستقبل»، ونسي ايضا ان الحزب ليس «جمعية خيرية»!
(الديار)