أوروبا تتحصّن بوجه اللاجئين: «حرس الحدود»! وسيم ابراهيم
لم تخب التوقعات: العملاق الأوروبي بات أكبر من أن تمكن تقويته من دون عقار الأزمة السحري. مثلما كان عنوان «المزيد من أوروبا» الرد على الأزمة المالية، ها هو يأخذُ بعداً ملموساً أيضاً مع ما يسميها الأوروبيون «أزمة اللاجئين». بروكسل تقترح الآن إنشاء قوةٍ أوروبية لحرس الحدود وخفر السواحل، ما يشكل أكبر مشروع للوحدة الأوروبية منذ إطلاق عملة اليورو الموحدة.
هذه الخطة حملتها المفوضية الأوروبية، لتضعها أمام البرلمان الأوروبي، خلال جلسته المنعقدة في ستراسبورغ، موجهةً رسالةً قوية أحرجت كل من طالب بحلول شاملة. القضية محاطة بحساسية كبيرة. أساس المقترح نقل مسؤولية إدارة الحدود الخارجية للتكتل، في حال الأزمات، من الدولة الوطنية إلى هيئة أوروبية. صحيح أن تدخل قوات الحدود سيحدث بالتعاون مع الدولة المعنية، لكن في حال كان التقييم أنها غير قادرة على حماية حدودها «بشكل كاف»، فحينها سيكون القرار فقط بيد الهيئة الجديدة.
حساسية المسألة تأتي من كون الرقابة على الحدود هي في صلب السيادة الوطنية. إنها قضية تتعلق، أولاً وأخيراً، بالسؤال إن كانت الدولة قادرة على العناية بنفسها. أشار لذلك بوضوح ديمتريس أفرامابوليس، المفوض الأوروبي للهجرة والشؤون الداخلية، حينما قال خلال تقديم الخطة إن «هذا المقترح يتضمن أجزاء حساسة، فالدول عليها القبول بنقل جزء من مسؤولياتها» إلى هيئة عليا أوروبية.
بروكسل تريد أن تكون القوة الجديدة كاملةَ الأهلية، لتفادي ما يحصل مع الوكالة الحالية للرقابة الحدودية «فرونتكس». الأخيرة تعتمد على تطوعات الدول الأعضاء، الأمر الذي جعلها عاجزةً عن تلبية طلبات مساعدة قدمتها اليونان وايطاليا. القوة المقترحة سيكون لها موازنتها الخاصة، سيمكنها تجهيز نفسها بكل المعدات اللازمة لإنجاز مهامها، كما ستوظف مبدئياً نحو 1500 حرس حدود.
التهديدات الأمنية ستكون مدرجة ضمن مجال عمل الهيئة المشرفة على «وكالة الحدود البرية وخفر السواحل»، كما تسميها بروكسل. يفترض لها أن تعمل بمثابة «شبكة أمان»، تحتوي مركز تقييم للمخاطر الأمنية، يعمل على مدار اللحظة مع الدول الأوروبية. مثلما هي الحال مع موضوع مواجهة تدفقات اللجوء، ستكون الوكالة مخولة تقييم قدرة الدولة على التعامل مع وضع أزمة، لتقترح كيفية سدّ الثغرات التي تراها.
المرافعة التي قدمتها المفوضية الأوروبية هي ضرورة علاج الخلل قبل أن يصير مشكلةً وأزمة. نائب رئيس المفوضية فرانس تيمرمانس قال إن الهدف «تجنب أوضاع خارج السيطرة وتقوية قدرتنا المشتركة للتعامل مع الأزمات»، مضيفاً أن «الوكالة سيمكنها التحرك بسرعة لاستعادة السيطرة» حينما تكون الدولة «في أوضاع استثنائية» غير قادرة على ذلك.
القضية طبعاً متصلةٌ مباشرةً بصدّ اللاجئين، عبر التمييز بين من يستحق ولا يستحق الحماية. فوق ذلك، ستحتوي الوكالة على مكتب متخصص بـ«الترحيل»، لإعادة اللاجئين غير المقبولين. ستكون مسؤولة عن إنجاز رحلات التسفير، مع الدول المعنية، لكن على ذات منوال التدخل المباشر، ستكون قادرة على التحرك بقرار من هيئتها.
بعض المعنيين مباشرةً بتدفقات اللجوء اعتبروا أن كل ذلك لن ينفع لأن أساس الحل يبقى في مكان آخر. هذا ما أكدته لـ«السفير» آنثيكا كاراغيلي، منسقةُ مراكز تسجيل وتجميع اللاجئين في وزارة الهجرة اليونانية. رغم تشديدها على أن عملهم يتسارع لزيادة قدرة استيعاب تلك المراكز، لكنها شددت على أن «اليونان ليست بوابة أوروبا، بل تركيا»، قبل أن تضيف «الكلمة المفتاح هنا هي تركيا، نحتاج تعاوناً كبيراً معها إذا أردنا النجاح في إدارة تدفقات اللجوء والهجرة إلى أوروبا».
حينما يتحدث الأوروبيون عن نحو مليون ونصف المليون لاجئ دخلوا الاتحاد «بشكل غير شرعي»، فأغلب اللوم يوجه إلى اليونان على أساس «عدم الكفاءة» في إدارة الحدود. ترد كارغيلي على ذلك بالقول «أحياناً كان لدينا 11 ألف لاجئ ومهاجر يصلون يومياً، كان وضعاً صعباً للغاية، والآن بدأنا نستجيب بسرعة كبيرة لذلك»، معتبرة أن «اليونان تبذل أقصى جهدها، ويجب ألا ينسى أحد أننا دولةٌ عاشت مشكلات كثيرة جداً بسبب الأزمة المالية».
مآخذ اليونان وإيطاليا هي أنهما يقومان بقسطهما، لكن الآخرين لم يفعلوا شيئاً. الحديث هنا عن المقايضة بقبول إنشاء مراكز التجميع، مقابل إقرار آلية دائمة لتوزيع اللاجئين الواصلين وفق نظام الحصص. حتى نظام الحصص الموقت لا يعمل، بمعارضة شرسة من دولٍ عدة. مصدر ديبلوماسي، من دولة تدعم الخطة الجديدة، أكد لـ «السفير» أن خطة وكالة الحدود الجديدة هي من ضمن «حزمةٍ للرد على حجج الدول الرافضة للحصص. كانوا يقولون دائماً أنه من دون ضبط الحدود لن يعمل نظام الحصص، لن يكون لديهم عذرٌ الآن».
لكن ديبلوماسياً آخر، من دولة ترفض نظام الحصص، شكك بامكانية إقراره. قال لـ «السفير» إن «مفتاح الحل في يد تركيا وليس في يدنا»، معتبراً أنه «لا نتوقع أي حلول سريعة لأزمة المهاجرين. المفوضية يمكنها تقديم خطط قوية، لكن إيجاد حل خلال أشهر يحتاج عصا سحرية».
منطقة «شنغن» للتنقل الحر مهددة الآن بالانهيار، مع دول عديدة تفرض الرقابة على حدودها الداخلية. الحفاظ على «شنغن» من الانهيار كان أحد المحركات الأساسية، المعلنة صراحة، لخطة المفوضية التي حذرت من أنه «من دون مراقبة فعالة للحدود الخارجية ستصير شنغن من الماضي».
الخطة حظيت بدعم كبير في البرلمان الأوروبي، مع بعض الملاحظات حول ضرورة عدم تحولها إلى أداة لزيادة تحصين أوروبا في وجه قاصديها. بالنسبة لبعضهم، دول الاتحاد الأوروبي تتحمل مسؤولية أكيدة عن أرواح الناس الذين ماتوا غرقاً. دول الاتحاد الأوروبي لم تفتح أي قنوات «شرعية» تفتح باباً أمام من يحتاجون الحماية، بدل لجوئهم إلى شبكات التهريب. حتى في حال القادرين، من دول غير مأزومة، يصير تحصيل تأشيرة دخول إلى أوروبا مشقةً من الاوراق والشروط، لتبقى نتيجة القبول غير مضمونة في النهاية.
برلمانيو اليمين المتطرف، المتصاعد على طول دول التكتل، انتقدوا الخطة الجديدة، فهم يطالبون أساساً باستعادة قوة الدولة الوطنية. رغم أنهم كانوا يتحدثون عن حدودٍ «خارج السيطرة»، ليقولوا إن الاتحاد فاشل، خاطبوا ناخبيهم بأن الخطة هي خطوة جديدة لتحويل الاتحاد إلى «الولايات المتحدة الأوروبية».
تحويل الخطة الجديدة إلى واقع يلزمه تفاوض صعب، خصوصاً مع الدول التي تشكل بوابةً للاتحاد. حتى حينما قبلت اليونان مساعدة لإدارة حدودها، قبل أيام، جادلت طويلاً بأن من حقها تعيين المنسقين الأوروبيين.
لكن الأمور تسير على خير ما ترومه ألمانيا، المحرك الأساسي لمزيد من تقوية التكتل. من دون ضغط أزمة اللاجئين، ومع انتشار اليمين المتطرف، ما كانت بروكسل لتتجرأ على مجرد التفكير بخطوة كهذه. برلين عادت للحديث عن أهمية المحرك الثنائي للاتحاد، بعدما جرى الاعداد للخطة بمبادرة مشتركة مع باريس. تلك النقطة شدد عليها ميشيل روث، وزير الدولة الالماني للشؤون الخارجية، حينما قال «نعول على فرنسا، فمن دونها ما كان ذلك ليعمل»، قبل أن يضيف «أنا أؤمن بأن الحل الأوروبي سيكون ممكناً فقط إذا عملت ألمانيا وفرنسا معاً بتعاضد».
(السفير)