مقالات مختارة

«السّفاح» بلال ميقاتي: لستُ نادماً على ذبح علي السيّد! لينا فخر الدين

 

على قوس المحكمة العسكريّة، وقف ثلاثة شبّان بقاماتهم المربّعة. أطولهم لا يصل إلى مستوى المذياع المثبت عند المنصّة. واحد منهم لم ينبت حتى شعر لحيته ليغطي بشرته السّمراء، إذ إنّه لا يزال قاصراً، فيما يتراوح عمر الاثنين الآخرين بين 18 والـ21 عاماً وإن لا يظهر ذلك على محياهم.

ربّما من ينظر إلى وجه الثلاثة الذين تمّ إدخالهم إلى قاعة المحكمة وكأنّهم لا يدرون أين هم، يكاد يشفق عليهم، إلى أن يتبيّن من هم: عمر بازرباشي الملقّب بـ «حفيد البغدادي»، بلال ميقاتي الملقّب بـ«أبو عمر اللبناني» (ابن عمّ أحمد سليم ميقاتي)، وعيسى عوض (ابن شقيقة أحمد سليم ميقاتي) الملقّب بـ «أبو مريم».

صحيح أنّ هؤلاء هم نموذج عن مراهقي تنظيم «داعش» الذين بايعوا «خليفته»، إلا أنّ المهمّة الموكلة إليهم لم تكن عاديةً، خصوصاً أنّهم انتقلوا إلى مراكز التنظيم إن كان في المناطق الحدوديّة أو الداخليّة. الأوّل (19 عاماً) هو من إعلاميي «داعش» وكان مصوّر عمليّتي ذبح العسكريين الشهيدين علي السيّد وعباس مدلج، والثاني (21 عاماً) هو «السفاح» الذي ذبح السيّد، والثالث (16 عاماً) هو، بحسب التحقيقات الأوليّة التي أجراها معه الأمن العام لدى توقيفه في أواخر تشرين الأول، انتحاري كان يعدّ العدّة لتفجير نفسه في مركز أو آلية للجيش.

كان من المفترض أنّ يتحدّث هؤلاء عن تجربتهم، فيما تمّ إرجاء الجلسة بعدما تبيّن أن ميقاتي لم يوكل محامياً للدّفاع عنه ولا يملك المال ليفعل، فطلب رئيس «العسكريّة» العميد الركن الطيّار خليل ابراهيم تسطير كتاب إلى نقابة المحامين لتوكيل محامٍ عنه.

وبرغم ذلك، أذهل «أبو عمر اللبنانيّ» الحاضرين بكلامه. جميع من في القاعة كانوا ينظرون إليه باستغراب. ابن الـ21 عاماً هو واحدٌ من قلّة الذين لا يعيرون أهميّة لما هم عليه ولا يعربون عن أسفهم لكلّ ما فعلوه. غطّى ميقاتي، أمس، على نعيم عباس الذي يمثل أمام «العسكريّة» بضحكته ولامبالاته. ففي نظرات ميقاتي ما هو أكبر من اللامبالاة، حتى قال العميد ابراهيم ما إن تمّ إخراج الموقوف من القاعة: «أوّل مرّة أشعر بالقرف. عندما سمعته خفتُ، لم أخف على نفسي وإنّما على البلد!».

كان «السّفاح» يقف بين الثلاثة وهو يوزّع ابتسامته على الحاضرين. يسأله رئيس «العسكريّة»، فيجيبه ضاحكاً، إلى أن سأله: «لماذا تضحك؟ أنت لديك الكثير من الدعاوى». وبدم بارد أجاب الموقوف: «مبسوط».

هذه الضحكة استفزّت ابراهيم الذي ردّد سؤال أحد أعضاء هيئة المحكمة: «إذا عاد وأمرك أحد الأمراء بذبح عسكري ثان، هل تفعل؟». بابتسامة ومن دون تفكير، ردّ ميقاتي: «لا أحد يعلم يمكن موت هلأ (الآن)»، وما إن كرّر ابراهيم السؤال حتى عاد وأجاب: «الله أعلم».

لم يكن الموقوف قاطعاً، كالسواد الأعظم من الموقوفين الذين يقولون، ولو كذباً، انّهم لن يعيدوا ما اقترفوه. بلال ميقاتي لم يفعل، بل ذهب أبعد من ذلك عندما سأله ابراهيم عمّا إذا كان نادماً عمّا فعله (ذبح السيّد)، ليجيب بلكنته الطرابلسيّة وضحكته تزداد اتساعاً: «عادي». أعاد ابراهيم السؤال أكثر من مرة، والموقوف متمسّك بإجابته حتى استعجل رئيس «العسكريّة» بإخراجه من القاعة وسط ذهول الحاضرين ليتمّ إرجاء الجلسة إلى 17 حزيران المقبل.

صديق أسامة منصور

واستجوب ابراهيم الموقوف محمّد العتري الذي لم ينكر معرفته بالموقوفين أو الفارين أو الذين قتلوا من الذين ينتمون إلى «داعش» و «جبهة النصرة»، فأشار إلى أنّ أسامة منصور كان زميله في الدراسة وهو على معرفة بعبدالله الجغبير وبلال العتر وعمر ميقاتي الذين انتقلوا معه إلى يبرود، حيث التحقوا بـ «كتائب الفاروق» قبل أن يسبقهم للعودة إلى لبنان قبل شهر ونصف، وذلك بعد إلحاح والدته.

وما إن عاد من رحلته، حتى ازداد «أبو عائشة» قرباً من منصور الذي كان قد التحق بـ «النصرة»، وصار يتردّد إلى «مصلى عبد الله مسعود» حيث كان يمكث الأخير وشادي المولوي، لافتاً الانتباه إلى أنّ منصور عرض عليه إخضاعه لدورة عسكريّة في فكّ وتركيب البندقية ولكنّه رفض على اعتبار أنّه كان مجنداً في الجيش اللبنانيّ ويعرف كيفية الفك والتركيب، ومؤكداً مشاركته في عدد من جولات العنف التي دارت بين باب التبانة وجبل محسن.

وبرغم التفاصيل الدقيقة التي رواها، أنكر العتري إفادته الأوليّة التي أقرّ فيها بمسؤوليته عن زرع عدد من العبوات الناسفة في طرابلس (في شارع المئتين وشارع محرّم وعلى جسر الخناق..) برفقة مرافق منصور المصريّ ابراهيم مصطفى عبدالله الملقّب بـ «أبو خليل المقلعط»، وذلك بأمر من منصور بعد البدء بتنفيذ الخطّة الأمنيّة.

وكشف أنّ «أبو عمر» كان يصنع العبوات الناسفة من قوارير الغاز الخاصة بالمكيّفات، ويعمد إلى إعلان مسؤوليته عن كل عملية يقوم بها ضد الجيش عبر تسجيل صوتي يرسله عبر «واتس اب» واصفاً فيه الجيش بـ «الكافر الذي يحارب أهل السنّة»، وواعداً بالمزيد من العمليّات.

وقد أشار الموقوف في إفادته الأوليّة إلى أن منصور أعطاه عبوة ناسفة موضوعة في كرتونة ليقوم و «أبو خليل المقلعط» بالانتقال على دراجة ناريّة بهدف زرعها في شارع المئتين حيث تمرّ آليات للجيش. وكان من المفترض أن يضغط «أبو خليل» على زرّ التفجير إلا أن العبوة لم تنفجر.

فيما لفت العتري الانتباه إلى أنّ الأمر لم يحصل كذلك وأنّه لا يعرف «أبو خليل المقلعط» بل إن منصور اتصل به بعد هدم منزله، وطلب منه تأمين كراتين بغية نقل أثاث منزله. ولما وصل وشاهد إحدى الكراتين ممتلئة بالنفايات اقترح أن يقوم برميها، إلا أن منصور رفض وحملها ثم توجّه مع «أبو خليل» إلى مكان يجهله ليفاجأ بعدها بأن الكرتونة كانت تحتوي على عبوة.

ونفى «صديق أبو عمر» ما قاله في إفادته الأوليّة بأنّه شاهد في إحدى المرات منصور يرحب ترحيباً حاراً بأحد زائريه في «مصلى عبدالله مسعود» ويدعى «أبو طارق»، ليتبيّن أن الأخير أعطى 30 ألف دولار لمنصور من «جبهة النصرة» مقابل تنفيذ عمليات أمنية لمصلحتها في لبنان.

وكان العميد ابراهيم ينوي مواجهة العتري بـ «أبو خليل المقلعط» الذي كان يفترض أن يمثل أمام «العسكريّة» في قضيّة تشكيل مجموعة مسلّحة، ليتبيّن أنّه لم يتمّ سوقه، فعمد إلى إرجاء الجلسة لهذا السبب ولاستجواب الموقوفين الآخرين إلى 18 المقبل.

«موكلي خروف»!

وفي «العسكريّة» أيضاً، استجوب ابراهيم المخلى سبيله عماد زغلول بجرم إضرام النار على طريق المدينة الرياضيّة بقصد تخريب الممتلكات ومعاملة عناصر الجيش بالشدّة، إلا أنّ زغلول أنكر الأمر أو أن يكون قد شارك بالاعتداء على مركز لـ «الحزب السوري القومي الاجتماعي» في طريق الجديدة. وأشار إلى أنّه حينها كان يعمل على نقل أحد الضباط الذين جرحوا وله صور على شاشات التلفزة وهو يقف بين عناصر الجيش.

وما إن أنهى الاستجواب حتى أشار وكيل الدفاع عنه المحامي هاني مراد إلى أنّه غير جاهز للمرافعة قبل أن يومئ له زغلول بأن يمضي بالمرافعة، لتكون واحدة من بين أغرب المرافعات في «العسكريّة». فما إن بدأ مراد بكلامه حتى ارتفع الضحك داخل القاعة، برغم جديّة المحامي وصوابيّة بعض ما قاله.

وقد أشار مراد إلى أنّ «القوى السياسية تملك خواريف، وموكلي خروف. هؤلاء وجدوا خروفاً فاستخدموه في صراعهم وما إن انتهوا منه حتى قاموا بإطلاق النار عليه. نعم موكلي خروف ويفترض ألا يقف هنا، بل يجب أن يقف مكانه الذين حرضوا واستغلوا الشعب اللبناني».

وحكمت «هيئة العسكريّة» على زغلول بالأشغال الشاقة لمدة سنتين.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى