«مصارحة» في «8 آذار».. و«مصارعة» في «14 آذار» نبيل هيثم
تعثرت «الصفقة الرئاسية» وركنت على رصيف السياسة الداخلية، وقد يمضي وقت طويل، ربما أشهر، قبل ان تستجد ظروف معينة تفرض على القوى السياسيّة الشروع باتمام الاستحقاق الرئاسي، إن باعادة احياء ترشيح سليمان فرنجية، أو بصياغة صفقة بديلة وبأسماء جديدة.
والى ان تستجد تلك الظروف، سيبقى المشهد السياسي محكوما بأولوية عنوانها «لملمة الخسائر والاضرار واعادة ترميم التحالفات»، فتلك «المبادرة ـ الصفقة»، اسقطت الضرر الكبير على فريقي «8 و14 آذار»، وحفرت عميقا في التحالفات على الضفتين، وخلّفت ندوبا وتصدعات كبيرة.
فريق «8 آذار» كان الاسرع في محاولة تضميد جراحه ولملمة خسائره وتنفيس الاحتقان بين مكوناته، واحتواء ما نتج عن الصفقة الرئاسية من ارباكات وتداعيات والتباسات وتباينات وافتراق في الموقف منها، وهنا كانت المسارعة الى عقد «قمة المصالحة» في الرابية بين ميشال عون وسليمان فرنجية، بدفع قوي ومباشر من قبل «حزب الله»، ثم تلتها «قمة المصارحة» بين السيد حسن نصرالله وفرنجية، على ان يليهما «في وقت قريب جدا» لقاء مباشر في دمشق بين فرنجية والرئيس السوري بشار الاسد.
وما بين المصالحة والمصارحة، قال كل طرف ما لديه بلا تشكيك او تخوين. اما خلاصة القمتين، فيوجزها قيادي حزبي بارز في «8 آذار» بقوله «متفائلون الى المدى الابعد، ونستطيع ان نقول اننا عدنا الى حيث كنا وكما كنا جسما واحدا وفريقا واحدا، والايام المقبلة ستثبت ذلك اكثر». واضح ان في هذا التفاؤل محاولة نسف للمقولة التي يروجها البعض من ان ما ألقته الصفقة على العلاقة بين عون وفرنجية وجمهور الرجلين، ليس من النوع الذي يندمل بسهولة، بل يحتاج الى عناية مركزة واستثنائية للحم ما انكسر.
واذا كان مستوى الاحتقان ضمن فريق «8 آذار» منخفضا الى مستوى اقل مما كان عليه بعد انكشاف طبخة الصفقة، فإنه ما يزال في اعلى مستوياته ضمن فريق «14 آذار»، خاصة وان العلاقة بين سعد الحريري وحلفائه محكومة بالتوتر وبعناوين اللاثقة والطعن في الظهر والتراشق على السطوح.
الشعور العام لدى حلفاء الحريري يتلخص بغضب متراكم استناداً إلى ما يلي:
– خسارة معنوية فادحة من تسوية نسجتها مصلحة حريرية ضيقة، وغضب من محاولة الحريري جلبهم الى «بيت الطاعة» والقبول بصفقة رئاسية تدمر كل ما بني منذ عشر سنوات.
– تقديم ربح مجاني لـ «حزب الله» وحلفائه، من خلال ظهور الحزب وفيا لحلفائه وصادقا معهم ومع جمهورهم. ما جعل حلفاء الحزب في موقع يحسدون عليه من قبل «14 آذار».
– التخلي «حتى عن ورقة التوت»، وعن الرئاسة الاولى لفريق «8 آذار» في سبيل العودة الى رئاسة الحكومة، بما يمنح هذا الفريق حرية التحكم بالاستحقاق الرئاسي، وحق الفيتو على اي مرشح، وحرية اعتبار ان الرئيس المقبل من «8 آذار» حصرا. اي انه مع انتفاء حظوظ ميشال عون، لم يعد مقبولا اي مرشح للرئاسة اقل من سليمان فرنجية.
– الشعور ان فرصة فرنجية ما تزال قائمة، فقد يكون فرنجية خسر ضياع فرصة انتخابه في الوقت الحالي رئيسا للجمهورية، الا انه في العمق قد يكون اكثر الرابحين، ذلك ان اسمه صار في نادي المرشحين الاقوياء فعلا، بعدما لم تعد صداقته لبشار الاسد او موقعه في خط المقاومة، مانعا لوصوله الى بعبدا.
– تجاهل الحلفاء والغدر بهم، مع انه ليس بجديد، اذ سبق لهؤلاء الحلفاء ان غُدروا من ذات الجحر اكثر من مرتين، وتبرز هنا محطتان: الاولى، انفتاح الحريري على سوريا وزيارته الشهيرة للرئيس بشار الاسد في العام 2009. والثانية، انفتاح الحريري على عون، والدخول معه في حوار رئاسي وموافقته على عون رئيسا مقابل ترؤسه الحكومة، الا ان الفيتو السعودي اطاح هذا الحلم.
– تسرّع الحريري، والدخول بلا تردد في معارك خاسرة دائما، وها هو يفشل في ان يكون صانع الرؤساء.
– قوة «الطرف الآخر» الذي استطاع ان يفشل تسوية بغطاء اميركي فرنسي فاتيكاني سعودي.
تبعا لذلك، لم يصل اتصال الحريري بسمير جعجع في الساعات الماضية، الى تخفيف التوتر السياسي، واقناع جعجع بالصفقة مع فرنجية، كما ان «الحليفين في الشكل»، لم يتفقا في هذا الاتصال على الاتفاق والتفاهم في ما بينهما بل اتفقا على الاختلاف.
هذا الافتراق بين حلفاء الامس، مرده الى ان الصفقة الرئاسية التي تبناها الحريري هدمت نهائيا الحلم الرئاسي لجعجع. كما انه، اي الحريري، وبرغم التعثر الذي شاب التسوية الرئاسية التي لم يعلنها رسميا بعد، يحاول ان يظهر مخالفته القائلين ان التسوية انتهت، وهو يصر على اعتبارها حية. وضمن هذا الاصرار تأتي اتصالاته المتتالية مع فرنجية، بالاضافة الى زيارة الموفدين من قبله الى بنشعي وآخرهم يوم السبت غطاس خوري ونادر الحريري، اللذان عقدا اجتماعا مع فرنجية، تم فيه استعراض ما احاط التسوية الرئاسية من مواقف مؤيدة او اعتراضية، وكل الاتصالات التي تمت في الآونة الاخيرة، بالاضافة الى بحث افاق المرحلة المقبلة، والخطوات التي يمكن اتباعها في الآتي من الايام.
(السفير)