الغرب ينتقد السعودية: هل من تغيير حقيقي؟ عامر نعيم الياس
توالت الانتقادات الغربية الموجّهة للسعودية من جانب النخب السياسية والأمنية خلال الأشهر الأخيرة، خصوصاً بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز وتولّي أخيه سلمان دفّة الحكم شكلياً في ظل صعود الجيل الثاني للقيادة في المملكة الهرمة ممثلاً بالأمير محمد بن نايف، والأمير محمد بن سلمان. هذه الانتقادات ارتفعت وتيرتها مع بداية السنة الحالية، فقد انتقد سيغمار غابرييل نائب المستشارة الألمانية ووزير الشؤون الاقتصادية والطاقة، تمويل السعودية «التطرف الإسلامي والمساجد ذات التوجّه الوهابي»، ورأى أن «وقت صرف الأنظار عن المملكة قد ولى»، هذا الانتقاد يأتي بعد تقرير لاذعٍ للاستخبارات الألمانية سحب من التداول لشنّه هجوماً عنيفاً على السياسات السعودية التي «تزداد اندفاعاً بشكل يربك جهود السلام».
رئيس الاستخبارات البريطانية الأسبق ريتشارد ديرلوف كشف في محاضرة ألقاها أمام «المعهد الملكي للخدمات المتحدة» أن التمويل السعودي «لعب دوراً هائلاً ومتواصلاً محورياً في استيلاء «داعش» على المناطق السنية في العراق»، وأضاف إن «داعش يركز على تنفيذ مخطط بندر بن سلطان لقتل كل من يعتبرونهم كفاراً بنظر العقيدة الوهابية». أما اللورد أشداون الزعيم السابق لحزب الديمقراطيين الأحرار فقد دعا إلى «إجراء تحقيق في تمويل الجهاديين في بريطانيا من جانب المملكة السعودية».
هذه الحملة التي يشنّها مسؤولون سابقون وحاليون في الحكومات الغربية تأتي في سياق تطورات لا يمكن التغاضي عنها وهي:
ـ صعود «داعش» وتمدّد عملياته باتجاه الغرب من هجمات باريس إلى هجوم نيويورك.
ـ طرح ملف الإرهاب في القارة الأوروبية باعتباره فكراً إيديولوجياً وليس حالات إفرادية كما حاول البعض في الغرب الترويج له. هذه الإيديولوجيا التي تشكل الوهابية نواتها.
ـ ملف اللاجئين وصعود اليمين في أوروبا وطرح مسألة الهوية الأوروبية على طاولة البحث، ربما نتائج الانتخابات الإقليمية الفرنسية تلقي الضوء على هذا الأمر بشكل لا لبس فيه.
ـ الشبكات الجهادية التي ترسل وتستقبل المقاتلين من وإلى القارة الأوروبية، وارتدادات ذلك على أمن القارة الأوروبية، فهجمات باريس أبرزت دور العنصر الإرهابي العائد من سورية.
ـ اليمن والمذابح التي ترتكبها القوات السعودية بحق المدنيين هناك، في ضوء فشل عسكري وتسليم عدن لـ«القاعدة» و«داعش.»
ـ إعادة الغرب لحساباته في ضوء الاتفاق النووي مع إيران والاعتراف بالدولة الإيرانية قوة إقليمية شرعية لها مصالحها في المنطقة.
هذه الأمور السابقة دفعت باتجاه رفع وتيرة الانتقادات لآل سعود وحكمهم، لكن هل تدفع هذه الانتقادات للتغيير المرجو ويرفع الغطاء عن المملكة؟
تقرير الاستخبارات الألمانية سحب من التداول بقرار رسمي لا يريد التصعيد مع المملكة، والولايات المتحدة ليست في وارد التخلي عن تحالفها العميق مع آل سعود. هذه السنة وحدها، وقّع البيت الأبيض مع الملك سلمان عقوداً للتسليح تصل قيمتها إلى 24 مليار دولار. كل ما سبق يجري وسط حذر غربي في التعامل مع إيران لا يمكن أن يبلغ في المدى المنظور مستوى يؤهل الغرب للاستغناء عن الرياض وحكامها، وبهذا المعنى فإنه لا وجود لتغيير حقيقي في السياسة الغربية تجاه السعودية، خصوصاً ما تعلق بنمط العلاقة التي تربط الغرب بالنظام السعودي وشكلها، لكن التغيير الذي من المرجح أن يتم يتعلق برسم سقف للتحرك السعودي الدعوي في الغرب، وحتى في بعض الملفات الاقتصادية المتعلقة بالاستثمارات المالية السعودية داخل الدول الغربية، ملفان ستتحرك النخب الحاكمة في الغرب لامتصاص غضب الرأي العام وبعض النخب من السياسة السعودية الدولية.
(البناء)