مظلة الدولة تمتد ببطء نحو حي الوعر زياد حيدر
ظلت حمص متقدمة على بقية المدن السورية، بقدرتها على إنجاز تسويات صعبة، في زمن الحرب، توفر المزيد من الأرواح وتضع حداً لتصاعد العنف الذي حصد فيها آلاف الضحايا.
وأمس ارتفعت فرص المدينة بعودة السلطة الكاملة للدولة إلى كامل أراضيها، بعد عامين من التفاوض، وأربع سنوات من الحرب، وعشرات الاجتماعات التي حاولت الوصول إلى مثل هذا النهار.
ونجحت اللجنة الخاصة باتفاق الوعر، كما سبق ونجحت لجان مشابهة في أحياء حمص الأخرى وريفه أيضاً، في استرجاع حي الوعر، ولو بشكل متأن وبطيء إلى كنف الدولة، بطريقة تذكّر بالعبثية التي اتسمت بها هذه الحرب هنا وفي بقاع عديدة من سوريا، وصولاً إلى النتيجة ذاتها التي تعثرت مراراً ولكن كانت ممكنة منذ سنوات مضت.
وصباح أمس انطلقت الحافلات الخضراء ذاتها، التي رافقت المقاتلين في حمص القديمة، وأخرى بيضاء برفقة من سيارات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر، وبإشراف من عربات الأمم المتحدة لمتابعة الخطوات الأولى من تنفيذ الاتفاق، والتي تبدأ بمغادرة «المعطلين» للاتفاق، الذين لطالما اشتكى منهم محافظ حمص طلال البرازي، بالنيابة عن نفسه وعن غيره، واصفاً إياهم بـ«المتشددين».
ومنذ السادسة صباحاً بدأت الحافلات بنقل المقاتلين مع أسلحتهم الخفيفة، ومن دونها، والعائلات المرافقة لهم، وذلك في مكانين منفصلين ضمن الحي، حيث صعدوا إليها وفقاً لجداول اسمية متفق عليها.
واختلفت الأرقام المتداولة لمن خرج، إلا أن البرازي أكد لـ «السفير» أنهم بالإجمال 742 شخصاً، بينهم ما يقارب 447 مدنياً. بدورها أشارت مصادر المعارضة إلى أن بينهم 100 إمرأة تقريباً، كما أن بينهم جرحى.
وتعددت المناطق المقترحة لوجهات المغادرين، وبينها مناطق في ريف حماه الشمالي (قلعة المضيق) وإدلب، وهؤلاء من عناصر «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» بشكل أساسي، إضافة لعناصر تنظيمات أخرى ضعيفة، مع الإشارة إلى احتمال انتقال البعض ممن لديه ميول نحو تنظيم «داعش» إلى مدينة الرقة.
المهم، أن ما يعني المدينة، هو انطلاق عملية التسوية، والتي تعني أيضاً تسليم ألفي مسلح تقريباً أسلحتهم لاحقاً في إطار تسويات ستجري لكل شخص، وسوف تستمر لحوالي شهرين. واتفق الطرفان، في اللجنة المشتركة التي ضمت مسؤولين حكوميين وممثلين عن الحي وعن الفصائل المقاتلة، على ثلاث مراحل للتنفيذ، تتضمن إحداها «تقديم لوائح بالمعتقلين والمخطوفين من أبناء المدينة لدى الطرفين». وتشكل هذه القضية الأخيرة محوراً أساسياً في العلاقة المتوترة القائمة بين الحي وباقي المدينة، في إطار من الاتهامات المتبادلة بالقصف والتفجير والخطف والانتقام المتبادل.
وتتضمن كل مرحلة من الاتفاق فترة تنفيذ تستمر 25 يوماً تقريباً، يتم بعدها الانتقال بالاتفاق إلى المرحلة التالية، انطلاقاً من وقف كامل لإطلاق النار والعمليات العسكرية، وخروج المعطّلين للهدنة، وتقديم لائحة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة الموجودة بالحي، والسماح بعمل اللجان الإغاثية، وفتح معبر «دوّار المهندسين» لمرور المشاة، وتحضير لوائح بالمفقودين، والمعتقلين وتحديد أماكن اعتقالهم.
وفي المرحلة الثانية يتم جمع السلاح المصرّح عنه في مستشفى البر والخدمات الاجتماعية بالوعر، وبإشراف لجنتين من الحكومة والحي، وإعادة تفعيل القصر العدلي، وإطلاق سراح المعتقلين، عدا المحكومين والمحالين إلى القضاء.
وبخصوص المرحلة الثالثة، والمتوقع تنفيذها في الأيام الأولى من العام المقبل، فسيتم فيها جمع جزء من السلاح المتبقي في مستشفى البر بالوعر، وإطلاق سراح الموقوفين والمحالين إلى القضاء والمحكومين، وخروج دفعة أخرى من الراغبين بالخروج، أو المعطّلين للاتفاق أو الهدنة.
وقال البرازي، لـ «السفير»، إن «المرحلة الأولى أمس تضمنت خروج 104 من المسلحين من دون سلاح، يرافقهم 447 فرداً من المدنيين بينهم نساء وأطفال، و172 مقاتلاً مع سلاحهم الفردي، إضافة إلى خروج 19 مصاباً بسيارات الهلال الأحمر السوري». وأكد أن «دور الهلال الأحمر العربي السوري والأمم المتحدة يقتصر على تقديم الدعم اللوجستي لإخراج المسلحين من داخل الحي».
وتزامناً مع بدء عملية الإخلاء بدأت لجنة مكونة من وجهاء في حي الوعر ومسـؤولين حكوميين بدراسة الملف المعقد للمخطوفين والمفقودين والمعتقلين. وقال مسؤول حكومي، لـ «السفير»، إن عدد المفقودين المقدر في حمص هو حوالي 800 ليسوا بالضرورة مرتبطين بملف الوعر، فيما لا يزال موضوع المخطوفين قيد البحث، ولا سيما الأسماء التي قالت مصادر، لـ «السفير»، إنها بلغت 9 حتى الآن من الحالات التي يمكن «تلمس خيوط قضاياها».
من جهتهم، سيقدم وجهاء الوعر لائحة تضم 630 اسماً ليقوم الجانب الحكومي بدراسة أوضاعهم. وبيَّن البرازي، في هذا السياق، أن بعض هؤلاء شمله العفو العام طبيعياً وبعضهم قد يخضع لعفو خاص، مشيراً إلى أن حالات هؤلاء ستُدرس وتتوقف على وضع كل حالة لوحدها.
ووفقاً للاتفاق ستتم تسوية أوضاع المسلحين الراغبين بالعودة إلى حياتهم الطبيعية في المرحلة الثانية، على أن تعود جميع مؤسسات الدولة إلى العمل في حي الوعر، بحيث يكون في نهاية المرحلة الثالثة خالياً من السلاح والمسلحين وتحت إشراف وسلطة الدولة المطلقة.
وتنهي حمص بهذه العملية، فصلاً من ذكرى مأساوية، يوافق المسؤولون فيها على أن جرحها سيبقى نازفاً ومفتوحاً مدة طويلة. ووفقاً للبرازي فإن عدد الحالات الموثقة للضحايا من مدنيين وعسكريين في حمص وفقاً للجداول الرسمية وصل إلى سبعة آلاف خلال سنوات الحرب، إلا أنه يعلم من دون لبس أن الرقم الحقيقي غير المعلوم أعلى من ذلك بكثير، وسيحتاج استكماله إلى عمل وجهد طويلين غير معروفَي الأمد.
(السفير)