اجتماع الرياض: لا بديل عن التنظيمات الإسلامية عامر نعيم الياس
من يتوقّع أن يخرج من الرياض قرارٌ بتبنّي علمانية الدولة السورية والاعتراف بالتكيّف مع بقاء الرئيس الأسد على رأس السلطة في سورية في مرحلة تمتد 18 شهراً؟ من لا يزال يراهن على قائمة التنظيمات الإرهابية التي يصوغها الأردن في ظل دعوة الرياض «أحرار الشام» و«فيلق الشام» و«جيش الإسلام» و«الجبهة الجنوبية»، ألا تملك الرياض تأثيراً كبيراً على عمان، أم أن هذه الأخيرة ستعمل على إحراج العاصمة السعودية وتصنّف المنظمات الإسلامية المتطرّفة آنفة الذكر في خانة الإرهاب؟
لا تبتعد واشنطن بشكلٍ كبير عن المؤتمر المنعقد في الرياض والذي من المتوقع أن تصدر نتائجه غداً أو بعد غدٍ، فممثل حركة «أحرار الشام» حليفة «النصرة» والقطب الأبرز في «جيش الفتح»، لبيب نحاس، نشر مقالاً له على صفحات صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية يتحدث فيه عن ثورية الحركة الإسلامية التي شاركت يوم أمس في استصدار قرار في «إمارة إدلب» يفرض النقاب على النساء «الشاميات» كونهن غير ملتزمات. أما «جيش الإسلام» الذي يقوده زهران علوش فقد كان في عام 2013 أحد أحصنة الرهان على دخول العاصمة دمشق بالتزامن مع تنفيذ تهديد أوباما بقصف الدولة السورية في آب من تلك السنة، ولا يزال علوش حتى اللحظة محطَّ رهان واشنطن ومن ورائها الرياض التي ترى في الأخير خطّاً أحمر خاصاً بها وضماناً محورياً ووحيداً لنفوذها في سورية وتحديداً في الغوطة الشرقية التي تطوّق العاصمة دمشق وتضغط على قاطنيه، خصوصاً في أحيائها الشرقية. أما دعوة «الجبهة الجنوبية» فهي تقاطع إضافي لمصالح واشنطن و«تل أبيب» وعمّان والرياض، في الحفاظ على ورقة البوابة الجنوبية للبلاد بيد التحالف الغربي من أجل ضمان أمن حدود الأردن وفلسطين المحتلة وحتى شمال مملكة آل سعود.
سياسياً من حيث التنظيمات المدعوة، يسيطر الائتلاف القطري ـ التركي على المشهد، فيما «هيئة التنسيق» في الداخل تحاول تسجيل النقاط وحضور المؤتمرات حتى لو بصفة شاهد زور لضمان البقاء في حسابات القوى الإقليمية والدولية في توجّهها مستقبلاً لأيّ حلّ في البلاد، وهي في مواقفها العامة تتقاطع إلى حدٍّ كبير مع مواقف قادة «الائتلاف» الأكثر تطرّفاً من الدولة السورية، فيما تمَّ استبعاد «الاتحاد الوطني الديمقراطي» الذي يقوده صالح مسلم لعدم اصطفافه بشكل نهائي إلى جانب الخيار السعودي ـ القطري ـ التركي ومحاربة تنظيمه التنظيمات الإسلامية في شمال غرب البلاد.
الأجندة التي تقود مؤتمر الرياض هي أجندة سعودية تركية محضة، لا يمكن أن تؤدي إلى الخروج بموقف يساعد على بلورة موقف معارض موحّد ومرن من الحل في سورية، فالنتائج المتوقعة للاجتماع ستقوم على التأكيد على الآتي:
ـ تبييض صفحة حركة «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» و«الجبهة الجنوبية»، وفرضهم على موسكو ودمشق وطهران، ما يضمن التواجد الميداني للدول الإقليمية ويدخلها مباشرةً في التفاوض حول سورية من موقع قوة.
ـ صبغ التنظيمات المسلحة المدعوة بصبغة «الاعتدال» سيساعد في الحفاظ ضمناً على تواجد «جبهة النصرة» و«حتى داعش» في بعض المناطق التي تتداخل فيها السيطرة بين المجموعات السابقة، و«جيش الفتح» الذي يضم «النصرة» و«أحرار الشام» مثالٌ على ذلك، إضافةً إلى الحفاظ على الوضع الميداني الراهن قدر الإمكان وتكبيل العملية العسكرية الروسية في سورية.
ـ رفض مبدأ علمانية الدولة السورية الذي يعدّ أبرز مقرّرات فيينا والذي فرضته موسكو على الدول الكبرى، وهو ما يحافظ على وحدة البلاد ويعرّي التنظيمات الإسلامية نهائياً في سورية.
ـ تعويم الائتلاف وقطع الطريق على القائمة الروسية وقائمة مؤتمر القاهرة للتنظيمات المعارضة تحت ستارة بيان الرياض الذي سينتج عن الاجتماع.
ـ نسف مسار فيينا بشكل شبه كامل وإحياء مصطلح العملية الانتقالية والمفهوم الذي كان سائداً لتفسيرها قبل سنتين والقائم على اشتراط رحيل قيادات الدولة السورية وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والجيش والقوات المسلحة، وهو ما كان اتفاق فيينا قد أسقطه بشكل نهائي وركّز على وحدة مؤسسات الدولة السورية.
لن يكتب لاجتماع الرياض النجاح، بل هو محاولة يقصد منها إعادة تعويم الأجندة السعودية التركية ـ القطرية في الملف السوري، والعودة بالمتغيرات السياسية الدولية التي بلورت في مسار فيينا إلى نقطة الصفر، أو على الأقل التشويش عليها وفرملة الجهد السياسي الروسي الموازي للعملية العسكرية في سورية.
(البناء)