مات الرئيس الوسطي… عاش ثنائي عون وفرنجية
ناصر قنديل
– يسوّق بعض المحللين والمتابعين وربما يفترض بعض السياسيين إمكانيتين، الأولى موت ترشيح النائب سليمان فرنجية بمجرّد عدم السير به إلى صندوق الاقتراع خلال أيام، وكحدّ أقصى خلال أسابيع، والثانية فرصة العودة إلى مشروع البحث عن اسم ثالث غير العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، وبالتالي يصير البحث هنا عن الاسم الوسطي كمواصفات للمرشح المنشود، وينطلق هؤلاء من أنّ سقوط تسوية فرنجية يتمّ ببرودها لأنها عملية تصاعدية متى تعثرت ولم تصل للحصاد الأخير بالتسارع الذي بدأت به تسقط وتحترق، ويصرف النظر عنها، وباعتبار أنّ مدخل البحث فيها كان استبعاد السير بالعماد عون فالفرص ستفتح لسواهما، وهنا ليس المقصود بالتأكيد مرشح من الفريق المقابل لهما بل مرشح من الأسماء الوسطية التي يمكن أن تُقبل من الجميع ولا تشكل تحدّياً لأحد، ومدخل هذا الاستنتاج تفسير لاستبعاد عون من جهة ورفض تسوية فرنجية من جهة أخرى. يقول إنّ ترشيح الرئيس الزعيم يستفز خصومه السياسيين لأنه يمنح الرئاسة بزعامته ثقلاً لخطه السياسي، وبالمقابل يتحدّى منافسيه في طائفته، لأنه يمنح زعامته ثقلاً بموقعه الرئاسي، بينما الرئيس الوسطي لا يستفز أحداً ولا يتحدّى أحداً، لأنه بلا خط سياسي وبلا ثقل أصلاً.
– يتجاهل هؤلاء أنّ ما كشفته تجربة ترشيح فرنجية أبعد بكثير من لبنان، ويتصل بمفاتيح صناعة الرئاسة اللبنانية، فعندما يصير المعسكر المواجه لسورية والمقاومة الداعمَيْن الحقيقيَّين لترشيح عون، عاجزاً عن التقدّم بمبادرة رئاسية تحمل غير اسم فرنجية، حليف سورية والمقاومة بدرجة لا تقلّ إنْ لم تزد عن درجة تحالف عون معهما، فهذا ليس عبثاً ولا مصادفة، بل تعبير عن موازين قوى تحكم معادلات الإقليم بعد الدخول الروسي إلى فضائه، وعن معادلات الغرب بعد دخول الإرهاب إلى أرضه، حيث صارت سورية وحزب الله الورقة الرابحة مرتين، مرة بصفتهما الحليف القادر على تثمير فائض القوة الروسي رئاسياً في لبنان، ومرة بكونهما القيمة المضافة في الحرب على الإرهاب القابلة للصرف في الرئاسة اللبنانية بعدما أدّت إلى تثبيت درع الرئاسة السوري للرئيس بشار الأسد دولياً، فهما القوة البرية الوحيدة التي تمنح الحرب العالمية على الإرهاب ضالتها المنشودة، وهي القوة البرية المفقودة في بنية الغرب وخياراته وتحالفاته وبدونها لا أمل يُرتجى بنصر على الإرهاب بعدما صار هذا الإرهاب تحدّياً داخلياً في كلّ بلاد الغرب.
– لبنانياً قالت التجربة حتى الآن، إنّ التسليم الدولي بفائض القوة الروسي وكيفية تسييله في الرئاسة اللبنانية والقيمة المضافة لقوة سورية وحزب الله في الحرب على الإرهاب وموقعها في الرئاسة اللبنانية، قابلان للصرف لدى القوة الأهمّ في الضفة المقابلة لسورية وحزب الله إقليمياً وهي السعودية، ولبنانياً وهي تيار المستقبل، والدليل هو المقبولية بل والحماسة التي جرى عبرهما تداول مشروع التسوية المقترحة بترشيح فرنجية، وبالتالي فإنّ كلّ تطوّر يحمله الزمن، سيصبّ الماء في طاحونة هذه المعادلة، طالما أنّ التغييرات الدولية والإقليمية المتصلة بفائض القوة الروسي والقيمة المضافة لسورية وحزب الله في الحرب على الإرهاب إلى المزيد من التظهير، من سورية والعراق وصولاً إلى اليمن، وهذا له معنى أكيد، وهو أنّ التطورات المقبلة إن لم ترتب العودة لخيار عون رئاسياً فهي على الأقلّ لن تسمح بتداول غير فرنجية بديلاً.
– لبنانياً قالت التجربة إنّ التكتلات السياسية والنيابية التي راهنت التسوية على أن تتشكل منها كتلة قادرة على السير بالتسوية، تُحرج حزب الله وسورية، فيختاران بين السير بها علناً، أو التغاضي عن تركيبة نيابية تسير بها وتنجحها، ليست بوارد السير بعيداً عن شراكة بالعمق نابعة من قناعة لدى حزب الله وسورية، وبيضة القبان هنا هي ثنائي رئيس مجلس النواب نبيه بري والمرشح المعني النائب سليمان فرنجية، المؤمنان بالتسوية والساعيان لإنجاحها، لكن الملتزمان بعدم تعريض علاقتهما بحزب الله وسورية لأيّ اهتزاز، وبالتالي الإصرار على التكامل معهما بالقرار والخيار باليقين والثقة، وليس بالإحراج والمخارج المموّهة. وعندما يصطف بري وفرنجية عند هذه العتبة لا يمكن للثنائي المقابل المكوّن من الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط الشريكين في التسوية، متابعة غمارها، دون التشارك مع بري وفرنجية في كيفية جعل حزب الله شريكاً كاملاً في هذه التسوية، وهنا يصير حضور ثنائي ثالث هو حزب الله والعماد ميشال عون يتشارك في الخيارات وبدونه لا تتمّ التسوية ولا تقلع، وهذا يعني أنّ ما لم يفعله بري وفرنجية مع تسمية مرشح كفرنجية لا يحتاج لتسويق عند حزب الله وسورية، وإصرارهما على الشراكة المعلنة والكاملة منهما، لن يفعلاه في حال التداول بأيّ اسم آخر.
– الثنائي الرابع وهو الأحزاب المسيحية المنضوية في الرابع عشر من آذار ومعها الكنيسة، والتي كانت قوة دافعة لرفض ترشيح العماد عون والمرتبطة بخط الحريري محلياً وإقليمياً، فقد بدا أنها عاجزة عن منح تغطية شجاعة لترشيح فرنجية تجعل منه مرشحاً مسيحياً، لاعتبار أهمّ من التنافس على الزعامة، هو المزاج المسيحي الذي أوجده العماد عون مع ترشيحه والحساسية التي ينتجها أيّ ترشيح يبدو من الفريق المتهم بتهميش المسيحيين، والتمعّن بهذه النتائج سيعني أنّ أيّ ترشيح جديد محكوم بهذه العناصر، سيعني استحالة مسيحية أمام مرشح وسطي غير زعيم ويرتضيه الحريري وجنبلاط ويشكل مصدراً لرضاهما، فما لم يتحقق لفرنجية لا يمكن أن يتحقق لسواه.
– الواضح أنّ ترشيح فرنجية يتعثر، ولا يسير وفقاً لما كانت توقعات الذين تبنّوا الترشيح، لكن هذا الترشيح لن يموت، ولن يُسحب من التداول وسيبقى الخيار الوحيد الرديف لترشيح العماد عون، وستبقى المعادلة إما عون وإما فرنجية ولو بعد سنة، فالذي مات هو المرشح الوسطي فقط، وربما يكون هذا سرّ ارتياح حزب الله وسورية للوقت، ودعوتهما للحليفين عون وفرنجية إلى التروي والحرص على تماسك تحالفهما، لأنه أثمن من الرئاسة بكثير، ولأنّ المعادلة كانت بدونهما لا رئاسة، وقد صارت لغيرهما لا رئاسة.
(البناء)