في عالمين متوازيين: براك ربيد
أحد الامور التي برزت في الايام الثلاثة من مداولات «منتدى سبان» كان الجوانب المتسائلة التي تبادلها المشاركون الأمريكيون، في أغلبيتهم الساحقة من الجانب الديمقراطي من الخريطة السياسية في الولايات المتحدة، فيما بينهم بنظرات مذهولة بعد أن سمعوا ما لدى مندوبي اليمين الإسرائيليين قوله. فوزير الدفاع موشيه يعلون، وزير التعليم نفتالي بينيت ورئيس إسرائيل بيتنا افيغدور ليبرمان تركوا سامعيهم الأمريكيين باحساس يتراوح بين الاحباط، الصدمة او انعدام الوسيلة.
أما الضريبة اللفظية التي يواصل بنيامين نتنياهو دفعها لحل الدولتين باتت تكاد لا تثير أي انطباع على احد في واشنطن. فكبار رجالات الادارة الأمريكية والحزب الديمقراطي سمعوا كبار رجالات حكومة إسرائيل من الليكود ومن البيت اليهودي وفهموا بان السياسة الأمريكية هي في افضل الاحوال حل دولة ونصف ـ إسرائيل التي تسيطر على معظم الضفة الغربية والفلسطينيون في حكم ذاتي يتشكل من عدة كانتونات.
وجاء خطاب وزير الخارجية جون كيري المليء بالاحباط الدليل الافضل على ذلك. «تعالوا نتوقف عن التظاهر»، قال في حوار مع الذات كان بأسره تنفيسا لضغط تراكم لديه. وسلسلة الاسئلة التي عرضها في خطابه عن سياسة الحكومة في القدس من الموضوع الفلسطيني خرجت من قلب رجل يحب إسرائيل من كل قلبه. معظم وزراء الحكومة يستخفون بها بايماءة يد والقول «ثق، سيكون الحال على ما يرام».
بعد ثلاث سنوات من محاولات لا تتوقف، حتى وان كانت متجسمة احيانا، لتحقيق اختراق بين إسرائيل والفلسطينيين، يبدو كيري كمن رفع اليدين. «الطرفان وحدهما يمكنهما أن يتخذا القرارات اللازمة»، قال، «اذا حصل هذا فسنكون مستعدين للتقدم والمساعدة». وحتى لو لم يقل هذا بشكل صريح، فان رسالته للإسرائيليين وللفلسطينيين على حد سواء كانت ـ هذا انتهى، تدبروا انفسكم وحدكم.
ينبغي الافتراض بان نتنياهو ورجاله يأملون بان في تشرين الثاني 2016 سينتصر في الانتخابات للرئاسة مرشح جمهوري. سيناريو كهذا ليس خياليا، ولكن الاحتمالات الاعلى في هذه اللحظة هي أن يجد نتنياهو في البيت الابيض هيلاري كلينتون. فقد اظهر خطاب وزيرة الخارجية السابقة أمس في منتدى سبان بان سياستها في الموضوع الإسرائيلي ـ الفلسطيني لن تكون مختلفة كثيرا عن سياسة أوباما وكيري.
وهي تنشغل في هذا الموضوع منذ عشرين سنة ولم تترك انطباعا بان في نيتها أن تتوقف. فرغم حقيقة أنها في حملة انتخابات، تعلقها بالتبرعات وخوفها من أن يدخلها خصومها الجمهوريون في خانة «المناهضة لإسرائيل» حيث صنفوا في السنوات السبع الاخيرة أوباما، لم تخشى كلينتون من أن توضح أين تقف في المواضيع مثل البناء في المستوطنات، حل الدولتين أو حاجة إسرائيل لان تتخذ مبادرة وخطوات لبناء الثقة تجاه الفلسطينيين.
استنتاج الكثير من كبار رجالات ادارة أوباما ومن قد يكونوا في مناصب اساسية في ادارة كلينتون هو ان الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة وحكومة إسرائيل هما كيانان يعيشان في عالمين متوازيين يبتعدان الواحد عن الاخر ومن الصعب ان نراهما كيف يمكنهما أن يلتقيا في أي وقت من الاوقات.
احساس مشابه يرافق غير قليل من كبار رجالات الحكومة في القدس او اليمين الإسرائيلي. في الجانب الأمريكي لا يفهمون كيف لا تعنى إسرائيل بهوس في محاولة ايجاد حل للنزاع مع الفلسطينيين، وفي الجانب الإسرائيلي لا يفهمون لماذا ينشغل العالم بمثل هذا الهوس بالموضوع الفلسطيني.
الامر مقلق على نحو خاص في ضوء حقيقة أن الحديث يدور عن ميل قائم في الحزب الذي يمثل ما لا يقل عن نصف الجمهور الأمريكي. مقلقة اكثر حقيقة أن اغلبية اليهود في الولايات المتحدة، المتماثلة مع الحزب الديمقراطي، صوتت لأوباما وستصوت لكلينتون ايضا، تشعر بذلك. فهم يسمعون وزراء حكومة إسرائيل ويقلقون. إما انهم لا يفهمون إلى اين تسعى حكومة إسرائيل إو انهم يفهمون جيدا ولكنهم يفضلون كبت ذلك والاعتقاد بان هذا مجرد كابوس عابر.
عندما يكون هذا هو الوضع، لا مفر من التفكير في مسألة هل يمكن لعلاقات إسرائيل ـ الولايات المتحدة أن تبقى استراتيجية وقوية مثلما هي اليوم بعد عشر أو عشرين سنة من الجمود السياسي. هل في ذات واقع غياب الفصل بين إسرائيل والفلسطينيين وواقع «حل الدولة ونصف» يمكن مواصلة الحفاظ على الاسطورتين اللتين ترافقان علاقات إسرائيل بالولايات المتحدة ـ القيم المشتركة والمصالح المشتركة.
هآرتس