مقالات مختارة

لم يكن شكسبير فلسطينياً! د. فايز رشيد

 

لم يعاصر شكسبير مأساة الشعب الفلسطيني ولا جرائم الفاشية الصهيونية بحقه على مدى يقارب القرن، رغم ذلك أبدع مسرحيته «تاجر البندقية»، التي يصور فيها نفسية المرابي اليهودي «شايلوك»، وإصراره على قطع رطل لحم من جسد مَدين فقير له لم يفِ بدَينه للمرابي في موعده!. كذلك كان نصيب الشاعر ت. س. إليوت عندما نشرت زوجته الثانية فاليري، مخطوطة قصيدته الأكثر ذيوعاً في الشعر الحديث «الأرض اليباب» أو بالعنوان الآخر «الخراب». لقد أحدث نشر صورة المسوّدة الأصلية للقصيدة ضجة كبيرة.. وبخاصة تلك ‏التي تتصل باتهامه بالتهمة الجاهزة صهيونياً وهي«العداء للسامية».

وبسبب نشر هذه القصيدة من قبل صديقه عزرا باوند، جرى اتهام الأخير أيضاً بنفس التهمة، وقد سبق له وأن خاطب اليهود قائلاً: «إن كباركم يرتبطون برأس المال ويشكلون معه شيئاً واحداً، كما يرتبط صفار البيض ببياضه، بعد خفقه في الآنية، ومن الأفضل لكم أن تعتزلوا في دير بيشاير، ومن الخير أن تعتزلوا في جنوسستر وتبحثوا عن بقعة بريطانية، وتمضوا حياتكم فيها، بدلاً من أن تذهبوا إلى الحرب من أجل وطن خاص بكم في فلسطين».‏ نصيب الفيلسوف الألماني مارتين هايدغر كان أشد قسوة، عندما اتهمته الحركة الصهيونية «بالاصطفاف إلى جانب الرايخ الثالث» و«العداء للسامية»!، هذا رغم تأكيد الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا (في كتابه «هايدغر والسؤال»)، أن هايدغر أدان النازية فلسفياً، وبأشكال مختلفة أخرى، خاصة من خلال تحذيره من خطر تدمير الإنسان. كما أن مشروع هايدغر، حسب دريدا، لا يتضمّن أيّ اتهام لليهودية كديانة، وهو ما أكده أيضاً الفيلسوف اليهودي الليتواني الأصل إيمانوئيل ليفيناس، الذي شكك بالتهمة.. معتبراً «أن جوهر فكر الكينونة عند هايدغر هو «تمجيد التراث اليوناني وليس مسح التراث الديني اليهودي» على حدّ تعبيره. العنوان الأساس والأبرز لفلسفة ليفيناس هو «الأخلاق كفلسفة أولى.. هذه التي تتناقض بالطبع مع «فلسفة العنف والقتل» التي تزخر بها الحركة الصهيونية وتمثيلها السياسي «الإسرائيلي» القائم حالياً.. هذا «الكيان» السوبر عنصري، والنازي المطوّر و«المابعد فاشي»، الطافح بالابارتايد. 
كل المعنيين في بداية المقالة من الكفاءات الإنسانية.. الفلسفية والأدبية العالمية ليسوا فلسطينيين وعرباً، لكنهم اكتشفوا حقيقة الصهيونية ومشاريعها الإجرامية العدوانية، الإقصائية الاقتلاعية للشعب الأصيل من فلسطين، ومخططاتها التدميرية في العالم والشرق الأوسط وعموم المنطقة العربية.

نقول ذلك لأن وزارة الصحة الفلسطينية أكدت في بيان لها «أن مستشفى «تل هاشومير» الصهيوني طالبها بصرف نفقات علاج الطفل أحمد دوابشة»، الذي أصيب نتيجة جريمة نفذها مستوطنون في قرية دوما بمحافظة نابلس قبل خمسة أشهر. ونفت الوزارة في بيان صحفي، ما صرح به ما يسمى بقائد الإدارة المدنية «الإسرائيلية» يوآف مردخاي، ونشرته وسائل الإعلام، حيث ادعى أن دولة الاحتلال «الإسرائيلي» هي من ستتحمل نفقات علاج الطفل دوابشة. وطالب مستشفى «تل هاشومير» وزارة الصحة الفلسطينية بتاريخ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2015 بتغطية نفقات علاج الطفل أحمد دوابشة والبالغة حتى حينه 259 ألفاً و643 شيكلاً، فيما طالب المستشفى بتغطية تكاليف قناع طبي للطفل، وقد غطت الوزارة تكلفته. وكان نفس المستشفى طالب وزارة الصحة الفلسطينية بتاريخ 6 أكتوبر 2015 بمبلغ 216 ألفاً و754 شيكلاً كتغطية لعلاج الأم ريهام دوابشة، التي أعلن عن استشهادها في السابع من سبتمبر/أيلول متأثرة بإصابتها بحروق غطت 90% من جسدها في جريمة إحراق منزل العائلة.

«الكيان» هو من قام بحرق بيت العائلة وتسبب بمأساة إنسانية لأفرادها بأكملهم: حرق الطفل علي، ومقتل والده ووالدته متأثرين بالحروق! للعلم إن قانون نقابة الأطباء في الكيان الصهيوني يختلف في نسخته الإنجليزية عن الأخرى العبرية، فالأخيرة مكتوبة بنصوص عنصرية منها: لا يجوز علاج عربي يوم السبت! بينما يفترض واجب الطبيب أن يهرع لعلاج الطفل اليهودي! أما في نسخته الإنجليزية فيتجاهل هذا النص ولا يورده! هذا ما لا أقوله أنا، ولا أتجنى فيه على «الكيان»! بل يورده الكاتب اليهودي «إسرائيل شاحاك» في كتابه «الديانة اليهودية، التاريخ اليهودي، وطأة ثلاثة آلاف سنة»! هذا الكاتب عالم التاريخ وأستاذ مادته في الجامعة العبرية، الذي حاربته الصهيونية و«الكيان». وبرغم يهوديته أطلقوا عليه تعبيراً جديداً «اليهودي المعادي للسامية»! هذا الكاتب الذي لم تنقل أجهزة الإعلام الصهيونية خبر وفاته إلا في سطرين اثنين.. وبعدها مباشرة ظهرت مقالات لكتّاب صهاينة تتشفى بموته!. هذه هي الشايلوكية والعنف والقتل في الفكر الصهيوني،المليء بالأبارتايد والعنصرية، والتي اخترعت مفهوم «العداء للسامية» واستعملته سلاحاً بطريقة قذرة في معاركها السياسية، وألصقته بكل من يحاول كشف الأضاليل والأساطير الصهيونية على صعيد العالم (روجيه غارودي مثلاً!). التهمة جرى إلصاقها حتى بالكتّاب اليهود.. شلومو ساند بعد كتابيه: «اختراع أرض إسرائيل» و«اختراع الشعب اليهودي» وبالكاتب نورمان فلكنشتاين بعد كتابه «صناعة الهولوكوست»، وبالكاتب آرثر كوستلر بعد كتابه «إمبراطورية الخزر وميراثها، القبيلة الثالثة عشرة»، والذي يثبت فيه وهم العلاقة بين يهود الأمس ويهود اليوم! التهمة تحوم أيضاً حول إيلان بابيه بعد كتابه «التطهير العرقي للفلسطينيين».. أبعد كل ذلك.. هل نستغرب طلب المستشفى الشايلوكي الصهيوني!؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى