مقالات مختارة

فرصة أو مكيدة! العلامة الشيخ عفيف النابلسي

 

لم يكْن مطلب انتخاب رئيس للجمهورية هيّناً في يوم من الأيام، فكيف في هذه الظروف التي تشتعل فيها النيران في جهات المنطقة كلها؟

ولم يكن بسيطاً في السابق أن نعثر على تسويغ سياسي لاعتماد صيغة مقبولة تحظى بالاحترام والديمومة، ولا تقبل الريب، أمام كلّ منعطف أو تغيير يطرأ على المعادلات الداخلية أو التوازنات الإقليمية.

لا شك في أنّ توفير الشروط اللازمة لتحقيق استحقاق رئاسي يتجاوز العقد النمطية المعروفة لهو أمر في غاية الأهمية، لكن الطرح الأخير الذي قدّمه الرئيس سعد الحريري بقبول ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية لا يقوم على ترتيب جوهري ومعاينة عقلانية، بل فيه تفكيك لحقائق وتجاهل لمشاكل كبرى أساسية.

أولاً: وفي سياق هذه المهمة يجب أن نعيد كلبنانيّين فهمنا لحقيقة بلدنا من الناحية السياسية والطائفية والديمغرافية، ولطبيعة الموقع الجغرافي الذي نعيش فيه، والمحاط بكيان عدائي عنصري إرهابي هو الكيان «الإسرائيلي»، وكيانات تكفيرية وفدت علينا لغة وثقافة وأفكاراً ومنتجات تمكّنت من تغيير الكثير من بنية وطننا ووعي مواطنينا.

فإذا ما أردنا استحقاقاً منجزاً بشروطه التي تختزن المصلحة الأكيدة لكلّ اللبنانيين، فعلينا اجتياز الموانع التي تفرض أن يكون رئيس الجمهورية رئيساً لرغبات الخارج لا رئيساً لطموحات اللبنانيين ومصالحهم. والطرح المقدّم من الرئيس الحريري يقع ضمن سياق يسيطر عليه تفكير الخارج ونظرته إلى الاستحقاق من زاوية مصالحه هو ولا يعير أهمية كبيرة للمصلحة الوطنية بأبعادها المتعدّدة. ثانياً: إذا أردنا رئيساً لكلّ اللبنانيين يجب أن ينفسح السبيل أمام تفكير جديد بعيد عن الحسابات الشخصية. يجب أن نُرسي قواعد جديدة مبنية على هوية وطنية ومصالح وطنية، وشفافية بين مختلف القوى الأساسية. ولكن الذي ظهر من الطرح الحالي أنّه يريد من جهة إخراج فريق – وهو تيار المستقبل – من مأزق، وتأزيم العلاقة بين حلفاء أي بين تيار المردة والتيار الوطني الحر وغيرهم – من جهة أخرى. ما يعني أننا سندخل في تعقيدات جديدة ستكون فيها عناصر الصدام أكثر من عناصر الوفاق.

ثالثاً: ليس من العدل والنبل، وطنياً وإنسانياً وسياسياً، أن يتمّ الاستحقاق بالمكر والخديعة، وليس مقبولاً أن يشاء فريق 14 آذار ما يريد ويحقق ما يتمنّى، بمعزل عن مشيئة المسيحيّين أنفسهم، وإلا فسنعيد سوءات النظام القديم الذي كرّس الغبن والتهميش والإقصاء، ومثلما لم يقبل المسيحيون تعيين نواب لهم عبر قوى تريد تحصيل أكبر الأرباح لمشروعها السياسي، فلن يقبلوا اليوم تحت أيّ ظرف أو مخاتلة سياسية ترشيح شخص لا يحظى بالمواصفات والمعايير التي تضمن للمسيحيّين حماية وجودهم وهويّتهم وتعبّر عن رأي الغالبية عندهم.

رابعاً: إنّ أيّ ترشيح يجب أن يكون نتاج تفاعل مركب بين التوازنات السياسية الوطنية الحقيقية القائمة على تمثيل صحيح للمواطنين من خلال قانون انتخابي يعكس تطلعات اللبنانيين، بكلّ صدق وأمانة، وبين العلاقات الخارجية المستندة إلى الصداقة والتعاون ومبدأ سيادة الدولة. فهذا القفز فوق التوازنات المسيحية والمعادلات الوطنية سيأتي بالفوضى لا برئيس يستطيع تعميق جذور السلم والتعايش وحماية لبنان من الأخطار وتصحيح الواقع السياسي والاقتصادي. وعليه، فإذا كان ما يجري في هذه الأوقات من تحريك للملف الرئاسي على خلفية المأزق الذي وقع فيه بعض الداخل والخارج الذين راهنوا طويلاً على تغييرات كبرى في المنطقة وعلى رأسها سقوط النظام في سورية وفشلوا في رهاناتهم، ليذهبوا ويرشحوا شخص الوزير سليمان فرنجية فنحن نراه مكيدة أكثر منه فرصة للتسوية. وبنظري، إنّ هذه الصفقة هي صفقة عمياء لا ترى الجهة التي قدّمتها فيها إلا نفسها، صفقة تعكس رغبة أحادية الاتجاه لإعادة إنتاج الطبقة السياسية نفسها التي دعمت تدمير سورية وتشريع الفتنة في لبنان.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى